د. أيّوب أبو ديّة
في خضم الأزمة القائمة في شمال العراق اليوم، لماذا لم يعتنق مسيحيو الموصل الإسلام وينتهوا من صدامهم مع داعش؟
أخالهم قد تداولوا الأمر فيما بينهم، فيقول أحدهم إن ترك بلادنا وبيوتنا وذكرياتنا في هذه الأوطان هو قرار عظيم ومؤلم، فلماذا لا نبقى في بلادنا يا اخوتي وندفع الجزية ونعتنق الاسلام
فيرد أحد عليه قائلاً: إن من يقاتل دفاعاً عن بلاده لا يدفع الجزية يا أخي، ويستشهد بشأن ذلك بقتال المسيحيين في العراق مع أخوانهم من المسلمين ضد الفرس. وكذلك يستشهد برواية الأزدي في “فتوح الشام” أنه في معركة فحل في الأردن عام 13 للهجرة حاربت الكثير من القبائل العربية النصرانية مع المسلمين مثل قبائل لخم وجذام وغسان وعاملة والقيس وقضاعة… وغيرهم.
كذلك فإن الكثير من القبائل العربية التي بقيت على دينها لم تدفع الجزية أبداً لأن العرب اعتبروها شروطاً مذلة للبقاء على دينهم، ولهذا كانت هناك معاملة خاصة لأهل نجران وقبائل تغلب، فدفع النجرانيون ضريبة إجمالية فيما دفع بنو تغلب “صدقة” ولكنها كانت ضعف ما يفرض على المسلمين، وهكذا.
فيتكرر السؤال من أحد المشاركين، إذاً، لماذا لا نعلن إسلامنا وننتهي من المشكلة كلها؟ وهكذا يتفقون على الدخول في حوار مع الدواعش!
يدخل مسيحيو الموصل هذه المرة في حوار مع مفكري الدولة الإسلامية؛ ويسألونهم: أي إسلام انتم تؤمنون به وما هي تصنيفاتكم للكافرين والمؤمنين؟ ومن يدخل الجنة من الخلق؟ وما إلى ذلك من أسئلة. فينخرطون ومن معهم في حوار ساخن، ما يلبث أن يزداد تعقيداً بتوالد أسئلة جديدة: أليس هناك من حديث شريف يقول: “وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة”. ولكن أي جماعة هي؟ هل هي الجماعة التي تقاتل بعضها بعضا، أم تلك التي تظل ترقب عن بعد وأهلهم يذبحون في غزة؟ أم من منهم؟ فإذا أسلمنا، ما هي الضمانة أننا أصبحنا من هذه الجماعة حصرياً وليس من تلك الجماعات التي هي ذاهبة إلى النار؟
عند ذاك يتضح للجميع أن المسألة باتت أكثر تعقيداً، فإذا اعتنقوا إسلام داعش أصبحوا في حالة حرب “مع الجميع وضد الجميع” على رأي توماس هوبز الفيلسوف السياسي الإنجليزي الذي عاش في القرن السابع عشر.
عند ذاك انتفض الجميع، بما فيهم الدواعش الذين اختلفوا فيما بين بعضهم البعض أيضا حول تلك القضايا العقائدية الشائكة، وانتهى الأمر بأن مسيحييي الموصل اتفقوا أن بقاءَهم على دينهم أسلم لهم وأكثر أمناً وسلامة
*******
بالاشتراك مع aleh-lam
www.georgetraboulsi.wordpress.com