“دراماتورجيا تكوين المُمَثِّل استناداً الى المنهج الصوفيّ” عنوان أطروحة الدكتوراه في الفن وعلوم الفن ناقشتها د. كريستيل نصار في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب
والعلوم الاجتماعية والإنسانية والفنون في الجامعة اللبنانية. وهي أطروحة ذات قيمة علمية تحمل جديداً في مجال إعداد المُمَثِّل دفع اللجنة المناقشة الى إعطائها توصية بالنشر بالعربية وبالترجمة والنشر باللغات الأجنبية، بالإضافة أنها أول امرأة تنال هذه الشهادة في الجامعة اللبنانية في اختصاص المسرح وتدريب الممثل (وثاني شخص في لبنان ينالها من الجامعة اللبنانية).
أشارت كريستيل نصار إلى أن الأطروحة فتحت الباب أمام مقاربة تربوية جديدة تحت عنوان “التربية الإبداعية”، ومقاربة علاجية نفسية جديدة تحت عنوان “الاستصفاء باللعب”، وتطرح نظرية خاصة ومساراً عملياً للعلاج بالفن، فضلاً عن الجديد الذي يطرحه “المنهج الصوفي” على المستوى الفني المسرحي، انطلاقاً من فلسفة خاصة لإعداد المُمَثِّل، تؤسس لجمالية خاصة في التأليف والأداء والإخراج.
أضافت أنّ المنهج الصوفي قائم فلسفة وتقنيات وضعها البروفسور جان داود (عميد معهد الفنون في الجامعة اللبنانية) مؤسس “مختبر الدراماتورجيا، التمثيل والنصوص” والباحث على المستوى العربي والدولي.
تابعت: “المنهج الذي أطلق عليه مؤسسه تسمية “المنهج الصوفي” يطال المُمَثِّل بشمولية، تسمح بأن نطلق عليه تسمية “المنهج الكلي” أيضاً. وهو واحد من مناهج إعداد المُمَثِّل القليلة المعروفة في العالم، حتى اليوم، ويمكن الركون إليها. أسس له عبر بحث ميداني في إطار “مختبر الدراماتورجيا، التمثيل والنصوص” منذ 1986. يمتاز بخواص عديدة أبرزها مقاربته الفلسفية التي توحّد ما بين العمل على تكوين المُمَثِّل وما بين العمل على تنمية الإنسان، بحيث يتمّ تثمير المنهج بما يقدّمه في “التربية الإبداعية” التي يطرح، وفي التأسيس لمقاربة علاجية تحت عنوان “الاستصفاء والتصافي باللعب”. عندما تنمو القدرات الجسديّة والفكرية والعاطفية، وعندما تنمو المخيلة وتتطور القدرات الإبداعية، وعندما يذهب المتدرب-المُمَثِّل الى الصفاء (السِّمة الأساسية للـ”الصوفية العلمانية” التي يدعو داود إليها)، يحصل النمو الإنساني بحركة ارتقاء. من خصوصيات المنهج الأساسية أيضاً، العمل على الإنسان نفهمه انطلاقاً من تحديد داود للممثل بأنه “إنسان يبحث عن نفسه ارتقاءً وجهوزيةً للحياة والفعل”.
ناقش الباحثة كريستيل نصار مجموعة من الأكاديميين برئاسة الدكتورة هند الصوفي (فنانة تشكيلية حائزة جوائز عدّة، ومناضِلة نسوية، وأستاذة في الجامعة اللبنانية)، وعضوية الدكتور أحمد سخسوخ (عميد سابق لأكاديمية الفنون في القاهرة)، الدكتور إيلي لحود (مؤسس ومدير محترف عمشيت للمسرح وأستاذ في الجامعة اللبنانية)، الدكتورة كالين برنوطي (ممثلة صوفية من طلاب داود السابقين، مؤسسة ومديرة محترف الأنا للتنمية الذاتية وأستاذة في الجامعة اللبنانية)؛ الدكتور أنطوان معلوف مشرفاً (مؤلف مسرحي حائز جوائز، أديب، وأستاذ في الجامعة اللبنانية وصاحب كتاب “المدخل إلى المأساة”.
حضر المناقشة الدكتور جان داود، عميد معهد الفنون الجميلة، الدكتور أنطوان شربل، مدير معهد الفنون الفرع الثاني حيث الباحثة أستاذة لمواد الأداء المسرحي الجسدي والدراماتورجيا، بالإضافة إلى بعض طلاب الدكتوراه في اختصاصات الفلسفة والتربية والفن وعلوم الفن .
