كلود أبو شقرا
على مدار تاريخها، تشهد الكنيسة ظواهر اجتماعية تعزز دورها الرائد والرئيس على الصعد الإنسانية والحضارية والفنية، آخر هذه الظواهر التي شغلت العالم، فوز الراهبة الإيطالية الشابة، كريستينا سكوسيا، بالجائزة الأولى في برنامج المواهب الغنائية The Voice، وترك عارضة الأزياء الإسبانية أولايا أوليفيروس عالم الأضواء وانخراطها في رهبنة القديس ميخائيل رئيس الملائكة التي نشأت ضمن أبرشية توي فيغو الإسبانية، وتحولت كنسياً سنة 2009 إلى جمعية عامة للمؤمنين.
ضجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بهذين الخبرين اللذين يشكلان حدثين بحد ذاتهما، لأن الراهبة الشابة وعارضة الأزياء اخترقتا الأعراف القائمة وسارتا عكس التيار، فتلقفتهما الكنيسة بقلبها وحضنتهما واعتبرتهما دماً جديداً زاخراً بتجربة إنسانية فذة، أكدت فلسفة العودة إلى الجذور وشرب الماء من الينابيع الصافية.
كان للمسيحية الدور الرئيس في تشكيل أسس الثقافة والحضارة وسماتهما، وتأثيرها ضخم ومتشعب، إضافة إلى شمولها مقومات المجتمع ككل بما فيها: الفنون، اللغة، الحياة السياسة، حياة الأسرة، الموسيقى… وحتى طريقة التفكير تلونت بتأثير المسيحية. من هنا يحفل تاريخ الكنيسة برجال دين أبدعوا في الفنون وبشخصيات مهمة ارتدت إلى المسيحية بعد ابتعاد طويل عنها أو حتى محاربتها. وكما يقول القديس أغسطينوس: “هل تستطيع الشجرة أن ترتفع إن لم تعتمد على جذورها في الأرض؟” والجذور بالطبع هي المسيحية.
كريستينا… فرح بالمسيح
“أغنياتي تعبر عن جمال الله ، حضوري هنا ليس بيدي إنما بفضله، وليس لأبدأ مشواراً فنياً بل أريد إيصال رسالة”، بهذه العبارة تختصر الراهبة الإيطالية الشابة كريستينا سكوسيا مشاركتها في برنامج المواهب The Voice بنسخته الإيطالية، والتي أحدثت ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي.
كريستينا البالغة من العمر 25 عاماً وقفت على مسرح البرنامج وهي ترتدي زيها الرهباني وصليباً على صدرها وأدت أغنية “لا أحد” لـ أليشيا كير، فأبدعت في أدائها وأبهرت لجنة التحكيم والمشاهدين وحققت أكثر من 50 مليون مشاهدة على موقع “يوتيوب”.
لدى إعلان فوزها باللقب وقفت وسط المسرح وشكرت الله أمام عدسات الكاميرات، مشيرة إلى أنها تتبع تعليمات البابا فرانسيس بأن تكون الكنيسة الكاثوليكية أقرب إلى العامة، وأنشدت ترنيمة على المسرح.
وقبل المسابقة النهائية قالت كريستينا إن شهرتها ترجع إلى “التعطش للمرح والحب وهي رسالة جميلة ونقية”. ومع انتهاء البرنامج عادت كريستينا إلى ديرها في ميلانو، معربة عن سعادتها بمعاودة الغناء مع الأطفال في الكنيسة.
كانت غنت على المسرح: “الفتيات يردن المرح” لـ سيندي لوبير و”العيش في الصلاة” لـ بون جوفي. وكان مغني “الروك” جي أكس أول من التفت إلى صوت كريستينا، بعدما لاحظ وقوف الجمهور لتحيتها مع أول مقطع من الأغنية، وبدا عليه الانبهار لدرجة أن عينيه دمعتا بعدما شاهد حيويتها على المسرح، وقال لها: ” لو قابلتك عندما كنت طفلا وأنت تغنين في الكنيسة، ربما كنت سأصبح البابا الآن”. تابع في محاولة إقناعها للانضمام إلى فريقه: ” أنا وانت لا يمكن قهرنا معاً، المزج بين الموسيقى المختلفة ينجح دائما، فنحن مثل الشيطان والماء المقدس، يجب أن تختاريني”.
