بقلم: الأديبة ميشلين حبيب
يخاف المرء هذه الأيام أن يحلم فيهجم على حلمه بالخطأ شيء من الكابوس الأميركي. ليست مبالغة، فأميركا سيطرت حتى على أحلامنا. لا نقرأ عن الحروب في العالم إلا ونقرأ معها تصريحات من الولايات المتحدّة تقول أن تلك البلدان أساءت التصرف وأن على الولايات المتحدة أن تتدخّل لتؤدّبها. وكأنه من حقّ الولايات المتّحدة تأديب الدول لأنها هي عظيمة بأدبها وأخلاقها وحكمتها ونزاهتها. لماذا لا تؤدّب الولايات المتحدة المصائب المعشّشة في شوارعها ثم تنطلق بعدها لتؤدّب الدول الأخرى؟
وقد أعطتنا تصريحات الرئيس أوباما على مدى الأشهر الأخيرة مثلاً حديثاً على استمرارية فتوّة الولايات المتحدة. لقد نصّبت أميركا نفسها حامية الديموقراطية في العالم والمثال الأفضل لها، لذلك حيث هناك وطن يعاني من ديموقراطية ستجعله يزدهر ويعيش أهله بكرامة، تُنَصّب عليه ديكتاتوراً يساعدها في تطبيق ديموقراطيتها في ذلك البلد والمحافظة على مصالحها في أرضه. وما حصل في التشيلي في السبعينات أفضل مثال على ذلك، زد عليه ما يحدث في شرقنا الأوسطي الذي هو أعظم مثال على فظائعها دون أن ننسى أفغانستان وغيرها. ما دامت أميركا حليفة الديموقراطية وكرامة الإنسان وتريد تأديب الشعوب، فلماذا ما زالت حامية الديموقراطية والأوطان في العالم، تلك التي تسقي السم بيد لتبيع الترياق باليد الأخرى، غير قادرة حتى الآن على تأديب الطالبان مثلاً وغيرهم من الجماعات المتطرّفة الإرهابية؟
بالطبع ستذكّرنا أميركا بأنها فتحت أبوابها وصدرها الرحب لهجرة الأفغان. وهل باستطاعة هؤلاء الهجرة أصلاً؟ أمام هذه الأبواب المشرّعة لاستقبال المهاجرين من جميع الجنسيات ومن كل البلدان، بالطبع المنكوبة منها بالنكبات التي انزلتها بها أميركا، لا يمكننا إلاّ أن نتساءل، ما الذي تفعله أميركا؟ هل هي من هواة جمع الجنسيات؟ لماذا؟
تنادي بمناصرة المظلومين وتموّل الظالمين، ثم تفتح ذراعيها تسقبل النازحين بصدر رحب وذراعين مفتوحتين. ما دامت خيّرة هكذا وقلبها كبير فلماذا لا تدعم الشعوب في أوطانها وتتركها في أرضها وهكذا توفّر على نفسها وعليهم؟
هل يمكن أن يكون السبب هو حاجتها إلى المواد الأولية فقط؟ وما أفضل من جعل الناس يهربون من الأرض بعد تسليط جماعات مثل الطالبان وغيرهم عليهم وهكذا يتركون الأرض وخيراتها لأميركا لتنقبّها وتنهبها وتأخذها إلى أرضها حيث استقبلت الشعوب النازحة الهاربة؛ وتعرفون المثل القائل “ربّحني جميلة من كيسي” وتربّحهم جميلة من كيسهم؛ فهي تعترف أنها أوَتْهُم لكنها لا تعترف أنها نهبتهم.
كذلك فتحت أميركا أبوابها وحدودها للهاربين من الظلم في الدول اللاتينية لتوقعهم في ظلمها هي. فالظلم فيها أرقى كما أنه من حقّها أن تظلم إذ هي سيّدة العالم ومالكته. وعلى فكرة، تلك البلدان التي تستقبل أفرادها الهاربين منها من ظلم ديكتاتورييها ومستوى الحياة المتدني فيها، أميركا جعلتها ما هي عليه وغّذت ديكتاتوريها ونقعت الشعب في مستنقع الفقر وسوء المعيشة.
