محمد ع. درويش
بمناسبة الذكرى ال 25 لرحيل العالم د.حافظ قبيسي رفيق الدرب الإنمائي وصاحب الفضل الكبير على الوطن، مؤسسة حسن صعب للدراسات والابحاث تستذكره عشية غيابه ولبنان يمر بأسوأ أوضاع حياتية يعيشها المواطن.. “فقدان الأمن والأمان والأستقرار”. وجرح مرفأ بيروت مازال ينزف بإنتظار العدالة، والشعب الموجوع يترقب ولادة لبنان الجديد ليعطي جرعة أمل وتفاؤل.
بغيابك د.قبيسي مررنا بلبنان بمحن كثيرة وكبيرة وما زلنا نتخبط بهذه المحن من إنفجار مرفأ بيروت المأساوي، إلى هبوط العملة الوطنية، استنزاف أموال المودعين، والمؤسف مازالت الطبقة السياسية تنظر في مكان آخر، عين على أسيادهم في الخارج، وعين أخرى على حساباتهم المصرفية، وغير آبهة بمصير شعب بأكمله يعاني من أسوأ أزمة في تاريخ البلد.
د.قبيسي عندما يرحل الكبار أمثالكم لا بد لكلامهم ان تحفظ بالانفتاح عليها والتفاعل معها، فأنتم ذاكرة الوطن النظيفة، والوطن اليوم يحتاج الى نظافة العقل ونظافة الفكر ونظافة الكف.
د.قبيسي كان بالنسبة الينا نحن الشباب الأب الروحي والموجه العلمي والمربي والباعث فينا الحياة، وراعي طموحاتنا وآمالنا وأحلامنا ومستقبلنا.
لقد كان حافظ قبيسي عالما رؤيوياً في فكره، لم يخضع في قراراته ومواقفه للأمر الواقع، ولم يحصر فكره بالزمن الذي عاش فيه، كان مستقبلياً يرى في المستقبل سعة ورحابة ومحط طموحاته ومنهل أفكاره التي قد لا يستطيع الواقع المتخلف هضمها أو تحملها.
لقد كان لي الشرف ان عملت مع الدكتور حافظ قبيسي رئيس فرع الإنماء العلمي لندوة الدراسات الإنمائية التي تعنى بتربية النشىء ورعاية الفكر والعلم وبناء الإنسان صانع الأمجاد، عدت بذاكرتي لتلك الأيام التي عملت بها معه.
برحيل الدكتور حافظ قبيسي خسرت ندوة الدراسات الإنمائية ركنا من أركانها لقد كان الراحل على درجة كبيرة من الأخلاق الحميدة والعلم والفكر والثقافة والأدب.
كان فقيدنا يحمل في قلبه وعقله ووجدانه القضايا الإنمائية والعلمية والوطنية وأميناً عليها ووفيا ومخلصاً لرفيق دربه المفكر الراحل الدكتور حسن صعب، ونشهد للراحل بالعمل الدؤوب والسعي الدائم في خدمة الإنسان كل إنسان وكل إنسان.
ندوة الدراسات الإنمائية التي تأسست سنة 1964، وضمت الى الآن نخبة خيرة من المواطنين اللبنانيين من جميع الطوائف والمناطق من رجال الفكر والعلم والأختصاص، قطعت شوطاً كبيرا في محاولاتها الجادة لتقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء المتنازعين، وذلك في سبيل تحقيق توافق وطني في ظل لبنان جديد في مشروع ميثاق قدمته الى مختلف المراجع الرسمية والحزبية لقى ترحيباً. وهذا المشروع اعتبر الجامع الوطني المشترك بين جميع الفعاليات. فهو يقوم على ديموقراطية حقيقية يتساوى فيها جميع اللبنانيين في التضحيات والمسؤوليات والحقوق والواجبات.
ندوة الدراسات الإنمائية التي تأسست عام 1964 بمبادرة من المفكر الراحل الدكتور حسن صعب ومجموعة من اصدقاءه أمثال فقيدنا الراحل الدكتور حافظ قبيسي، والهدف هو اشاعة التوعية الإنمائية بين المواطنين اللبنانيين الموجودين سواء منهم في القطاع العام او القطاع الخاص، وذلك لأن انماء لبنان، اي تطويره من دولة نامية الى دولة متقدمة يستدعي المشاركة الخلاقة من قبل جميع المواطنين.
لقد كان لي الشرف والحظ انني عملت تحت اشراف د.حافظ قبيسي في ندوة الدراسات الإنمائية فكان القدوة في التعامل والتواضع صاحب الفكر العميق والعقل الراجح وكان المثل الأعلى لنا جميعاً.
إنسان مثقف عقلاني منطقي، في جلسات النقاش معه في الأمور العلمية والإنمائية والسياسية فكان يبسط افكاره ليستفيد منه الجميع وكان مرجعاً في آرائه السديدة وحكمته الواسعة.
وكان الراحلين الدكتور حسن صعب والدكتور حافظ قبيسي من ذلك الرعيل الاول والمميز الذي خدم الوطن باخلاص وبنى الانسان والمؤسسات.
بمناسبة الذكرى ال 25 لرحيل العالم حافظ قبيسي تستذكر مؤسسة حسن صعب للدراسات والأبحاث الكلمات التي القيت في الحفل التأبيني للراحل.
اجتمع في قصر الأونيسكو أصدقاء الراحل العالم حافظ قبيسي ومريدوه ومقدروه ورفقاؤه وطلابه وعائلته.
حافظ قبيسي ولد في قرية زبدين قضاء النبطية عام 1936.
حائز على دكتوراه دولة في الفيزياء من جامعة ليون فرنسا، وعلى دكتوراه في الأدب العربي.
