الثياب البابوية صورة للطهارة والمحبة والشهادة والخاتم رمز صياد البشر

نذ أعلن عن استقالة البابا بنديكتوس السادس عشر، انهمكت دار أزياء غاماريللي  في  قلب روما  في التحضيرلملابس البابا الجديد في ثلاثة  مقاسات مختلفة، -وبحلول أول آذار أعدّ الخياط لورينزو  ومساعدوه الثياب وبدأت مرحلة انتظار اجتماع الكرادلة وإعلان اسم البابا الجديد. وقد عرضت الثياب  في واجهة دار “غاماريللي” في شارع قريب من البانتيون، في وسط روما، وهي  عبارة عن ثوب أبيض مصنوع من الصوف و”موزيتا”، أي رداء  من الساتان الأحمر أطرافه من الفرو الأبيض يرتديه البابا فوق ثوبه، وحذاء من الجلد الأحمر.

  لهذه الملابس أصول تاريخية، فالحذاء الأحمر يمثل دماء الشهداء المسيحيين. قبل المسيحية بـ500 عام  كان الحذاء الأحمر موضة رائجة في روما مخصصة للطبقة الأرستقراطية  القادرة على تحمل ثمن باهظ لجلد مصبوغ  باللون الاحمر النادر والآتي عبر البحر المتوسط من فينيقيا والمستخرج  من أصداف الموركس..  وبعد وصول المسيحية إلى روما أصبح الأحمر لون ثياب رجال الدين لا سيما الكرادلة، فالأحمر الكاردينالي في الحقيقة هو أحمر مشيخي روماني ، مشتق من الأرجواني الفينيقي.

  إذا كان كهة إسرائيل يحتفلون في معابدهم  وهو حفاة، فإن الكهنة المسيحيين، منذ العصور الأولى للمسيحية،  ينتعلون أحذية خاصة لدى اقترابهم من المذبح، وبعد مجمع Trente  في 1563 أصبح الحذاء من الحرير تزينه تطريزات من خيوط الذهب. في نهاية القرن السادس عشر انتعل البابا حذاء من الحرير  مطرزاً بالصليب وكان المؤمنون يقبلونه بحرارة. أما الجوارب فمصنوعة من fil d’écosse ، ويختار البابا ألوانها حسب الزمن  الليتورجي: أبيض، أخضر، أحمر، أحمر كاردينالي، بنفسجي يرمز إلى آلام السيد المسيح، اسود في الجمعة العظيمة… pope-ring 2

 الملابس البيضاء التي يرتديها البابا ترمز إلى البراءة والمحبة، والملابس الحمراء تذكر بدماء الشهداء والسلطة والرأفة. غطاء الرأس له “مشبك” ويسمى باللاتينية pileolus ولا يخلعه البابا إلا أمام العلي عز وجلّ. كذلك يرتدي البابا قبعة مستديرة من المخمل الأحمر وخيوط من الذهب تسمى Galero، وهي تنتمي إلى خزانة الباباوات منذ القرن الرابع عشر.

خاتم البابا، تقليد راسخ عبر القرون في الفاتيكان، يجب على كل بابا جديد يجلس على  رأس الكنيسة الكاثوليكية أن يكون له خاتمه الخاص، قديماً كان يستعمل في ختم الأوراق الرسمية.  وبعد موت البابا يحطّم الخاتم الخاص به على الفور تفاديا للتقليد. بالنسبة إلى البابا بينيدكتوس السادس عشر كان الخاتم رمزا ولم يستعمل في أمور أخرى. وقد اعتبر كلاوديو فرانكي، أحد أشهر الصاغة في روما الذي  صاغ خاتم بنيدكتوس السادس عشر من الذهب  وحفر عليه  صورة القديس بطرس وهو يصطاد (رمز للبابوية، منذ ألف سنة)، أن هذه تجربة فريدة جسّد من خلالها البعد التاريخي والجمالي لروما، لذا  سعى فرانكي إلى إنقاذ الخاتم من التلف وفقاً لتقاليد الفاتيكان.

  منذ 1265، كان الخاتم يستخدم كختم رسمي للأوراق التي تحمل توقيع البابا، واستمرت هذه العادة حتى عام 1842 حين استبدل بختم مستقلّ، لكنه بقي رمزاً مهماً للبابوية وعادةً يقبّله زوار البابا.

