إستقالة الرئيس شهاب 1960 والأزمـة المستدامة للنظام (*)

الأديب ميشـال معيكـي

michel-maiike-1قبل أربع وخمسين سنة !!!

تحديداً، 20 تموز 1960 حدثٌ استثنائيّ في التاريخ السياسي اللبناني. الرئيس فؤاد شهاب وخلال ترؤسه مجلس الوزراء في حكومة أحمد الداعوق، قرأ رسالة موجّهة الى رئيس المجلس النيابي صبري حمادة، يعرب فيها عن نيته الإستقالة من مهام رئاسة الجمهورية! في التعليل: زوال الظروف الإستثنائية التي سبّبت أزمة 1958 واستعادة البلاد عافيتها، وحصول انتخابات نيابية جديدة، وتصحيح العلاقة مع المنطقة العربية وتحديداً مصر عبد الناصر…
فاجأ القرار الوسط السياسي وشعب لبنان…

إجتمع مجلس النواب ورفع عريضة حملها الرئيس صبري حمادة مع ثمانين نائبا وزحفوا الى جونية – حيث بيت الرئيس- مطالبينه بالعودة عن هذا القرار…

من أرشيف النهار: ” أن العميد ريمون أده اقترح إحراق رسالة الرئيس، فوافق النواب وأحرقها النائب البير مخيبر على نار ثلاث شموع بسبب انقطاع الكهرباء!”

حمل صبري حمادة وعدنان الحكيم الرئيس شهاب ومعهما النواب على الأكتاف احتفاء. كان حاضراً: كمال جنبلاط ، رشيد كرامي، بيار الجميّل، صائب سلام ، عثمان الدنا ، عبد العزيز شهاب وسواهم . كانت الأولى في تاريخ لبنان والمنطقة .
رئيس يستقيل طوعا، بلا ضغوط أو تظاهرات إحتجاج أو بإنقلاب وبيان رقم واحد !!!

اعتبر يومها الرئيس شهاب أن مهمته انتهت. وقال : ” أنا لم أرغب يوماً بالرئاسة. في العام 1952 بُعيد استقالة الشيخ بشارة الخوري رفضتُ المنصب كي لا أُقحم الجيش بالسياسة، وفي العام 1958 أُرغِمتُ على الترشّح لإنقاذ الجمهورية، وقررت يومها الاستقالة حالما تزول الأسباب الإستثنائية “!

محاولة قراءة في العقل السياسي للرئيس شهاب، أنه توخّى من الإصلاحات السياسية والإدارية التي وضعها أن تفرُزَ الانتخابات النيابية طبقة سياسية شفافة وأكثر حداثة وفهما لحاجات لبنان. وخاب ظنُّـه مع عودة الطبقة التقليدية – أسماها أكلة الجبنة – فأيقن ان الإصلاح والتحديث مستحيل مع وجود هذه الطبقة …

في مقابلة مع الوزير فؤاد بطرس ، ذكرها نقولا ناصيف في كتابه ” جمهورية فؤاد شهاب” أن الرئيس أسرّ يومها : ” ألحّـوا عليّ – جميعهم – وأرغموني على العودة إلى الرئاسة، حتى لا ينهار الوضع ومعه مصالحهم… لكنهم لن يتركوني أحكم بقناعاتي “

وظلت قناعة الرئيس شهاب راسخة حول صعوبة الإصلاح الشامل. ولعلّ أخطر كلام له، في 5 أغسطس 1970 . بالرغم من وجود أكثرية نيابية مؤيّدة لإعادة انتخابه رئيساً، فاجأ الجميع ببيان جاء فيه : ” أن مؤسساتنا التي تجاوزتها الأنظمةُ الحديثة ، لم تعد تشكّل أداة صالحة للنهوض بلبنان. ولما كانت الغاية اقامة ديمقراطية صحيحة عبر قانون انتخابات سليم، وإلغاء الاحتكارات ، وبما أنّ لبنان ليس جاهزاً لتقبل تحوّلات لا يمكنني أن اتصوّر اعتمادها إلاّ في اطار الشرعية والحريات . لذلك قرّرت أن لا أكون مرشحا للرئاسة ( بيـان العـزوف !!).

*****

أحداث عمرها 54 سنة …
مؤسّسات الدولة بأكثريتها، استحدثت في العام 1959 بمراسيم اشتراعية في عهد الرئيس شهاب، لا تزال تهيكل أسس الدولة، لكنّ السياسة وأهلها حوّلتها محاصصات منفعية …

*****

مرّة جديدة ، يُدعى المجلس النيابي لإنتخاب رئيس للجمهورية .. ولن ينجح ! لم نقرأ في ايّ كتاب ، عن دولة او كيان بلا رأس!!!

– خلل في النظام السياسي – الطائفي ؟

– موقع لبنان الجغرافي؟

– انعدام المسؤولية الوطنية وغياب المساءلة الشعبية ؟

الولاءات الخارجية ؟

كلّها وأكثر…

بُعيد غيابه أسرّت زوجة الرئيس شهاب ـ النادرة الكلام–لأحد المقرّبين: ” نجح فؤاد في اقامة الدولة وفشل في بناء وطن!”

***********

(*) “على مسؤوليتــي” إذاعـة صوت لبنـان

اترك رد