أنطوان معلوف
خلال المناقشة ألقى الدكتور أنطوان معلوف كلمة عبر فيها عن تميُّز الموضوع وصعوبة البحث. وممّا جاء في كلامه في صوفية منهج داود: “في الاحتفالات الصوفية وفي حلقات الذكر يستدرج المنشدون الله ليحل فيهم، وليقذف نوره في صدرهم بحسب تعبير الغزالي. أما التمثيل فيتنقى به المُمَثِّل من شجون ذاته ويصفو فيستدرج إليه الشخصية المسرحية، فإذا حلَّت الشخصية في المُمَثِّل يكون المُمَثِّل قد أخلى ذاته لتحل الشخصية فيها فيصحّ القول إن المنهج الصوفي في المسرح والتمثيل ليس هرطقة بل التحاق علمانيّ بينابيع المسرح والحلول الأولى في تاريخ الإنسان”.
وتابع د. معلوف: “رأت الطالبة صاحبة هذه الأطروحة أنّ أستاذها جادّ في مذهبه مترهب له، وأنّه […] حاول ألا يكتفي بترويض المُمَثِّل وكفى، بل بترويضه قدر المستطاع “قديساً مدنياً” ما يجعل المُمَثِّل ترقّ روحه، وتتهذب بحسب طريقة ما يسميه داود الاستصفاء أي السعي إلى الصفاء. […] هذه التمارين ودراستها قوام البحث الأكاديمي هذا، يختصرها عنوان جديد ما أحوجنا إليه في هذا المشرق التعيس، الاحتفال بالإنسان، ووعيه وإعادة الاعتبار له كائناً من كان انطلاقاً من تقصي الذات”.
أضاف: “وما المسرح؟ يقول المستشرق الفرنسي الكبير جاك بيت، رئيس المعهد العربي في باريس، حين زار بيروت سنة 1971، في المسرح يتقصى الإنسان ذاته. هذا ما يبدو لي مسعى محترف داود، ومبدأ تلميذته كريستيل وقوام دراستها الضخمة، وقد أقبلَت عليها مندفعة بقوة شبابها غير عابئة بالعقبات. تراها تحاول تقصي الذات على الرغم من علمها أن ليس لذات الإنسان نهاية”.
وعاد معلوف إلى تناول “منهج داود الصوفي”، معتبراً إياه “يقظة على الله والعالم في آن، هي يقظة على الروح والجسد. وتالياً فهو دعوة إلى تقصّي الإنسان، روحاً وجسداً، من خلال تمارين مختلفة تثبت لقارئ الأطروحة أنّ هذا النهج يقيم توازناً قاسياً ما بين النسبيّ والمُطلَق، فلا يلتهم الجسد المسرحيّ روح المُمَثِّل ولا تطيح الروح جسد المُمَثِّل. ويغدو المسرح هيكل الإنسان، كاملاً، متحداً، لا حدّ لجوعه الى المُطلَق”.
هند الصوفي
ركزت الدكتورة هند الصوفي، رئيسة لجنة المناقشة، في تقريرها على أهمية المنهج الكُلّيّ وقالت: “استمد من العمق النفسي للتراث الثقافي، من الصوفية العابرة للطوائف والمذاهب، استصفاءً وصفاءً مكّنه من ابتداع تدريبات خاصة لها نجاحها المحلي، العربي أيضاً، والعالمي ربما”.
أضافت: “يتناول هذا البحث أعضاء مختبر داود، هؤلاء الباحثين عن الإبداع بالحركة والإحساس والجسد، تحديداً في دراماتورجيا المُمَثِّل والجسد. يطرح إشكالاً في مقام الفن وعلوم الفن، تحديداً في مجال دراماتورجيا تكوين المُمَثِّل. نموذج، منهج فريد، ابتدعه الأستاذ الدكتور جان داود. له أبعاد روحية إنسانية ووجدانية حرة. دراسة تستند على دلالات وعلامات مستمدة من نصوص هي شهادات لطلاب أصبحوا بدورهم أساتذة يستلهمون منهج مريدهم بما تركه لديهم من وقع، فالمطلوب ذِكْر لم تعتَد عليه أقلام الباحثين لكنه دراسة لحالة، بل إنّه الحالة بذاتها”.
