بقلم: كلود أبو شقرا
مكتبة الفاتيكان، هذه المؤسسة العريقة التي يعود تاريخها إلى 600 سنة، وتحتضن ملايين المخطوطات ا القديمة الإسلامية والفارسية والعربية واللاتينية وغيرها… تستعد لترتدي حلة العصرنة، فباشرت ورشة تحويلها إلى مكتبة رقمية، مستعينة بخمسين خبيراً وشركة معلوماتية يابانية، لتحويل المخطوطات القيمة إلى مادة رقمية، تسهّل عمل المهتمين والباحثين. بتحويل أرشيفها إلى مادة رقمية، تنضم مكتبة الفاتيكان، إلى مؤسسات أخرى عريقة سبقتها في هذا المجال، كالمتحف البريطاني، المكتبة الوطنية الفرنسية، مكتبة جامعة كامبريدج البريطانية.
خطوات نحو المستقبل
تعاونت المكتبة البابوية مع الشركة اليابانية المتخصصة “ان تي تي داتا كورب”، طيلة العام الماضي، لاختبار آلات نسخ ضوئية قادرة على التعامل مع مخطوطات دقيقة وحساسة. وبعد اختتام المرحلة التجريبية، سيباشر حوالي 50 متخصصا إيطالياً ويابانياً عملية تحويل أول دفعة ، المتضمنة ثلاثة آلاف مخطوطة، إلى مادة رقمية، على أن تنتهي هذه المرحلة في غضون أربعة أعوام. ولم يعلن الفاتيكان مهلة زمنية محددة لإنهاء المشروع بأكمله، والذي سينقل 40 مليون صفحة إلى العالم الرقمي.
بالتزامن مع تنفيذ المشروع، أعلنت المكتبة نيتها وضع “آلية إنقاذ من الكوارث”، لحماية المخطوطات، في حال تعرض المكتبة ومحتوياتها لأضرار جسيمة. وحول إمكان ظهور وثائق سرية أو محرجة إلى العلن، يجيب الأسقف جان لويس بروغيس، مسؤول في المكتبة: “ليس لدينا ما نخفيه”.
تحتضن مكتبة الفاتيكان أكثر من 82 ألف مخطوطة، يعود بعضها إلى القرن الثاني بعد الميلاد. ولطالما اضطر الباحثون إلى تقديم طلب رسمي للولوج إلى المكتبة، التي تقع داخل أسوار الفاتيكان. ثم أكثر الأعمال الفنية قيمة، صعبة المنال، كالمخطوطة التي تعود إلى حوالي 1600 عام، وتحمل قصائد الشاعر الروماني بابليوس فرجيليوس مارو، المعروف باسم فيرجيل، والتي كانت مدار بحث من قبل الفنان الإيطالي رافاييل.
كذلك يستعد الفاتيكان لتحويل حوالي 7 ملايين صورة، تغطي حقبات سبعة بابوات، إلى صور رقمية بكلفة تصل إلى 3 ملايين يورو. وذكرت وكالة الأنباء الإيطالية “أنسا” أن 80 في المئة من الصور ملوّنة، والبقية بالأسود والأبيض،. بدأت النسخ السلبية من الصور بالاهتراء، ما استدعى تحويلها إلى صور رقمية لمنع وقوع مزيد من الضرر. يستغرق المشروع حوالي خمس سنوات، وقد حصل البابا الراحل يوحنا بولس الثاني على حصة الأسد من الصور، ووصل عددها إلى 6 ملايين، من بينها صور مع التركي علي أقجا الذي حاول اغتياله.
محطات تاريخية
أسس البابا نيكولاس مكتبة الفاتيكان عام 1451 تحت مسمى Biblioteca Apostolica Vaticana وأعطاها منزلتها القانونية الخاصة، وضمنها مكتبته الشخصية التي احتوت 1160 كتاباً من بينها 400 باليونانية، وعين بارتولوميو بلاتينا أول مدير لها.
وبحلول عصر النهضة (1481) نمت المكتبة وأصبحت تضم 3500 كتاب، وفي فترة الاصلاح البروتستانتي (1517 ) عانت المكتبة بظهور أول دليل للكتب الممنوعة وكثرة التقييدات المفروضة على الراغبين في الوصول إلى الكتب، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت السرية والمنع الصفتين الاكثر تميزا في هذه المكتبة
معظم الكتب الغنية والفائقة الاهمية التي ضمت إلى قسم البلاط في المكتبة كانت غنائم حرب، واكتسبت هذه المكتبة مخطوطات من البلدان والامبراطوريات التي كانت جيوش أتباع الكنيسة تحتلها الواحدة تلو الاخرى، فضلا عن أن الرحالة من الأدباء والفلاسفة… الذين كانوا يزورون روما كان يفرض عليهم ترك مخطوطة لهم في مكتبة الفاتيكان.