وبعد انتهائها من الغناء فسرت الراهبة القادمة من صقلية قرارها بالمشاركة في البرنامج بقولها: “لدي موهبة أريد منحكم إياها”…
أولايا أوليفيروس في عالم الروح
من عارضة أزياء وممثلة في السينما والمسرح وفي المسلسلات التلفزيونية إلى راهبة، لم تكن أولايا أوليفيروس ممثلة ثانوية، بل كانت الأضواء مسلطة على جمالها وموهبتها، وكانت العروض تنهال عليها ويتهافت المنتجون لاستقطابها إليهم… إلا أنها في أحد الأيام، أخضعها الله لتجربة أداء واختارها ولم تستطع الرفض، فأحدثت هذه الشابة في العشرينيات من عمرها والتي تذوقت طعم الشهرة والأضواء باكراً، انعطافة مهمة في حياتها واختارت العيش بعيداً عن الأضواء، بعدما اكتشفت طريق السلام الحقيقي والحياة الحقيقية وعالم الروح…
لطالما عاشت أولايا معاناة يومية رغم اهتمام العالم بها، وفي أحد الأيام زارت “فاتيما” وهناك حدث زلزال في قلبها وأدركت فجأة الطريق الواجب اتباعه في حياتها، وشعرت بقوة وسلام لم تشعر بهما من قبل، فاتجهت مباشرة إلى تكريس نفسها لله مرتدية ثياب راهبة وفي قلبها فرح عامر بخيارها…
مرتدون إلى المسيحية
لا شك في أن أكبر برهان عن صحة الإيمان المسيحي، ليس في الحجج الكلامية والتحاليل المنطقية، لكن في الحياة التي تترجم الإيمان وتبقى دائماً مطابقة له، لذا كثيراً ما شهدت الكنيسة حركة “كرّ وفر”، إذا جاز التعبير، لشخصيات كانت مسيحية وأصبحت ملحدة فتاهت في غابات الإلحاد وعادت بقوة إلى حضن الكنيسة التي فتحت قلبها واستقبلتها ووفرت لها السلام الذي تنشده.
شخصيات فنية وأدبية وفلسفية ضلت طريق الفرح الحقيقي، وابتكرت لنفسها طريقة حياة اعتقدت أنها السبيل الصحيح لها وأرستها على أساس عقلاني، وبعد حروب مع القلق واللااستقرار النفسي والتوتر آمنت بعدم وجود حياة حقة خارج الإيمان وإقامة حوار مع الله… في ما يلي بعض النماذج من هذه الشخصيات:
كان بروس كوكبرن روحاً لا تهدأ. على مدى أربعة عقود، سافر الفنان الكندي الشهير إلى أقاصي الأرض وقصد بؤر التوتر التي تعاني من الحروب واستلهم منها بعضاً من أغانيه الأكثر تميزاً. وفي أحد الأيام، وفي خضم مغامرة قادته إلى أفغانستان في 2009، ورؤيته عن كثب تأثيرات الحرب والإرهاب على الناس، دوّن ملاحظات مفصلة عن التجربة الإنسانية، وكتب أغنيات عدة من بينها “كل هزيمة واحدة”، بلوز وجاز وروك، ففتح له ذلك أبواب الصلاة والاتصال الروحي بالله، ورأى في المسيحية الملاذ الآمن له من وحشية الإنسان، وجلبت له هذه الأغاني جوائز عالمية.
بوب ديلن يهودي اعتنق المسيحية وارتاد كنيسة في بروكلن وأنتج ثلاثة ألبومات وعندما فشل ألبومه الرابع سنة 1983 اعتقد كثر أنه ترك المسيحية.
في عمر 22 سنة حقق بوب ديلن شهرة واسعة وفاز بجائزتي أوسكار، وتبناه الموسيقيون الكبار مع ذلك كان يشعر في داخله بخوف لا يعرف سببه، وفي أحد الأيام، بينما كان في منزله يتنقل بين المحطات التلفزيونية، استوقفته قناة مسيحية، فاستمع إليها وشعر بأن المسيح زاره في منزله، فتخلص من خوفه، وقصد الكنيسة المعمدانية في بروكلن وانخرط في الجماعة المصلية هناك، ودرس الكتاب المقدس وقدم حياته للمسيح، بعدما أدرك أنه المخلص. من أشهر أغنياته “الإعصار”، “الطرق على أبواب الجنة”، “رأيت النور”، “اتركوني أبقى في جبل السلام”…
كيرك كاميرون: عرف النجومية منذ طفولته من خلال مشاركته في تصوير الإعلانات وفي أفلام تلفزيونية وأفلام ديزني. وفي سن المراهقة تصدر أغلفة المجلات وأضحى في مطلع شبابه من أغلى نجوم هيوليوود. إلا أن الشهرة والمال والمعجبين من أنحاء العالم… كل هذه الأمور لم تجلب له السعادة، وفجأة اكتشف درب الرب من خلال ارتياده كنيسة انجيلية وهناك عرف ما وصفه في ما بعد بـ لقاء الحياة المتغيرة مع يسوع وقال: ولدت من جديد.