 مع أن الباباوات المعاصرين، ومنهم يوحنا بولس الثاني، حدّوا من استخدام الخاتم، إلا أن البابا بنيديكتوس السادس عشر، الملقب بالبابا المحافظ،  أعاد استخدامه في حياته اليومية بعد انتخابه عام 2005 لإعادة قيم م الماضي. بما أن الخاتم متصل بتاريخ البابوية وليس بشكل رسمي في أعمال البابا كختم مثلاً، فيجب التعامل معه على أنه عمل فني، لذا ارتفعت مطالبات بحفظه  في متحف، لقيمته الرمزية.File picture of Papal white skull cap and burgundy shoes displayed in the Gammarelli's tailor shop window in Rome

  قدّم كلاوديو فرانكي نموذجين عن الخاتم للبابا بنديكتوس السادس عشر الذي اختار التصميم الكلاسيكي. وقد حفر اسمه على الخاتم الذي يحتوي 1.23 أونصة من الذهب. وقال المتحدث باسم الفاتيكان فيديريكو لومباردي، إن الأغراض المرتبطة برموز البابوية الشخصية ستتلف، ولكن قد يجري مزيد من النقاش حول طريقة التعامل مع الخاتم.

 يذكر أن هذه المرة الأولى منذ 600 سنة التي يستقيل فيها بابا من منصبه، وكان آخر بابا استقال هو غريغوار الثاني عشر سنة 1415، ما أثار علامات استفهام  حول كيفية تعامل الفاتيكان مع هذه المسألة.

دار غاماريللي

  تأسست دار غاماريللي عام 1790 في روما، منذ 1798، تلبس الباباوات. ستة اجيال من الخياطين صنعوا شهرة هذه المؤسسة  الضخمة. لم تخترقها التقنية  والعمل بأسره منفذ باليد. جمالية المواد الأولية وتجربة  قرون ساعدا غاماراللي في صنع ملابس فريدة ومتكاملة. ليس للدار  تاريخ في الأزياء العادية، فهي متخصصة بأثواب البابا والكرادلة.

مهمة دقيقة اعتاد عليها الخياطون المهرة في دار غاماريللي كما تظهر الصور المعلقة على الجدران وتمثل كل البابوات الذين ارتدوا من تصاميم هذه الدار، فضلا عن شهادات تفيد بأن غاماريللي هم خياطون  رسميون للفاتيكان. داخل المتجر تسيطر أجواء من حقبة غابرة، ويبدو أن الامور لم تتزحزح منذ عقود، من الطاولة الخشبية القديمة التي ينشغل وراءها الباعة إلى الرفوف العالية المجهزة بسلالم حيث تتكدس لفافات القماش. Italy Vatican Pope

يلف الغموض عادة اجتماع مجمع الكرادلة وانتخاب البابا الذي غالبا ما يأتي بمفاجات. لكن ثمة أمرًا مؤكدًا فالبابا الجديد في ظهوره الأول من على شرفة كاتدرائية القديس بطرس عبر تلفزيونات العالم باسره، سيكون مرتديا ملابس من تصميم غماريللي من رأسه إلى أخمص قدميه.

أيقونة في الموضة

   في جدولها السنوي حول  أكثر الشخصيات أناقة في العالم، وضعت إحدى المجلات الأميركية بنديكتوس السادس عشر على رأس القائمة، كونه يختار زيّه الكهنوتي بأفضل طريقة. في الحقيقة  أن البابا يهتم بعناية عميقة بلباسه، لكن  لسبب مختلف عما ورد في المجلة الأميركيةً.