أستاذ محاضر في كليّة العلوم في الجامعة اللبنانية، مستشار في الجامعة الإسلامية في لبنان، عضو اتحاد الكتاب اللبنانيين، عضو مجلس إدارة ورئيس فرع الإنماء العلمي لندوة الدراسات الإنمائية ، مؤسس وأمين عام سابق في جمعية «تقدّم العلوم في لبنان»، مؤسّس الجمعية الفيزيائية العربية وأمين عام لها، أمين عام المجلس الوطني للبحوث العلمية، مؤسس ورئيس سابق لــ «لجنة الصّباح الوطنية».
حافظ قبيسي، من قلة في الرجال يأتون وحين يمضي منهم الجسد يبقون ما بيننا في القلوب والضمائر والبال.
النبطية التي أنجبت علماء أجلاء تفتقد في قبيسي إبناً آخر انجبته للبنان في العالم مهر البحث العلمي بما رفد العلم والبحث والحصائل، من أقصى الجديد الى اقصى المهيأ للجديد.
لم يكن عادياً ان يحوز الدكتوراه في الفيزياء، رأس العلم التطبيقي، وأن يتطلب معها الدراسات الإسلامية، رأس العلم التنظيري، فكأنما عقله الرحب ظلّ عطشاناً الى المعرفة في جذورها الأعمق.
ولم يكن مشرفاً على الأطروحات من الوجهة الاكاديمية وحسب، بل كان توجيهه العلمي أهمّ من تنقيحاته الدراسية، لأنه مدرك تماماً انّ وجه لبنان العلمي هو الصفحة الأمضى في وجه الدخول الى الألف الثالث، مزوّداً مؤونة العصر كما يتطلبها العصر من العالم الأول والدول المتطورة تكنولوجياً.
حافظ قبيسي أحد العمالقة الذين زيّنوا واقعنا العربي بوهج المعرفة وحب الحقيقة وعمق الثقافة، وهو العالم الفيزيائي الكبير الذي يرى انّ الفيزياء هي الكون العظيم وانّ الرياضيات ليست سوى لعبة فنية، وعبر هذا الأدب الرفيع الذي تميّز به فكر الدكتور قبيسي رحمه الله، كنا نتلمّس روح الثورة العلمية التي كانت تتأجّج في صدره لبعض النهوض العربي والتزام الحقيقة العلمية واعتماد البحث العلمي أساساً للارتقاء في جامعاتنا وعلمائنا الى المصاف العليل في القيادة الحضارية والتنموية»
الدكتور حافظ قبيسي شخصية حضارية مركبة عمادها الإنسان بأكبريه: علمه ومناقبه. والعلم عنده ملازم حكماً للوعي وإلا كان العلم معرفة غير هادفة. فالعلم، بتكثيف، منهج حياة وطريق لبناء المجتمع الناهض.
«من المدى العلمي اللبناني الى الجمعية الفيزيائية العربية، ومن المركز التربوي للبحوث والإنماء الى الجامعة اللبنانية، فالمجلس الوطني للبحوث العلمية، كان حافظ قبيسي حرباً على الفردية والأمراض الفئوية وعلى الجهل والتخلف والاجترار، داعياً الى اكتشاف الجديد، والابتكار، وتصحيح المنطلقات والمفاهيم.
ولعلّ من محطاته التي تستحق التوقف عندها في النظر الشمولي الى المعرفة الإنسانية دعوته المنهجية الى توظيف المعارف كلها في عملية إعداد الإنسان للحياة الكاملة. أليست التربية، بتكثيف، بناء شخصية الإنسان بالوعي؟ أراد القول للمواكب المتخرّجة بأنّ المعرفة الإنسانية كلّ عضويّ لا يتجزأ، وأنّ أنصاف المعارف وأجزاءها المبدّدة هي أشبه بالقشور التي تأتي على وجدان أجيالنا فتؤذيه وتشوّهه.
حافظ قبيسي، رفيق الدرب الإنمائي وصاحب الفضل الكبير على الوطن. “نقول له ستبقى “ندوة الدراسات الإنمائية” بنهجها الفكري الحضاري والعلمي خير شاهد لقيم الإنسان والإنماء والتربية والحوار في لبنان. كما كنت انت خير من حمل الأمانة من صاحب الأمانة وخير مكرم لروح حسن صعب.
إننا نزداد ايماناً بأن الإنماء هو خلاص مجتمعنا واستعادة لقيمه وديناميكيته ورسالته، وبأن ما كرره “حسن صعب” و”حافظ قبيسي” بتفان وعناد ومثابرة اسطورية، نتسلمه امانة نعاهد أنفسنا على متابعتها، لأن المواطن يتوق الى بناء السلام الذي حلم به على قياس آماله التي تتخطى عجز واقعه.
الدكتور”حافظ قبيسي”،هو ابن مدينة النبطية، يحمل فكراً وينبض عطاءً وينشر علماً ويعلم أجيالاً ويؤثر في الآخرين لا يموت أبداً، تبقى روحه تعطر كل الأزمان.
رحمه الله واسكنه الفردوس الأعلى. كان استاذي في كلية العلوم سنة ١٩٦٢،وشعرت به عالما متمكنا من مادته، واحببتها وقدرته من يومها… واكتشفت معه في الجامعة، الإنسان الرائع، الذي يضيف إلى سعة معرفته وعلمه، حبه للناس، وتجرده عن كل مطامح او مظاهر خارجية. كان كبيرا بتواضعه ومحبته للعطاء بدون حدود. لروحه السلام والمحبة، وتبقى ذكراه دائما بالقلب والفكر
محمود حكيم