غوستاف مالر: لم تكن الحياة سهلة بالنسبة إلى فتى يهودي، فقد بدأت معاناته منذ طفولته، توفي والده وهو بعد طفل وانتحر شقيقه وأصبح مسؤولا عن إخوته الصغار، وبعد سنوات قاسية عاشها في العمل المضني أثبت موهبته الموسيقية، وفي عام 1897 أصبح قائداً أساسياً لأوربرا فيينا، وعبر في سمفونيته الخامسة عن جوانب من حياته المظلمة والمضيئة، وفي السنة نفسها اعتنق المسيحية، كي يحصل على هذا المنصب وانتقل إلى أوبرا ميتروبوليتان في نيويورك .
له 10 سيمفونيات وألف “أغنية الأرض” وسلاسل غنائية مثل”هورن الطفل العجيب” وأغاني “الأطفال الموتى”. يعد من آخر الموسيقيين الكبار في سلسلة تمتد من بيتهوفن عبر شوبرت وفاغنر وبرامز، يصنف أسلوبه ضمن الموسيقى الرومنطيقية مع عمق كبير وتأثيرات فلسفية وروحانية، وقد اعجب بكانط وغوته وشوبنهاور.
ابنة إسرائيل سالومون، موسيقي يهودي من أصل ألماني، مارست لوفيسا أوغوستي الغناء في طفولتها في غوتنبرغ. غنت الألحان الإيطالية، في حين لعب شقيقها البالغ من العمر أربعة عشر عاما على الكمان. في 22 فبراير 1767، غنت في حفل في غوتنبرغ، واعتنقت المسيحية واختارت اسم صوفيا سالموني في المعمودية. في السابعة عشرة من عمرها غنت للملك غوستاف الثالث من السويد في كريستيانستاد، فأعجب بأدائها ومنحها موقعاً في دار الأوبرا الملكية السويدية في Bollhuset في ستوكهولم (1773)، وسرعان ما أصبحت أحد أفضل المغنين في السويد، وأدت أدواراً مهمة في الأوبرا. عام 1788 اتنخبت في الأكاديمية الملكية السويدية للموسيقى. توفيت بعد ذلك بعامين في ستوكهولم، ولم تكن قد بلغت سن 34 عاماً.
فنانون ومثقفون أيضاً
– جون نيوتن، مؤلف ترتيلة نعمة مدهشه Amazing Grace أو نعمة مدهشة.
– بيتر هيتشنز: شقيق الكاتب كريستوفر هيتشنز المعروف بإلحاده ونقده اللاذع للأديان، اعتنق المسيحية ، وهو كاتب وناشط اجتماعي محافظ. له عدة كتابات حول الدين والمسيحية.
– جوي جريشام: كاتبة أميركية وزوجة سي. إس. لويس.
– سي. إس. لويس: بروفسور في جامعة أكسفورد أستاذ وكاتب، ومعروف في كتابه “سلسلة سجلات نارنيا، والمسيحية”.
– غابريال مارسيل: فيلسوف فرنسي وكاتب مسرحي.
– تشيسلاف ميلوش: شاعر بولندي، حصل على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1980.
– ويليام ج موراي: كاتب وابن الناشطة الملحدة ومؤسسة منظمة الملحدين مادلين موراي أوهير.
– مارفن أولاسكي: ماركسي سابق تحول إلى المسيحية المحافظة، وانشأ مجلة العالم المسيحي.
– إديث شتاين: فيلسوفة ألمانية في الظاهريات، تحولت إلى المسيحية الكاثوليكية، وأصبحت راهبة كرملية. اعلنها البابا يوحنا بولس الثاني قديسة.
– لي ستروبل: مؤلف وعرف في كتابه “قضية من أجل المسيح”. وكان ملحداً سابقا.
– سيمون فايل: ولدت في عائلة يهودية، أصبحت شيوعية وملحدة، اعتنقت المسيحية في ما بعد وأصبحت مفكرة في الفلسفة المسيحية وناشطة اجتماعية. تُعتبَر سيمون فايل من أهم فلاسفة القرن العشرين..
– تد تيرنر: رجل أعمال أميركي، يمتلك وسائل إعلام، وشركات ترفيه مثل، استوديوهات يونيفيرسال لإنتاج الأفلام، ومؤسس قناة “سي إن إن”، ومؤسس “وورلد تشامبيون شيب ريسلنغ”.
– ألكسي كاريل: طبيب جرّاح فرنسي، ولد في 28 يونيو 1873 وتوفي في 5 نوفمبر 1944 في باريس، حصل على جائزة نوبل في الطب عام 1912.
– جورج ر.برايس: عالم في الكيمياء الفيزيائية وعلم الوراثة تحول إلى المسيحية الإنجيلية وكتب عن العهد الجديد، وتحول من الكتابة الدينية إلى العمل مع من لا مأوى لهم.
كلام الصور
1- الراهبة كريستينا
2- أولايا أوليفيروس
3- كيرك كاميرون
4- بوب ديلن