  أعاد البابا بنديكتوس السادس عشر إحياء أزياء ليتورجية ذات تقاليد بابوية قديمة مثل “الكامورو” وهو عبارة عن قبعة شتوية  مصنوعة من قطيفة حمراء ذات حاشية من جلد السمور، “الساتورن” وهو عبارة عن قبعة ذات حافة عريضة كان يستعملها أسلافه البابوات مثل يوحنا الثالث والعشرون. كانت انتشرت إشاعة مفادها أن الأحذية الجلدية الحمراء التي يلبسها الپاپا من تصميم “پرادا” نسبة إلى مدينة ميلانو الإيطالية،  بالطبع، حق الامتياز هذا غير صحيح.gamarelli 5

في كتابه “الله والعالم” يظهر البابا بنديكتوس السادس عشر معنى التاريخية الليتورجية باعتبارها هبة المسيح للكنيسة،. وفي كتابه “روح الليتورجيا” يعمّق فكرته مع الليتورجيا باعتبارها مشاركة في ملاقاة المسيح مع الآب ضمن شركة الكنيسة الجامعة، وفيه يتمنى الاحتفال بالليتورجيا بطريقة أكثر جوهريّة، أي البحث عن الطهارة الداخلية ، ويعطي أهميّة للشعائر الليتورجية لا سيما الحلل الكهنوتية. فالكاهن لا يختار حلته الكهنوتية بدافع الجمالية بل للاتشاح بالمسيح، فهو يسمو بجوهر كينونته ليصبح إنساناً آخر، والحلل الكهنوتية هي اتشاح مسبق بثوب جديد يجسد يسوع المسيح المنبعث من بين الأموات،  بالتالي يتشح البابا بالمسيح، ولا تخص اهتماماته الكماليات بل الجوهر. معنى ذلك أن  الحلل الليتورجية ا يعيرها البابا بنديكتوس اهتمامه لكي يجعل حقيقة الليتورجيا العميقة أكثر فهماً لدى أناس هذا العصر.

البابا فرانسيس

          للبابا فرنسيس نظرة مختلفة للملابس الليتورجية الخاصة بالبابا، إذ أوصى أن يكون  الخاتم البابوى مصنوعاً من الفضة وليس من الذهب، ورفض الفخامة فى ملابسه البابوية، فاحتفظ بصلبه  الفضى الذى كان يرتديه في أسقفيته، أما درع التثبيت الذى يناله البابا من مزار القديس بطرس فهو مصنوع من صوف حمل عمره أقل من 3 أشهر.  كذلك تلقى في مطلع قداس التنصيب الباليوم على كتفيه من يد الكاردينال جان-لوي توران. يشرح  القديس سمعان التسالونيكي أن الباليوم هو رمز للمسيح الراعي الصالح الذي يأخذ الخروف الضال على كتفيه ويحمله إلى مراعي الخلاص. من ثم  سلمه الكاردينال أنجلو سودانو، عميد مجمع الكرادلة، خاتم الصياد،  وهو إشارة مباشرة لبطرس الصياد الذي أعطاه الرب سلطان رعاية قطيعه بالمحبة. وفي قداس الفصح في ساحة القديس بطرس ظهر البابا مرتدياً ملابس بيضاء بسيطة أمام حشد بلغ 250 ألف شخص.

le_pape_chapeau_rouge_ 6_big      pop 9e

في عظته في قداس الميرون المقدس – خميس العهد في  بازيليك القديس بطرس قال البابا فرانسيس حول الزي الكهنوتي: “… الملابس المقدسة لرئيس الكهنة هي غنية بالمعاني؛ أحدها مرتبط بأسماء أبناء إسرائيل المحفورة فوق حجر جَزْعٍ، والذين كانوا ينقشونه على أكتاف الرداء (efod)  الذي منه يأتي الرداء الكهنوتي (casula) المستخدم حالياً:  ستة فوق الكتف الأيمن وستة فوق الكتف الأيسر، ونُقش على  الطلاء أسماء أسباط إسرائيل الإثني عشر. يعني ذلك أن الكاهن عندما يحتفل يحمل على كتفيه الشعب الذي عُهد به إليه، ويحمل أسماءه المحفورة في القلب. سيكون من المفيد أن نشعر في كل مرة نرتدي ثوبنا الكهنوتي الفقير بأن فوق الأكتاف وفي القلب ثِقَل ووجه شعبنا المؤمن، وقدسينا وشهداءنا، وما أكثرهم في وقتنا هذ”ا…

mules_du_pape_pie_ix_7e

 كلام الصور

1-  دار غاماريللي

2- خاتم الصياد

3-  قبعة البابا

4- ثياب مطرزة باليد

5- ثياب البابا البيضاء

6-  القبعة الحمراء

7-  البابا بنديكتوس السادس عشر

8-   البابا فرنسيس

9-  حذاء البابا  بيوس التاسع

اترك رد