يأتون إلى أميركا مع أمل وينتهون في السجون مع يأس. يأتون بشراً ويتحوّلون إلى مجرمين. يستقبلوهم لكنهم يجرّدوهم من إنسانيتهم وكرامتهم. يأتون باحثين عن حياة فإذا تلك التي تركوها وراءهم كانت أفضل بكثير فيخسرون ما تبقى منها في أميركا. يموتون برصاصة طائشة أو في حرب عصابات أو في أفغانستان والعراق والشرق الأوسط. يعطونهم الغرين كارد في يد وتذكرة إلى الموت في اليد الأخرى ويرسلونهم في حروب ليست حروبهم تحت شعار بلدكم يحتاج إليكم ونحن أعظم بلد في العالم؛ طبعاً فهم أسياد الخبث والحرب والدمار والإرهاب الذي ينادون بمحاربته لكنهم يملكون بذوره ويوّزعونها. يتغنّون بالحرية ويسرقونها من الذين كانوا يعيشونها ثم يبلونهم بالعنصرية.
فلتنظّف أميركا حروب العصابات التي تحصد المئات في أحياء البرونكس وهارلم وغيرها والتي تمتد إلى مدارسها وتحصد حياة الكثير من المراهقين والأطفال، وتنطلق بعدها لتسوية الحروب في العالم. فلتنظّف شوارعها من المشرّدين وتنطلق بعدها إلى إيواء الناس الذين شرّدتهم في الشرق الأوسط وغيره. فلتصرف الأموال على تحسين نظامها الطبي ولتأتي بعدها لتدّعي اهتمامها بصحة الشرق أوسطيين. ولتتأدّب تلك المنافقة وتتوقف عن النهب والقتل والغباء ثم تأتي بعدها لتؤدّب الشعوب الأخرى.
أميركا صاحبة الحلم هي التي حوّلت الإنسان إلى مستهلك وجعلته يلهث وراء تكنولوجيا تتغير كل ثانية. أميركا هي التي جعلت القذارة رمزاً، والنظافة عيباً، والعُري عادياً وعصرياً.هي التي تنتج المُغنين التافهين اللأخلاقيين الذين يتعرّون ويشتمون ويلمسون أعضاءهم الجنسية على المسارح وفي الفيديو كليبات لتدّك المجتمعات وتدمّر قيَمها وتُفسد شبيبتها تحت شعار الموضة العصرية والتطور.
أميركا هي التي غزت العالم بأفلامها واستأثرت بالشاشات لتنشر ثقافتها الغبية وتروّج للجنس وتسيطر على الناس وتجعلهم أشخاصاً آليين سطحيين مثل أبنائها. هي التي تدمّر الحضارات وتنهب متاحفها لتملأ بها متاحفها هي؛ تقتل الحضارة في مكان لتُنبت حضارة أميركية فقط. أميركا هي التي تغتال رؤساءها الإنسانيين لتستبدلهم برؤساء آليين تحرّكهم مثل دمى غبية وهي التي تنتج الأسلحة وتبيعها للشعوب ليتقاتلوا ومن ثم تهرع إلى “تأديبهم” وإنقاذهم.
لا أنكر ما تملكه من المعرفة والتقدم وغيره، لكننا لا نستطيع كذلك أن ننكر أنها السبب الرئيسي في هجرة الأدمغة، لذلك، لماذا علي رفع القبعة لبلد حرمني من كل هذا في بلدي ليزرعه في بلده؟
عذراً لكني لا أرى حلماً في هذا البلد وإنما كابوساً شنيعاً. لذلك، عزيزي أوباما، أُطْلُب من الذي يحرك خيوطك أن يرتاح قليلاً فيتسنّى لدماغك العمل فنحن لم نعد نحتمل، فربما نلحق نأخذ نفساً قبل أن يعود دماغك إلى غفوته. وأخيراً، حِلّ عن بلدنا وشكراً على الاستضافة، مستغنايين.