تابعت: “لا شك أني أمام […] باحثة عصامية جادة. حاولت أن تجمع أرشيفاً واسعاً منوعاً حسب موضوع واحد، وهي التي تابعت تدريبات أستاذ متمرس ومميز، وحاولت لا شك أن تتبع نهجه في محترفها التدريبي. باحثة تعتبر المسرح موقفاً من الذات، من الوجود، وتستمد الأشياء التي تحيط بالمعرفة فتكتشف الذات والآخر، وتغرف منه دواء وعلاجاً تتغلب فيه على الوجع، ليفيض الأنا صفاءً بل استصفاءً. وسائله سلمية مسالمة متسالمة الى أقصى الحدود الإنسانية، تبقى المفتاح لكَ وللآخر أيضاً. تنبع من البيئة المعرفية المحليّة الى حيث تجعل منها مدرسة متصالحة مع الحداثة. ربما هذه هي الناحية المحورية في إشكاليتها”.
وتوجهت الدكتورة صوفي إلى الباحثة قائلة: “نجحتِ في التأكيد على علمية المنهج الصوفي المدني ونجاحه كآلية في تكوين المُمَثِّل، وركزت على شهادات وانطباعات المتدربين، على معاناتهم الذاتية، وتمكينهم من التغلب على كل المصاعب من خلال تمارين وأجواء خاصّة وتدريبات. حاولتِ أن تطالي علوماً عدّة منها الفن والتصوف، والتربية الفنية، والجماليات، وعلم النفس. جمعتِ كماً هائلاً من الأحاديث والشهادات الخاصّة، وهي الآن متاحة أمام من يريد أن يقوم بأبحاث لاحقة. […].. وقد أحببت كثيراً فكرة الاستصفاء”.
تساءلت الدكتورة صوفي: “ألا يمكن أن نسمي هذا المنهج بالمنهج الاستصفائي، هو الذي يملك مدرسة وفلسفة، ألا يمكن أن يكون مدرسة لها صفة العالمية، وتكون نابعة من الشرق، لم لا؟ خاصّة أنّ ذلك سيؤكّد على الطابع العالمي للمنهج الصوفي الذي عرضته الباحثة بمقاربة علميّة”.
تابعت الصوفي مؤكدة: “أتمنى أن نجمع كل المصطلحات لهذه المدرسة، وأسميها مدرسة لأن لديها كل الفكر الفلسفي ويمكن أن نسميها مدرسة عالمية. …هذا البحث يعطي أفقاً جديداً للعديد من الباحثين لاحقاً، وهذه الكمية الموسوعية من الأقاويل هي مهمة، وتشكل حالة، وتشكّل أيضاً خميرة للبحث”.
إيلي لحود
ألقى الدكتور إيلي لحود كلمة بدوره مما جاء: ” تمتعت كثيراً في قراءة هذا البحث المستفيض جداً. وأريد أن أشير إلى أمور ثلاثة. أولاً عرّفتنا كريستيل على منهج مسرحي جديد، يحمل بذوراً من الشرق ويحاور الغرب بمنحاه العلميّ، وإن كان لم يكتمل بعد بفصوله كلها، فهو لا يزال يتكبد ويعاني ويجرب ويختبر، وعلينا إعطاءه المزيد من الوقت. ثانياً، الوفاء للمدرسة أو المذهب أو الخط أو الاتجاه، فنرى حضوراً لها مميزاً ودقيقاً وهاجساً من قبلها لإنجاح هذا الخطّ تجلّى في هذا التدوين الدقيق والمدهش، أو هذا الوصف المميَّز لأدقّ التفاصيل في هذا المسار. ثالثاً، هذا الجَلَد النادر على البحث العلمي الشاق، فنشعر كأنها تريد المزيد وتطمح الى الأفضل دون كلل أو ملل مستندة الى كل ما ملكت يداها من مراجع وكتب ومقابلات وشهادات وجلسات عمل وأقوال صحف وورشات عمل ومحاضرات وآراء وانطباعات”…
وختم الدكتور لحود معتبراً أطروحة نصار “عملاً جديداً وجريئاً شكل إضافة أكاديمية في طرائق إعداد المُمَثِّل وفتح آفاقاً جديدة ممكن أن تعتمد كطريقة في التدريس وأن يستفيد منها كثر، وفي مجالات عدّة، بشموليتها وإجابتها عن أسئلة تتعلّق بعلوم الإنسان”.
