كعادته، قبل أن يترك والدي الدركي البيت إلى المخفر، رشف فنجان الصباح، وألحقه بتنهيدة باردة، فيها من المعاني والدلالات ما فيها، وكلّمني بهدأة الخائف أن تسقط كلمة من نصائحه، على الدرب بين فمه وأذني، واضعا يمناه على كتفي: ومتى نضجت في العلم، يا بنيّ، وحصّلت من الشهادات أحلاها وأعلاها، لا تظنّن أنك ختمت العلم في اختصاصك، فهذا أول دركات السقوط.. وإياك، إياك أن تدعّي معرفة كاملة أو تحتكر الحقيقة في أمر، فتنتقص من قدرك وتضّيع رصيدك بين الناس.. فأصغيتُ وقبلّتُ يده وأشربته فنجانا ثانيا من ركوة صغيرة، ليُرب فيزيد. حضنني وأردف: وإن أنعم الربّ عليك برضاه، وتسلّمت مسؤوليّة أو وصلت إلى مركز، أوصيك بأن تسهر على الوزنات، وتحافظ على ثقة رؤسائك ومحبّة مرؤوسيك، فهذه ثروة الأوادم.. ولا تنسى أن تكتب بخطّ يدك حكمة عتيقة تضعها أمام ناظريك معناها ( ما من عزّ إلا وسيزول… وما من شدّة إلا وستؤول)، واختر معاونيك من الأوادم وكبار النفس، وباسِمي الوجوه، وهادئي الروح. Read more