قلتُ لرجال يتجمَّعون عند الميناء: منكم مَن يفضِّل البقاء حيث وُلِد، وبعضكم يحبُّ الرحيل واكتشاف المجهول، أمَّا الرحيل فعشق للمسافة، واعتناق لديانة المغامرة، فاحملوا معكم متاعكم واضربوا في البحر لتكتشفوا عوالم جديدة، فأنتم لم تولَدوا لكي تعيشوا في صومعة الحرمان. وإذا تركتم بيوتكم وحقولَكم، فلا تلتفتوا إلى الوراء، ولا تقولوا: كانت عندنا أملاك كثيرة، فما تملكونه لم يكن يوماً لكم، وقد أخذه الفراغ واحتلَّته الوِحشة. ولا تحزنوا لأنَّكم فارقتم أهلكم وإخوتكم وأحبَّاءكم، ففي كلِّ جزيرة تنزلون عليها سيكون لكم أهل وإخوة وأحبَّاء. البحر سيعلِّمكم أنشودة المدى والأفق، والأمواج ستهدهدكم كأطفال وُلدوا للتوِّ من رحم الطبيعة. أذكروا مَن تحبُّونهم وتشتاقون إليهم في الغناء الذي يخرج من أفواهكم ومن أيديكم أيضاً، ولا تقطعوا صلة مع من فارقتم على الشاطئ البعيد، فهؤلاء ستجمعكم بهم مائدة أبديَّة لا ييبس خبزها ولا يجفُّ ماؤها، وإذا مات أحدكم في الأرض البعيدة، فاحملوه على أكفِّكم المتعبة وودِّعوه على أمل اللقاء. Read more