بقلم: الأديب مازن ح. عبّود
قرر “برهوم ” الصغير ورفيقه على مقعد الدراسة “إيليا الفوتبالجي” أن يسيرا، صبيحة الجمعة العظيمة، درب الجلجلة فيصعدان الطريق الوعرة والضيقة الملتوية إلى قمة جبل، حيث يستقر الأخ “برنار” وديره المطل على العالم والقابع على أميال من السماء، كما ساد الاعتقاد في “كفرنسيان”.
أرادا أن يتشبها، عشية تلك الليلة المباركة، بالناصري الذي كان، أيضاً، صاعداً إلى “أورشليم العلوية”، علّهما يلتقيان به على الدرب، فيتسامران معه، ويسألانه تلبية بعض طلباتهما المزمنة. هدف “الفوتبالجي” كان النجاح في المدرسة، وذلك كي يفلت من عقاب والده، الذي كان يقول عنه إنّ رأس الصبي كرة قدم، فقد كان كزيتون “كفرنسيان” لا يثمر إلا كل سنتين. وقد مكث، في كل صف سنتين على الأقل، حتى تعرّف إلى كل الأجيال الطالعة في تلك الأنحاء، فأضحى التلميذ الأكبر في كل المدرسة، ووجب عليه زيارة الأعتاب المقدسة وإضاءة كمية لا يستهان بها من الشموع على أدراج المقامات لضمان التخرج من مدرسة “كفرنسيان” الرسمية. وهدف “برهوم” من مشوار الحج كان التهام البيض المقلي البلدي الذي كان يعدّه الأخ “برنار” وكسب التأييد الشعبي، كي يقال عنه إنه قد تاب وأضحى نقياً وتقياً.
وأضاء “الفوتبالجي” درج الكنيسة القديمة كلها، وضرب على صدره حتى كاد يموت. ولولا وجود “برهوم” لكان كسر أضلاعه. التهم الولدان البيض المقلي وعادا إلى الديار. وكان سلوك تلك الدرب، في ذلك اليوم، يعتبر تعبيراً عن التوبة. انتظر “برهوم” أن يبادر الناس إليه في طريق العودة لتحيته كحاج تائب، إلا أنّ هذا لم يحصل. فأهل كفرنسيان لم ينفكوا ينظرون إليه، ويمقتونه بنظراتهم. كيف لا وهو قد انكبّ على اغتيال حيواناتهم الأليفة قنصاً ببندقية صيد ورثها عن المرحوم جده ؟؟ فثيابه كانت ثياب مسافر هام لساعات على دروب شاقة. أما عيناه فلا، فقد عاد من رحلة الحج المضنية إلى “مار يعقوب” من غير أن يتوب. أما “الفوتبلجي” فلم ينجح في الامتحانات، على عكس “برهوم”، فعاد إلى دير الأخ “برنار” معاتباً، وراح يصرخ باكياً:” أنا قد أضأت يا مار يعقوب درجك كله شموعاً. أما برهوم فلم يضئ لك حتى شمعة واحدة. أيعقل أن يتفوق هو وأن أرسب أنا؟؟ إنك عن حق غير عادل”.
وترك “الفوتبلجي” مدرسته وأضحى من أهل فريق البرازيل في كرة القدم. وصار يتفاخر بابن خال والده الغني والمعروف ويجاهر بولائه له. أضحى يعيش نجاحات وإخفاقات فريق البرازيل. انضم بالكلية إلى عوالم غير واقعية يشاطرها إنجازات يعجز شخصياً عن تحقيقها، وذلك مخافة أن ينتفض على واقعه.
كان “إيليا الفوتبولجي” واحداً من صبيان “كفرنسيان” المنقسمين حول عوالم الخيال. وقد شاطرهم، في معرفة عوالمهم، قادتهم الذين أرادوا لهم أن يناموا ويبحروا بعيداً عنهم. كان هذا في “كفرنسيان”، و”كفرنسيان” كانت العالم.