بقلم: الوزير السابق جورج سكاف (نائب نقيب الصحافة اللبنانية)
منوال يونس دكتور في الفلسفة واستاذ محاضر في جامعة فنزويلا جاء من بلاد الاغتراب ليستثمر في بلده النجاح الكبير الذي حققه الطموح اللبناني في بلاد الانتشار، فكريا واقتصاديا وسياسيا. فأنشأ مصرفا وأسس شركات استثمارية وعقارية كبرى نجح بها كرجل أعمال، ودفعه طموحه الى خوض الميدان السياسي فانتخب نائبا عن البترون في دورتين، وبدأ يضع للبنان المشاريع الدولية الكبرى كمركز ثقافي عالمي ومنتج طاقة بترولية كبرى، ولكنه صُدم في ازمة 1958 بمخاطر الممارسات السياسية الفردية الضيقة على الحياة الديموقراطية العامة، فارفد الصحافة بمقالات قيمة جمعها في كتاب بعنوان: “آراء في الاصلاح السياسي” يحذر من الاختلاف على مفهوم “الحرية والعدالة والنظام، الذي سيؤدي الى تفكك الدولة وانهيار النظام.
الدكتور منوال يونس المفكر السياسي والاستاذ الفلسفي كان رجل دولة في مشاريع وانجازات واقتراحات تحمل بصماته المميزة في تاريخنا اللبناني المعاصر.
اولها انه كان صاحب رؤية بعيدة النظر لجعل لبنان البلد الوحيد المنتج والمصدر للطاقة النفطية شرقي البحر المتوسط، فاستحضر اخصائيين قاموا بالسبر والتحليل ودراسة الجدوى من استخراج النفط عند شاطيء البترون، وكانت النتيجة تؤكد انه لدينا مخزون كبير من النفط ولكنه أكثر كلفة في الاستثمار لأنه مثقل، غير الخفيف في منطقة الخليج، وانه اذا اصبح سعر برميل النفط عشرة دولارات بدلا من الثلاثة يومئذ سيصبح مربحا جدا. وها ان السعر قد قفز عشر مرات فوق العشرة ونحن لا نزال نقف عند الشاطيء نندب حظنا العسير في ان الغير سبقنا الى الاستثمار ونحن لا نزال مختلفين على الذين ستكون لهم السيطرة، من هذا الفريق او ذاك، على الارباح التي ستفقد كل قيمتها قبل ان نتوصل الى الاتفاق على استخراجها.
اما المشروع الذي عمل له بجهد وسخاء وتوصل بالتعاون مع منظمة الاونسكو الى تحقيقه فهو انشاء مؤسسة دولية لعلوم الانسان في لبنان، جعل مقرها في مدينة الحرف، مدينة جبيل، اقدم وأعرق مدينة حضارية في العالم.
يبقى مشروعه السياسي الذي اثار ضجة كبرى عند اقتراحه لاستغرابه وجرأته، وهو يبدو اليوم كمشروع انقاذي قابل للمناقشة والتوافق، ويقضي الاقتراح بانشاء مجلس رئاسي ينتخب من ستة أعضاء لست سنوات يمثلون الطوائف الست الكبرى ويتناوبون على الرئاسة سنة فسنة. وحده الرئيس صائب سلام رحب يومها بفكرة المجلس الرئاسي دون المداولة.
في مذكرة حول الازمة اللبنانية المتفاقمة، بعد الحرب اللبنانية، تناول الدكتور منوال يونس أهمية لبنان كهمزة وصل انسانية وطبيعية لا عوض عنها ولا مثيل بين الشرق والغرب، اذ ان لقاء الديانات والثقافات القديمة والحديثة على ارض لبنان تجعل منه مركزا دائما للحوار والتفاعل بين المسيحية والاسلام. وبلدا لا يقوم الا على الحرية والعدالة والنظام. لكن اخطاء جسيمة ارتكبت بحق هذا الدور الفريد وافقدنا تكرارها قدرة استيعاب اثارها وتحويل سلبياتها الى ايجابيات وباتت تهدده بالزوال. كما ادى تدهور اوضاع لبنان الاجتماعية الى هجرة الادمغة والمهارات، وادى تقلص دور الدولة وعمل مؤسساتها الدستورية الى تقويض دعائم النظام الديموقراطي والى الفراغ في مختلف المرافق الحيوية والى الانحلال العضوي في جميع مركبات الكيان.
بقي الدكتور منوال يونس يأمل في ان تثمر آراؤه الاصلاحية عملا شعبيا ونخبويا ينقذ لبنان ويصون وحدته الوطنية ويحقق بناء الدولة الحديثة على العدل والتقدم بالتغلب على شوائبنا عن طريق تصحيح نظامنا السياسي، وبناء حياتنا الوطنية على قواعد دستورية واخلاقية تضمن للمجتمع سيادة القانون والمساواة، فتوفر لجميع الفئات شروط تحقيق ذاتها الانسانية، مستشهدا بقول ارسطو: انه لو احب الناس بعضهم لما كانوا بحاجة الى عدالة، وغالبا ما تكون المأساة من عدم وجود مساواة بين الناس وليس من يجمع ويوحد فيما بينهم.
كم هو مؤلم ان يغيب اليوم الدكتور منوال يونس هذا الرؤيوي الرئاسي ولبنان دولة من دون رأس، ومجلس يجرجر نفسه بتمديد الفراغ، وحكومة يعطل بعضها كلها. وشعب مغلوب على أمره ليس امامه من افق مستقبلي بقانون انتخاب يمكنه من اعادة انتاج سلطة دستورية فاعلة. ولكن أثاره تبقى إرثا رئاسيا حيا في زمن الفراغ الرئاسي.