بقلم: الأب انطوان ضو
زيارة البطريرك الماروني التاريخية إلى القدس والأراضي المقدسة ليست بالأمر الجديد ، فالبطاركة الموارنة زاروا القدس في العصر العربي والصليبي والمملوكي والعثماني وفي زمن الانتداب البريطاني ايضاً . والموارنة لهم وجودهم التاريخي في القدس وسائر الديار الفلسطينية حتى اليوم . زيارة البطريرك هي زيارة راعوية روحية كنسية للموارنة، وسائر المسيحيين لتفقد الرعايا والأبرشية وتعزيز العمق المسكوني في أرض المسيح وثقافة الحوار بين الأديان .
ولأن الزيارة راعوية لا بد من الاشارة الى ان الادب العربي المسيحي يختلف في بعض تعابيره ومفاهيمه عن الادب العربي العام ، فالراعي والرعاة والرعية والعمل الرعوي لهم بعد روحي مميز، فالمسيح هو الراعي الصالح والبطريرك والاسقف والكاهن هم رعاة شعب الله ويتبنون ابناءهم في الإيمان.
الكنيسة هي أم ومعلمة . والرعية هي جماعة المؤمنين في دائرة مميزة . والحب الرعوي هو عمل مشترك بين الرعاة والمؤمنين ولخير جميع المؤمنين.
لأن مفهوم الراعي في السياسة يختلف عن المفهوم الكنسي لذلك برزت اشكالية زيارة البطريرك الماروني الى الاراضي المقدسة في غير مكانها العلمي واللاهوتي والتي لا علاقة لها بالاحتلال والصراع الصهيوني العربي والخلافات السياسية الحادّة الاقليمية والدولية حول القضية الفلسطينية.
المسيحيون لهم لاهوتهم وحرياتهم واحكامهم وخصوصيتهم . والراعي الصالح هو الذي يتفقد رعيته ويسهر عليها ويساعدها ويشجعها ويشارك في حمل صليبها لكي تستحق أن تكون رعية قيامية ثابتة في ارضها . وأولوية العمل الرعوي هو الاهتمام بالفقراء والمعذبين والمضطهدين والمهددين في وجودهم في فلسطين وغير فلسطين.
الراعي في المفهوم اللاهوتي المعاصر هو الذي يركز على الرعاية الروحية والتربوية والاجتماعية تاركاً للعموم وأهل السياسة ان يهتموا بـعلم السياسة وبتحقيق الادارة السياسية بصدق وشفافية، سواء في الغرب الذي فصل بين الدين والسياسة أم في الشرق الذي سعى ويسعى الى اقامة الدول الدينية . ان الفكر الاسلامي المستنير يتلاقى مع الفكر المسيحي المشرقي المنوّر، والتعاون بين المسلمين والمسيحيين في شؤون الحياة ضرورة علمية في زمن العولمة، ورفض مطلق للدولة العنصرية بكل اشكالها المطروحة على ساحتنا والمدعومة من الخارج ومن الداخل أحياناً .
إذا كانت زيارة البطريرك الماروني للقدس الشريف حقّ وواجب فلا يجوز تشويهها واستغلالها في سياسات الانغلاق. واذا كانت القدس الشريف وما حولها هي جزء من الاسلام فالقدس أم الكنائس، وسائر الاراضي المقدسة هي جزء من المسيحية. والكل يعرف أن القدس مقدسة للاديان الابراهيمية. وأن الشعب الفلسطيني بمسيحييه ومسلميه يستحق زيارة محبة.
في حجّك إلى القدس الشريف سلّم على الجميع بسلام المسلمين قائلاً: ” السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ” . وسلّم عليهم بتحية المسيح القائم من القبر المقدس: ” السلام معكم “.
الإسلام هو دين السلام والتسليم لله تعالى . القرآن الكريم قا : ” أيها الناس” كل الناس، ولم يستثن أحداً . زيارتكم لا تنجم عن حسابات بشرية وسياسية بل هي منطلقة من إنجيل المحبة وزيارة لجميع الناس. وإن كان للموارنة حصة كبيرة في الزيارة فلا تجعلهم أن يستأثروا بها . أنتم وهم شعب محبّ ومحبوب، إنكم خدمة حضارة المحبة والحرية والكرامة والعدل والمساواة والمواطنة وحوار الأديان والمصالحة والسلام.
زيارتكم هي لكسر كل حيطان الوهم والعنصرية والاستغلال السياسي والمتاجرة بالقدس. قل للإسرائيليين أمام حائط العزل: هذا لا يليق لا بالله ولا بالانسان ولا بالحضارة، لأنه حائط من صنع الخطيئة، والمسيح أتى ليهدم هذا الحائط، وأنت ونحن ندعو إلى إزالته وإزالة كل أنواع الاحتلال .
قالوا وسيقولون عنك الكثير . لو افتروا عليك واتهموك بشتى التهم وعذّبوك وأذلّوك وصلبوك قل: “مع آلامك يا يسوع”. وقل لهم : ” يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون” . قل لهم ايضاً : “يا اخوتي الأحباء: ” تعالوا إلى كلمة سواء” تعالوا الى الحوار الصادق ومحبّة الفلسطينيين ليس بالكلام بل بالأعمال .
الحج إلى القدس هو حج إلى وجه الله لأن الحجّ لا يكون إلى القدس بل إلى ربّ القدس إلهنا جميعاً . إله المحبة والخلاص الذي به ومعه نبني حضارة العدل والسلام والحرية والمحبة في فلسطين والعالم كله.
حجّك يا بطريرك القدس هو تأكيد على أن المسيحية الفلسطينية جزء لا ينفصل عن المسيحية في العالم العربي والمشرقي. والحضور المسيحي الفلسطيني جزء لا ينفصل عن الحضور المسيحي في العالم العربي .