الشاعر عاطف ياغي… إضمامات قيم، وباقات إبداع (*)

بقلم: د. سلوى الخليل الأمين

salwa-111هنا بعلبك.. هنا القامات المرتفعة إلى حدود السماء .. هنا الكلمة الفصل .. هنا القصيدة العصماء التي تكلل هامات الستة العمد بوهجها الفتان.. هنا الحب المعتق المرفوع من دنان المحبة حرزا للوطن.. هنا مدينة الشمس الضحوك.. هنا الحكايات المعربشة على أفنان المزن تخط التاريخ أمجادا .. وترويها عبر..

فيا بعلبك ..أنت المبتدأ .. وأنت الخبر.. أنت رايات الفوارس الخفاقة فوق القمم، أنت رماح اليقظة في ليالي الغدر والعتب، أنت أسطورة الزمن والمواعيد المجللة بغنج القصائد والتعب، أنت حمالة الأعمار السابحة على كفوف الدهر.. ومحطات السفر.. وحورية الحب الحاملة صليب الرجاء وهلال الضوء.. شروق مسارات ..لم تعرف التمذهب ولا التطيف في بيعها وكنائسها ومحاريبها والمساجد..

أنت بعلبك .. عروس الوطن البتول ..التي لم تهززك النائبات ولا عثرات الزمن وخطوبه القاسية، فأنت .. أنت الشامخة.. القادرة .. المؤمنة ببطولات شهدائك الأبرار..الذين رفعوا القيم والشمم والفداء ومقاومة العدو الصهيوني.. مشهديات حق في زمن، استفحل فيه الغدر في الداخل اللبناني، وكثرت فيه العمالة للخارج الاستعماري، وللبيانات المفبركة، والصحائف الملونة بغدر النفوس اليهوذية،التي لم تتجرأ على دوس بلاطات حاراتك والدروب، فأنت مدينة النجب الكرام، الذين لم يهادنوا عدوا، ولم يمالئوا مستعمرا، ولم ينكثوا عهدا ولا وعدا، ولم يسطروا في تاريخهم النبيل حالات فجور واتجار بالمبادئ والقيم، ولم يرفعوا على أسوارك سوى فقه علمائهم وأدبائهم وشعرائهم ومفكريهم، كالمحقق الكركي الذي وسع دائرة علومه حتى وصلت حدود إيران، والإمام الأوزاعي وفتاواه الشهيرة في إرساء أسس العدالة والمساواة بين أتباع الديانات السماوية، والعالم الراحل غسان قانصوه المحدث الأول عن وجود النفط والغاز في لبنان مع شقيقه العالم والخبير النفطي معالي الوزير عاصم قانصوه، والشاعر خليل مطران شاعر القطرين ، وصولا إلى الشاعرالراحل عاطف ياغي الذي عرفناه تربويا وشاعرا كتب القصيدة أحلام رؤى، مسحت بورق الورد هموم ناسه ومدينته ووطنه، فكان مجليا في نقاء سريرته، وعزة نفسه، وطيب محتده، الذي ساعده على مداواة الباطل بالحق الذي تماهى نور محبة ، وتواصل أخوي وتلاق لا تشوبه شائبة.. مع كل من عرفه، وجاوره،وأحبه، وتتلمذ على يديه .atef yaghi

اليوم.. أنا هنا معك أيها الغائب الحاضر الراحل الشاعر عاطف ياغي ، من جنوب المقاومة أتيت…… أصافح مجدك الأدبي والتربوي والتاريخي.. أعانق قصائدك وشطورها المؤانسة هواك الناعم الرقراق .. وعافية عقلك الذي شعت لمعته خفق مدارات، أهدت أنوارها إلى كل من قرأك .. وسجى، فوق تراتيل العمر يقطف من تلاوين الفجر أناشيد العمر الليليكية، التي جملتها بيراعك الثر، وبالعبارة المصفاة، المقطرة من شهد ثقافة عالية، وخفقات قلب أتقن لغة الحب، فحمل الوفاء فوق كفوف الراح رايات بيضاء، والصدق أجاجين عطاءات، جملت مسيرة حياتك التربوية والأدبية.. طيب مذاقات، اختالت كنوارس البحار، على وريقات العمر المسافرة إلى رحاب الخالق العزيز.. القدير.. الذي آمنت به هديا.. وصراطا مستقيما.

الراحل الشاعر عاطف ياغي لقد غبت غير مفارق ، لأن ما تركته من إرث أدبي.. باق مدى الأدهار، إضمامات قيم، وباقات إبداع، لونت تواشيح قصائدك .. ببشارات العطاء التي لم تجف في الزمن الصعب، الذي التف على مدارات الأمن والآمان في وطننا الحبيب لبنان.. الذي عملت جاهدا، من خلال تلاميذك ومريديك ومحبيك وأصدقائك الأوفياء ،على رفعه إلى أعلى الأعلين.. نشوات ظفر.. ونبض مقاوم.. امتطى صهوات المدى .. رافعا زغاريد الانتصارات .. مجدا ثابتا .. مكتوبا بأحرف من نور على صفحات العصور في مدينتك بعلبك.. التي لم تفارقها حيا.. ولا حتى بعد الرحيل.

لعائلة الراحل الكريم تعازي الحارة .. هم السابقون ونحن اللاحقون .. إنا لله وإنا إليه راجعون.

********

(*) ألقيت في مهرجان الوفاء للشاعر الراحل عاطف ياغي في بعلبك/ راس العين/ قاعة تموز/ فوق فرنسبنك ، الرابعة مساء الأحد في  27 أبريل 2014 .

كلام الصورة

الشاعر عاطف ياغي

اترك رد