محتويات المكتبة
تضم مكتبة الفاتيكان مليوني كتاب وسلسلة مطبوعة، 75 ألف مخطوطة سريانية وأثيوبية وفارسية وعبرية وعربية ويونانية ولاتينية، يعود تاريخ أقدمها إلى القرن الثاني بعد الميلاد، 65 ألف مجلد، 8 آلاف معجم، 23 وحدة أرشيف، 100 ألف خريطة ورسم وحفرية، 330 ألف عملة معدنية ووسام بابوي وروماني ويوناني.
يدخل المكتبة كل سنة 6 آلاف مجلد، ويعمل فيها 80 موظفاً وهم موزعون على خمسة أقسام : المخطوطات، المجموعة الارشيفية، الكتب، الرسوم والعملات المعدنية. يتولى إدارتها الاب ليونارد بويل، منذ 1984 ، متخرج في جامعة تورنتو الكندية في تاريخ القرون الوسطى
في بداياتها احتوت مكتبة الفاتيكان كتب: التوراة، اللاهوت، القانون الكنسي، أعمال الكلاسيكيين اليونانيين واللاتين في التاريخ والفلسفة، فنون قرون النهضة الأوروبية التي استعانت فيها الترجمات من العربية الى اللاتينية، نصوص الباباوات ومستشاريهم وخدمهم، مخطوطات من القرن الرابع عشر، كتابات غاليلو الرائعة، إبداعات أرسطو، إلياذة هوميروس، رسائل محاربي طروادة، تصميمات جيوفاني لورينزو لميدان “دي سان بيترو”، قواعد ألدو مانيزو الاكاديمية، أعمال روجر بيكون، ومخطوطات الفيلسوف بيكو ديلا ميرندولا، سيرة أباطرة الرومان وعلماء عصر النهضة، كوميديا بلاوتوس في اللاتينية، ومخطوطة “يوم القيامة” لغيسي جورجيو (1530) وهي أول كوميديا دينية في تاريخ الآداب شجعت حركة الاصلاح الكاثوليكي والتغيير في منتصف القرن السادس عشر، ومخطوطات لازاريللي لودفيكو باللاتينية أحد أهم مثقفي القرن الخامس عشر الذين سحروا عصرهم بحكمة ممزوجة بأساطير اليونان والفراعنة والوثنية، وأطروحة البابا بولس الثالث في الفلسفة التي جادل فيها أفلاطون وأرسطو وفلاسفة الكلدانية القديمة، والنصوص اللاهوتية البيزنطية، مخطوطات الرازي وابن سينا وابن رشد والغزالي وابن الهيثم والفارابي .
يُقدّر أرشيف الفاتيكان السري بحوالي 52 ميل من اللفافات و35 ألف جزء في الدليل الانتقائي وحده. يعتبر نشر الفهارس جزئيا أو كليّا محرّماص تبعا للتعليمات الصادرة عام 2005. طبقا لموقع الفاتيكان، فإن أقدم وثيقة موجودة يعود تاريخها إلى نهاية القرن الثامن، ووثائق أكثر كمالا بدءا من العام 1198. مع ذلك، التوثيق ضئيل إلى حدّ ما قبل القرن الثالث عشر. ومنذ ذلك الوقت، شمل التوثيق قضايا اجتماعية أيضاً مثل طلب هنري الثامن ملك إنكلترا إلغاء الزواج، وخطابات من مايكل انجلو،).
عام 1883, فتح البابا ليون الثالث عشر أرشيفات تعود إلى 1815 أو ما بعد ذلك، إلى العلماء غير الكتابيين. وفي 20 شباط 2002, اتخذ البابا القديس يوحنا بولس الثاني خطوة استثنائية ليجعلها متاحة، ابتداء من 2003، من بينها وثائق من الأرشيفات السرية التي تخصّ علاقات الفاتيكان مع ألمانيا خلال عهد البابا بيوس الحادي عشر (1922-1939)، كان هدف الفاتيكان من هذا التحرّك “وَضع نهاية للتخمين الظالم والطائش”.
في 2006، خوّل البابا بنديكتوس السادس عشر فتح أرشيفات الفاتيكان إلى عهد البابا بيوس الحادي عشر، لكنّ الملفات لم تكن متاحة للعرض العام.
وإثر المطالب الداعية إلى فتح مكتبة أرشيف الفاتيكان السري أمام الباحثين والمؤرخين ليطلعوا على الوثائق المتعلقة بحبرية البابا بيوس الثاني عشر، أوضح الأب فدريكو لومباردي، مدير دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي، أن البابا لاون الثالث عشر قرر سنة 1881 فتح مكتبة أرشيف الفاتيكان السري أمام الباحثين، وقد سار الأحبار العظماء على خطاه. أضاف أن الوثائق الخاصة بحبرية البابا بيوس الثاني عشر تقع في أكثر من 16 مليون صفحة، يتطلب تنظيمها فترة زمنية تتراوح بين ست وسبع سنوات.
نظام المكتبة
طوال قرون، كان الدخول إلى مكتبة الفاتيكان مقيداً ومحصوراً بمجموعة مختارة، عام 1983 فتحت المكتبة للقراء بشروط صارمة خوفاً على المخطوطات، وفي 1988 خُفض من دخول القراء المؤهلين، وبعد اعتراضات من اكاديميين مؤثرين فتحت أرشيفات الفاتيكان السرية أمام القراء.