أحمد سخسوخ
استهلّ الدكتور أحمد سخسوخ مناقشته بالتالي: “الحقيقة، استمتعت استمتاعاً شديداً في قراءة الرسالة، وأنا أعلم أنّ الباحثة بذلت جهداً كبيراً وشديداً، وبقدر ثراء الرسالة ستكون مداخلتي”…
أضاف: ” حقيقة حينما كنت أقرأ الرسالة كان يقفز إليّ وجه أوجين باربا تلميذ غروتوفسكي. باربا كان يقول دائماً: “أنا أتنفس برئتَي غروتوفسكي”. حينما قرأت أطروحة نصار، أدركت الى أيّ مدى الباحثة تتنفّس برئتي جان داود… جان داود يستخدم مصطلح “دراماتورجيا المُمَثِّل” ربما لأول مرة في العالم؛ لقد كان استخداماً غريباً، لكنه كان محقّاً فيه….”
تابع: “أريد أن أقول إنه رغم عبقرية غروتوفسكي، إلا أنه لم يكن ممكناً أن يصل إلى العالم كله إلا عبر تلامذته المخلصين مثل باربا. ولهذا أوصي بطبع الأطروحة، وأوصي بترجمتها الى اللغة الفرنسية، وأوصي بترجمتها الى لغات أخرى لأن هذا دورنا فعلاً لكي تسلط الضوء على هذه القيم الموجودة في عالمنا”. وأكد في ختام المداخلة على وجوب العمل على نشر منهج داود في أوروبا والغرب كما اعتبر الدراسة محيطةً بالمنهج بشكل عميق.
كالين برنوطي
استهلت الدكتورة كالين برنوطي كلامها بالتالي: “أولاً، كريستيل أودّ أن أقول لك شكراً، لأنك عبر هذه الأطروحة حققتِ حلمنا كلنا، نحن الذين مررنا بخبرة المحترف. فكما قلتِ أنا التزمتُ في مختبر داود سبع سنين. رفاقي وأنا رغبنا جميعاً في أن نكتب، رغبنا في أن نوثّق هذه الخبرة التي عشناها، لكنّ أياً منّا لم يكن يتمتع بالصبر ولا بالشجاعة ولا بالإيمان التي كانت لديكِ لتتمي المهمّة، فشكراً مِنّي ومن كل الآخرين من المحترف”.
أضافت: ” أطروحتك، إن لم أشأ قراءتها بعقلي لقرأتها بكل كياني، بكل مسيرتي أنا. ويمكنني أن أقول إنّني أعرف عمق صحة ما تقولين فيها، والصحة أقصدها بمعنى الحقيقي، لا بمعنى الصح والخطأ. وسأعبّر عن معرفتي هذه بجملة من د. داود: “أنا بَعْرِف، بإحساس أقوى من المعرفة بعرف”. وهذه الأطروحة هي بالنسبة إلي على قدر عالٍ من الأهمية يجعلني أوصي بطبعها ونشرها حتى نتمكّن من زيادة “الإنسان الضوّء” (الإنسان الضوء هو صورة من مسرحية “معاقون” لداود أدّت برنوطي الشخصية التي ترمز إليهاِ، ويُقصَد بها “الإنسان النور” الذي يشع بصفائه وجمال ذاته)…
تابعت الدكتورة برنوطي في تقريرها: ” الأطروحة مثيرة جداً للاهتمام، وتتميز بفرادتها. فقد يفترض أحدهم أنها تتناول دراسة شخص واحد (د. جان داود)، لكن عبقرية الآنسة نصار تكمن في كونها بيَّنَت المنهج الصوفي كنظام حياة متكامل، نوعاً من فلسفة فنيّة وتربوية، حيث لم تعد المقاربة هي مقاربة “مُمَثِّل رئيسي” في حال فعل، إنّما نظام عمل متكامل يعرض عالماً تتكامل فيه النظرية والاختبار. من هنا يمكنني القول إنها اعتمدت منهجية متينة. ويتركز تمايز هذه الأطروحة في تداخل الأوجه النظرية مع الأوجه العملية الذي ملكته نصار بامتياز، بما أنها وضعَت قيد الدرس خبرتها الشخصية، ملاحظتها الموضوعية، أبحاثها العلمية، ومتابعتها الطويلة لمسار ما زال في تطور مستمر”.
وختمت الدكتورة برنوطي تقريرها بالقول: ” المعلومات الواردة في الأطروحة متينة ومثقِّفة، وهي من دون شك ذات أهمية على المستوى الأكاديمي”
كلام الصور
1- كريستيل نصار تناقش أطروحتها
2- 3- 4- 5- مشاهد من المناقشة