بقلم: الشاعرة باسمة بطولي
كُتِبَ علينا التحدي… رغم أنف العواصف.. نحتفل بعثورنا على ماسة جاهزة لتليق بجيد الكلمة…
قاعات الثقافة.. رؤوس بيضاء.. أحياناً مكللة بالصباغ أو بحجاب أو طرحة.. أين الجيل الفتي…؟ فتشوا عن الواتس أب وكل عائلته فرداً فرداً…
لا أريد أن أصدق الآتي بعد قليل.. لا من يستمعون … لا من يقرأون أو يكتبون …
أوَتعجبون لفرحي بطالع من هذا الفراغ كأقحوانة في صحراء؟
ترى عليَّ أن أعتذر اليكم عن عدم حبي المبضع الأدبي؟ الآن على الأقل ؟ لعله حبي قصر الأنفاس .. لعله سجن الدقائق القليلة … كأني لا أريد أن يقيدني إلا كوني أمام أوراق نابضة … دافئة، وكوني أوتاراً مشدودة تنتظر نسمة تهب من صوب أي إبداع لتعزف نوتاتها المرحبة … أو لعله خوفي أن أشبه من يُنزل عن سطح القمر بعض الأتربة والصخور إلى المختبر… فقد يوضح أموراً كثيرة لكنها تبقى غير القمر والسهر في ضوء القمر …
ألا فلنتمتع بالنسائم الفضية قبل أن نسأل عن أصلها وفصلها …
ولنشم الوردة قبل أن نفكر بتشريح العطر …
قمرنا الليلة عابر… منه.. إليه… منا.. إلينا
أمن كلماتنا الكلمتان أم من كلماته؟
أما الثانية فهي مشحونة.. مكتظة به.. بكل ما لديه من استفهامات حتى كادت تفيض عن ذواتها … وتكبر عنها متراصة كبيوت النحل فلا متنفس بينها للعبور … انه المخترق كما السهم … مثل الليزر أو أشعة روتنجن …
ألم يخترق الكلام إلى الصمت والصمت إلى الكلام؟
ألم يخترق كل جواب إلى كل سؤال؟
والواقع إلى الوعد ؟ حتى أصبحت أبصارنا وأسماعنا تتلمظ أمام موائده القادمة…
والأنا.. مع الهمزة المفخمة ألم يخترقها الى الكون ؟ والكون إلى الأنا ؟ ألم يخترق الزمن ؟ وحاجز الوعي إلى اللاوعي ؟ مع سهولة الإنتقال وصعوبة ايصاله إلينا ؟ بمدِّه جسوراً نراها أحياناً مقطوعة … ولعمق ما زرع فينا فضولاً لاكتناه أسراره ورغبة في إستعادة نصه … لا نلبث أن نبني هذه الجسور بأنفسنا … على هواه وهوانا معاً …
المهندس اللامع هندس بناء نصوصه بتلقائية محببة .. لا لزوم لشرح أهمية الكيف يُقال ما يُقال…
نص كريم يتضمن شخصية شاعر لا يكون إلا إذا تضمن الفيلسوف، وكريم بموقفه من الوجود ميتافيزيائي والواحد يحتوي الآخر والآخر الواحد حسب قول أحد المفكرين الفرنسيين (la poésie c’est la métaphysique implicite et la métaphysique c’est la poésie explicite).
هنا كريم شاعر شاعر … لكن هذا القول لا ينفي أنَّ شكْل التعبير يبقى جزءًا كبيراً من قيمة أي نص وفي لغتنا العربية على وجه الخصوص. هذه اللغة التي تتعرض كحامليها لمؤامرات مستمرة، أما قرروا أنها إلى زوال ؟ وكيف والقرآن الكريم إلى ديمومة ؟ أما قالوا اتركوا هذا التراث العربي، اتركوا شكل القصيدة إلى النفلت من قيودها فهي تقف حاجزاً أمام حرية الشاعر. كلام مرفوض … أي شاعر متمكن يستطيع أن يقول كل ما يشاء ضمن هذا الشكل .. لا أدعو إلى التقليد .. بل احترام أجمل ما يميز تراثنا مع روحانية الشرق في وجه برودة المعادن والقلوب هناك …
لي تمنٍ على كريم لعله سمعه قبل أن يسمعه وأعتذر إليه عنه .. أن يحاول ويحاول كل ما يؤدي إلى الأجمل. أؤمن أنه يستطيع أن يتفوق حيث يشاء …
أتذكر هنا الروائية الأميركية مارغريت ميتشل وقد اعادت كتابة الجزء الأول من روايتها الرائعة “ذهب مع الريح” اثنتين وسبعين مرة لتعطينا أجمل شكل لما تريد قوله.
تخطّي الذات.. تحدي الصعوبات للوصول إلى فنّ عظيم ضرورة لوجوده. تكرار المحاولات لا يترك للنملة أن تعطينا دروساً …
الجينات ؟ طبعاً … العلم واستيحاء أكثر من حضارة له انعكاسه على كتابة كريم !… ها عملاق خيال على ثقافة تحتية الأعماق… ولئن يكن في أول الطريق من رحلة دائرية لولبية ستوصله إلى الوفاء بالوعود … فإني اخيله يحمل الكون بيديه وفي قلبه ليودعه محك العقل في بحثه المستمر عن الحقيقة وعلى أجنحة خلاقة مع اغراءات لا يمكنك إلا إن تحبها… أما للنبض كلام ؟ … للحظة… وأنا أحمل همزتي الكبيرة قلت ليتني كنت من وَلَدَتْه… مع انني ألِدُه مع كل قراءة لما كتَب… بل بإمكاني أن أتثنّى لأغدو له والديْن آخريْن بل سأتكثّر لأُكْتَبَ له مدينة.. قد يكون هو كاتبها … وغداً بعد ذهابي .. لست أدري إلى أين .. لي الله ليجعل منّي له وطناً … أولد فيه أنا من جديد …
*******
(*) كلمة الشاعرة باسمة بطولي في حفل توقيع كتاب الدكتور كريم يوسف ، ” عابر بين كلمتين”، في الرابطة الثقافية قي طرابلس ، في 24- 6- 2014.