كانت الشروط قاسية حفظا على الكنوز الثقافية من التلف، فقد سمح بالدخول للعلماء المعروفين في العالم، الباحثين الموثقة ابحاثهم من أكاديمية في الفاتيكان، والطلاب المزودين بوثائق من جامعاتهم.
من الشروط: ان يكون الداخل متدربا على التعامل مع المخطوطات والكتب، خلع المعاطف، حفظ الحقائب والمظلات والظروف البلاستيكية والأجسام الشفافة في خزانات خاصة، ارتداء ثوب معقم خاص بالمكتبة تجنباً للمكروبات الغريبة التي يحملها القراء، منع إدخال أي جهاز آلي إلى المكتبة، خضوع القارئ للفحص الأمني والتفتيش في أي وقت.
ومن الشروط أيضاً: عدم استخدام الهواتف النقالة، وعدم حمل مفاتيح أو مقص أو قاطعات أو ورق أو شريط لاصق او صمغ أو مصحح الحبر، منع التصوير أو حمل كاميرات رقمية أو مسجلات ونواسخ ضوئية أو أي أداة أخرى تسمح بنسخ مواد المكتبة.
تفرض مكتبة الفاتيكان أن يكون تقليب صفحات المخطوطات بعناية وبطء، وعدم إسناد الايدي والاصابع على المخطوطة، الداخلون للمكتبة ينبغي لهم الامتثال إلى أوامر المعينين فيها من دون مناقشة، اما الطعام فممنوع، والتدخين أيضاً.
ينبغي الانتظار أمام منضدة الاستقبال عند طلب وثيقة سرية، ويحدد أمين المكتبة أماكن جلوس القراء في قاعة المطالعة، القاريء ملزم بالاستخدام اللائق والصحيح لأثاث المكتبة، ويمنع تحرك القراء في الممرات. يجب تعقيم الايدي عند التعامل مع المخطوطات، واستخدان أقلام رصاص قابلة للمسح فقط في غرفة المطالعة.
يحال إلى القضاء: من يمزق أو يسرق أو يضع علامات او تعليقات على الكتب ولو بقلم رصاص، من يعرقلون اعمال الآخرين، من يدخن في حدود المكتبة. يلتزم القارئ بقواعد المكتبة قانونياً ويوقع تعهدا بذلك. وأخيرا ضمان التعويض عن خسائر المكتبة، والصمت الكامل ليس لمن يدخل المكتبة او قاعات المطالعة بل في كل المباني التابعة للمكتبة.
مخطوطات إيرانية
عقد اتفاق بين مكتبة الفاتيكان والمكتبة الوطنية الإيرانية، يتم بموجبه نسخ ما يقرب من ستة آلاف مخطوطة من مجموع 15 ألف مخطوطة فارسية محفوظة في مكتبة الفاتيكان وارسالها إلى المكتبة الوطنية الإيرانية في أقراص مضغوطة.
معظم المخطوطات في مكتبة الفاتيكان باللغات اللاتينية والعبرية والأرمنية والتركية والفارسية والعربية والروسية. من بين المخطوطات الفارسية الموجودة في مكتبة الفاتيكان حوالى 1750 مخطوطة يرجع تاريخها إلى ما قبل عهد الدول الصفوية، ونقلت إلى أوروبا عبر المبشرين الذين اشتروها وحافظوا عليها من التلف.
من الكتب الفارسية النفيسة الموجودة في مكتبة الفاتيكان نسخة من كتاب “اللمحات في الحقائق” للسهروردي تعود إلى عام 588 هـ ، وأخرى من كتاب “الإشارات والتنبيهات” لابن سينا، وأيضاً الرسالة المعروفة برسالة الإمام صاحب الزمان إلى الشيخ المفيد، وأقدم نسخة للصحيفة السجادية، وستُنقل بشكل تدريجي إلى المكتبة الوطنية الإيرانية في إطار هذا التعاون الثقافي.
في 26 حزيران 2007 أغلقت مكتبة الفاتيكان أبوابها ثلاث سنوات للقيام بأعمال الترميم الضرورية للمبنى الذي يعود الى القرن الخامس عشر. لكن رغم الاغلاق أعلن عميد المكتبة الاسقف رافايلي فارينا أن قائمة بمحتويات المكتبة ستتوافر على شبكة الأنترنت، وسيحصل الدارسون والباحثون على المعلومات التي يحتاجونها عبر البريد الالكتروني، من تصوير كتب ومستندات وغيرها من الخدمات. وأشار إلى أنه من الممكن مراجعة المكتبة الفاتيكانية في جامعة سانت لويس في ميسوري التي تملك اكثر من 37 الف مخطوطة مصورة.
كلام الصور
1- 2 – 3 – 4 مكتبة الفاتيكان
5- مخطوط سرياني من القرن السابع عشر
6 – مخطوطة بيزنطية تعود إلى القرن الحادي عشر مكتوب عليها قسم أبقراط على شكل صليب
7- أحد أقسام مخطوطات
8- مخطوطة للغزالي