الباحثة ضحى عبدالرؤوف المل
تنسجم التشكيلات البنائية في منحوتات الفنان ” محمود السعدي ” مع الشكل الجسدي للإنسان حيث تتسم منحوتاته بتكوينات تنتظم مع الطابع الموضوعي الذي ينطوي على مضامين انسانية تحقق الرؤية فيه انسجامات بصرية، تتآخى مع الترابط المادي ، والنتوءات الظاهرة في كل منحوتة تشكلت بشكلها المعنوي الداخلي قبل الخارجي، فالمساحات النسبية الارتجالية في قياساتها المنطقية المتناسبة مع الكل والجزء، تتخذ بعداً منظورياً فيتشكل الطابع النحتي بموسيقية تنساب حسياً مع الصيغة التكوينية للشكل الإنساني المؤلف من محسوسات منطقية، تعتمد على التماسك الكلي في الجوانب التكوينية اللامتناهية. لأن الأسطح المتناغمة مع التموجات المرئية المتباينة بخطوطها التشكلية وصيغتها التفاعلية تتغير مساراتها تبعا لنقطة البداية والنهاية.
فضاءات نحتية تتشكل بمكونات فكرية إنسانية تتآزر في ما بينها. لتوحي بأهمية الانسان وتفاعله مع الجماعة باعتباره كائناً اجتماعياً يتمسك بقضيته الإنسانية، ومنظورها الفكري الناشىء عن دلالات وايحاءات بنائية تؤلف بتضادها علاقات إيقاعية ازدواجية ذات نغمة، تتواتر فيها الخطوط المؤسسة للشكل النحتي الذي يتخذ مساحة عمودية أو افقية مستقلة الأبعاد، فالوضوح في الشكل الانساني والموضوعي يظهر حركيا. ليفصح عن المضمون المتمثل بارتباط الإنسان باخيه الانسان . فما تحمله معاني المنحوتات للفنان ” محمود السعدي” تتشكل تبعا للرؤية العامة وديناميكية عناصرها المشحونة بحيثيات بنبوية تقصح عن مكنون بنائي محبوك بمنظومة انسانية تتشابك مع بعضها البعض، بحيث تتشابه مع الخطوط العمودية والأفقية وقدرتها على بناء فضاءات تنساق على ضوء الايضاءات الحركية الظاهرة على المادة النحتية وقدرتها على التشكيل من حيث الخط ، واللون، والفضاء التخيلي، والملمس الخارجي، والأبعاد الثلاثية الديناميكية المهيمنة على الاتجاهات التي يكسر رتابتها بخلق تصويرات بنائية مرتجلة حيث يظهر الخط المعاكس بفجائية غير متوقعه تثير الدهشة عند المتلقي.
يقول جورج سانتيانا: “ولك أن تخلع صفة الموضوعية على أبة صورة من خلق الفكر ما دامت تتحقق فيها درجة كامنة من المضمون والتماسك والفردية”. بواكب الطابع الإنساني منحوتات الفنان ” محمود السعدي” وما تؤلفه من تجانس بين الحركة والحركة المعاكسة، فكلما ارتفعت عمودية الأشياء بتطاول ديناميكية بسط لها تغيرات في مسارات الخطوط أو تشبعت فيها التعرجات أو التقاطعات البصرية السابحة، في ايقاعات الكتلة وتحولاتها الانفعالية المتأثرة بالقيم الجمالية، وشحناتها الوجدانية المتمثلة بالخطوط الممتدة شكلياً بصفة ديناميكية، تظهر نوعاً من الائتلاف البصري المتشابك مع المادة النحتية المستخدمة في النحت والمسارات المتضادة بحركتها الايقاعية المطلقة بمنظورها الحسي المتجسد بالمعنى الإنساني الذي يتسامى بقيمه الجمالية ومنظوماته النحتية العازفة على سمفونيات المادة قوانينها الداخلية والخارجية مع الطابع الإنساني، وما يفرضه المضمون على الشكل. ليوحي بالتماسك الثنائي والجماعي للإنسان الفرد بشكل مطلق.
عمق نحتي ذو حلاوة بصرية تنسجم مع التأثرات النفسية الملموسة في أعماله بشكل إنساني متجذر في مادة تشكلت منها كل منحوتة صقلها بحس جمالي بنائي الأبعاد، والخطوط المتمردة على المادة التكوينية التي صقلها بشكلها الجوهري المتشكل في الحركة والفراغات والفواصل، وما تثيره ذهنياً من تساؤلات تكشف عن قيمة الإنسان والجوهر الوجودي له، فالتشبع المادي لجمالية الخط ، واستدارته، وانحناءاته، وعموديته ، وافقيته، وقدرته على خلق ليونة في قساوة هي بمنحى استدلالي عن الإنسان ذي النزعات السلبية والإيجابية، وقوى الشر والخير وفق الأبعاد الجمالية لقوانين النحت التي التزم بها النحات “محمود السعدي” في منحوتاته.
يحاكي الفنان ” محمود السعدي” الجوانب الانسانية، ويتفاعل مع البنية المادية لمنحوتات، تعكس الجوانب الإنسانية للوجود الإنساني الذي يبثه ذاتية فنية تؤثر على الصيغة الكاملة. لكتلة تتفاعل مع الرؤية، وجغرافية الجسد والمادة المتداخلة مع بعضها البعض من خلال الخطوط والفوارق المتضادة بين الطول والعرض والمضامين الجمالية المؤثرة على الفكر المتجسد في إنسانية الإنسان، وتكامله مع الآخر في مجتمع حيث الجماعات تبرز قوتها من خلال التناقضات في الأشكال والأحجام والفراغات والفواصل والامتدادات في الخطوط الشفافة واتجاهاتها الرمزية، نحو الأعلى ووفق انحناءات جدلية توحي بالمعنى الباحث عن السلام بين الإنسان واخيه الإنسان بشكل خاص.
موضوعات انسانية متسامية تحملها منحوتات الفنان ” محمود السعدي” فالمؤشرات الحدسية تتجلى في الصيغة النحتية، وانماطها التفاعلية بوصفها مكونات فنية ترمز إلى الإنسان، فالحركة الأفقية والعمودية ذات معنى انفصالي واتصالي ما بين المادة وروحانية الشكل، واستدلالاته التشكيلية ذات البناءات الإنسيابية المنسجمة مع الحركة والمعنى، والجوهر المتكامل ما بين الجزء والكل والنسيج الجمالي المنبثق من الخطوط وجماليتها المؤلفة من تكرارات إيقاعية لنغمة الإنسان نفسه ووجوده الدرامي المتأثر مع وجود الآخر، وما يعنيه الترابط والتشكل لكتلة متراصة.
يحمل الفنان الفلسطيني محمود السعودي لواء القضية الفلسطينية كمعنى إنساني ينشد من خلاله خلق ترابطات تمسك ببعضها البعض ليوحي للمتلقي بحتمية القضية واحتياجاتها الإنسانية من ترابط وتآلف وشد الأزر بين المجتمع الواحد بشكل عام والمجتمعات الأخرى بشكل خاص، ليولد الانسان معافى من التضاد الفكري المؤثر على الكتلة أو على القضية الفلسطينية بشكل عام.
نبذة عن الفنان الفلسطيني محمود السعدي.
ولد محمود السعدي بدمشق سنة 1962 تخرج من كلية الفنون سنة 1987 شارك في معارض فردية محلية وعالمية وفي المعارض الجماعية لاتحاد التشكيليين الفلسطينيين.
******
أعمال النحات الفلسطيني محمود السعدي من مجموعة متحف فرحات