بقلم: الأديب إيلي مارون خليل
هل تقومُ المدرسةُ بدورها الحقيقيّ الأصيل: ألتّربية والتّعليم. ما مَهَمَّتُهما، هذان التّربية والتّعليم!؟ بناء شخصيّة الإنسان، ككائن اجتماعيّ رفيق وصديق وحبيب… يَرتقي بالذّات وبالآخر… ومواطن صالح، يُحِبّ وطنَه، مجّانًا، ويعمل، في سبيله، بسخاء وتضحية. هل يفهم التّلميذُ، في المدرسة، أنّه يُعَدّ، بدنيًّا ونفسيًّا، ليكون ناجحًا كفرد مستقِلّ، وكفرد يتعاون مع مجموعة، لأنّ النّجاح الوطنيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والمؤسَّساتيّ والسّياسيّ، إلخ… عملُ جماعة متفاعلة، منسجمة، متكاملة، لكلّ دورٌ، كأعضاء الجسد!؟
إلّم يفهم ذلك، فهناك فشلٌ ما، تقصيرٌ ما، عنده كتلميذ، أو عند مدرستِه! كيف؟
فَشَلُه، كتلميذ، يعود إلى أمور منها: عدمُ التِزامِه بما تطلبُه المدرسةُ من وظائفَ وواجِبات. وعدمُ الالتِزامِ، هذا، يعود بدوره، إلى كسلٍ ما. والكسل عدمُ رغبةٍ، تعود، هي الأخرى، إلى عدم محفِّزات، عدم طموح، عدم وضوحِ مِثالٍ في الذّهن، عدم وجود رؤيا. إلامَ يعود هذا كلُّه؟ إلى التّلميذ نفسِه، إلى بيتِه، أعني تربيته! متى كانت التّربية فاشلةً، أو غيرَ حاصلةٍ، فَرَغَ المرءُ ممّا يجب أن يميِّزَه كإنسان. كإنسانٍ حقيقيٍّ، من لحم ودمٍ وأعصاب ودماء… والأهمّ كإنسان لديه المحفِّزات، وإلاّ أوجدها بنفسِه لنفسِه؛ كإنسانٍ لديه الطّموحُ والعزم والإرادة والثّقةُ والرّؤيا وفرح العمل وقلقُ الفكر وسعادة الوصول. وإلاّ، فكيف يكون الإنسانُ إنسانًا!؟
أمّا الفشلُ بسبب المدرسة، فيعود، هو الآخر، إلى عواملَ ومسبِّبات كثيرة، منها جهل دورِها كمدرسةٍ لنحت شخصيّة الفرد، لصَهرها في الذّات الجَماعيّة، اكتمالاً بعمل الفريق، أو المجموعة، بتركيز على الحِسّ التّعاونيّ الخَلاّق، وصولا إلى النّجاح. ومنها عدم استعدادها لمثل هذا الدّور لجهلٍ، إجمالاً، لتجاريّة بعضِها، لعدم التّخطيط الواعي والمسؤول القائم على معرفة الواقع، على حقيقته، لتُعرَف الحاجات والضّرورات، فيُعمَل في سبيلها. مدرسةٌ تجهل دورَها هذا، ليست ضرورةً اجتماعيّة، ولا فكريّة، ولا إنسانيّة. ومنها عدم كفاءة أهلِها: إداريّين وأساتذة. عدمُ الكَفاءةِ يُفسِدُ القُدرةَ، لو وُجِدت. ومنها عدم متابعةِ الأساتذة، عدم المطالعة المستمرّة، عدم الاطّلاع الدّائم على الجديد، عدم مرافقة التّلميذ وتوجيهه وإرشاده ومحبّته إلى حدٍّ كأنّه التَّبَنّي!
مثل هذي المدرسةِ، أهي مدرسة، أم منبع إنتاجٍ مادّيّ، عن طريق الاستثمار والاستغلال!؟ ومتى كانت التّربية، في الوطن، تجارة، بيعت الأخلاق، يبستِ القِيَم، فُقِدتِ النِّعَمُ، تهرّأ الإنسانُ، تهدّم الوطن نفسُه!
ثمّ إنّ الشّبابَ، إرثَنا للأجيال الآتية، مُهمِلٌ، غير ناضج، لا يتحمّل مسؤوليّة حقيقيّة. همُّ شباب اليوم، المادّيّات على أنواعِها، الّلذائذ الفائشة، الطّافية على سطح الحياة.هذه هَشّةٌ، زائلة، والهَشُّ الزّائل لا يُعَوَّلُ عليه، ولا يُعتَدُّ به، ولا تُعْقَدُ عليه الآمال. كأن غيرُ موجود!
وشبابُنا، كذلك، مهمَلٌ، غيرُ متابَعٍ من أحد. متروكٌ للأيّام. ألسّبب؟ أسباب. جيلُنا والّذي سبق، بعيدٌ من تحمُّل المسؤوليّات. همومُه همومٌ أخرى. عاش يومًا بيوم. خضع لزعماءَ، لسياسيّين غيرِ أكفياء، نَمّامين، حاسِدين، مثرثرين، أمّيّي الأخلاق والقِيَم، وإن حافظين أهمّ الفِكَر والفلسفات والعلوم. ألحفظُ ببّغائيّ، والببّغائيّ يُكرّر من دون تفكيرٍ، من دون معرفةِ دورٍ، من دون محبّة.
زدتُها سَوداويّة!؟ لا أظنّ! لكنّي سأتوقّف، الآن، لأتساءل، معكم، وبصوتٍ عالٍ:
أَغَبيٌّ، أنا، أم صَبور؟