كيف يتوحَّدون للخارج… ويتفرَّقون للبنان؟؟؟؟

الشاعر هنري زغيب

H.Z. 2  (1)نبيلةً كانت بادرةُ الإِعلام اللبناني، الفريدةُ في العالم العربي، باتّحاد الشاشات ليلةً واحدةً في نشرةٍ إِخباريةٍ واحدةٍ موَحَّدَةٍ من أَجل غزة.

ومثلَها كانت بادرةُ الـﭙـرلُمان اللبناني، الفريدةُ أَيضاً في العالم العربي، بالتـئام الـمجلس جَلسةً واحدةً في نصابٍ مكتملٍ من أَجل أهالي غزة ومسيحيي الموصِل.

وبقدْرما كانت مـؤَثِّرَةً مقدِّماتُ نشرة الأَخبار الموحَّدة تلك الليلة، كانت لافتةً كذلك خُطَبُ رؤَساء الكُتَل النيابية في التسابُق على شجْب ما يأْتيه العُهْرُ الإِسرائيلي في غـزّة وما يأْتيه متوحشو الداعشيـين في الموصل.

ولأَن الدافعَ إِلى النشرة التلـﭭـزيونية الموحَّدة كان داخلياً من دون إِيعازٍ خارجي، كان مثلَه الدافعُ إِلى الجلسة الـﭙـرلُمانية داخلياً من دون إِرادة خارجية.

وما دامت مُـمْكِنةً هذه الوِحدةُ في الإِعلام اللبناني والـﭙـرلُـمان اللبناني من أَجل قضيةٍ خارجَ لبنان، فلماذا لا تكون بالأَحرى ممكنةً من أَجل قضية لبنان؟

كيف تتَّحد الشاشاتُ اللبنانية جَـمَاعياً: مقدِّمةً واحدةً وصوتاً واحداً من أَجل فلسطين، ومن أَجل لبنان تَعود فتتفكَّك فُرَادَى وتنقلبُ متضادَّةً متنافِرةً بمقدماتٍ متخاصِمةٍ وأَصواتٍ متلاطمةٍ، وتتحوّل متاريسَ إِعلاميةً يَصيح كلٌّ منها باسْم سيِّده ضدّ المتراس الآخر وسيِّدِه، ويزدادُ الحقد ويزدادُ الشّحن ويزداد البُغض بين أَبناء الوطن الواحد؟

كيف يَهرعُ النوّاب إِلى ساحة النجمة هدَفاً واحداً ونِصَاباً واحداً وخِطاباً واحداً بكلماتٍ رنّانةٍ طنّانةٍ (ولو في لغةٍ عربيةٍ يَخجَل من أَخطاء معظمِها تلامذَةُ البريـﭭـيه) وكلُّ ذلك من أَجل غَزّة والموصِل، فيما من أَجل انتخاب رئيسِ الجمهورية يَحضُر بعضُهم إِلى بهو المجلس ولا يَدخلون القاعةَ الكبرى ليمارِسُوا واجباً من أَجله انتخبَهُم الشعبُ وأَوصلهم إِلى شرف الـﭙـرلُمان.

كيف تتوحَّد الشاشات اللبنانية بدافعٍ داخليٍّ في قضيةٍ خارجية، وتعود فَتَتَنَافَر بدافعٍ خارجيٍّ في القضية الداخلية؟

كيف يؤَمِّنُ النصابَ نُــوَّابٌ بدافعٍ داخليٍّ لـواجبٍ خارجيّ، ويعودون فيُقاطعون بدافعٍ خارجيّ أَداءَ واجبِهم الداخلي؟

إِذا كان الإِعلامُ واجهةَ الوطن فكيف تنصقلُ المرآة لَمّاعةً لقضية الخارج، وتَــتَــكسَّر موشُورياً لقضية الداخل؟

وإِذا كان النُّوّاب حقاً يَحْمِلون أَصوات الشعب إِلى مقاعد الـﭙـرلُـمان يَملأُونها من أَجل قضيةٍ شريفةٍ مُـحِقَّةٍ في غزّة والموصل، فكيف تَفْرَغُ مقاعدُهم حين يَدعوهُم الواجب إِلى قضيةٍ شريفةٍ مُـحِقَّة في قصر بعبدا؟

لماذا الإِعلام صوتٌ نقيٌّ في مصير غزة، ويعود صوتاً مشوَّشاً في مصير لبنان؟

لماذا يكتملُ النِّصابُ في جَلسةٍ واحدةٍ تدافع عن مستقبل غزّة والموصل، ويتعطّل النصابُ في جَلساتٍ متتالية يُفتَرَضُ أَنها تدافع عن مستقبل الجمهورية المتروكةِ أَرضاً والنارُ حولَها من كُلّ صَوب؟

في شرعة أَخلاقيّات المهنةِ ما يَضبُط عادةً عَملَ الإِعلام، وفي شرعة الدستور ما يَضْبُطُ مَسارَ مجلس النواب.

ولكنْ… في هذا الزمن اللبناني الـمُوحِل، ضاعت أَخلاقياتُ إِعلامِ الداخل في إِرادة أَعلام الخارج، وضاعَ احترامُ الدستور بين نوايا الخارج بعدما تَعَانَدَ الـمعنيّون في الداخل وبَسَطَ الخارجُ يَدَهُ عليهم فأَخرسَ أَصواتَهم وكَفَّ يدَهم في انتظار أَن يكبِسَ يوماً على الــ”ريموت كونترول” فيهرعَ النوّاب إِلى ساحة النجمة لا لـممارسةِ شرفِ حقِّهم بل لرفْع يدِهم وَفْقَ ما تكونُ قَرَّرَتْه يَدُ… الــ”ريموت كونترول”.

***********

(*)إِذاعة “صوت لبنان” – برنامج “نقطة على الحرف” ( 30 يوليو 2014)

اترك رد