بقلم: الباحثة ضحى عبدالرؤوف المل
إن المسار الفني التشكيلي للرمزية، بشكلها العام، التي نشأت في أواخر القرن التاسع عشر والتي تأثرت بالأسلوب الفرنسي في اتجاهاتها وتطوراتها الحدبثة، هي بمثابة جدليات ترافق الفنان في تنوع رسوماته التي تلامس برمزيتها الواقع والخيال، والانطباعات الذاتية ، وما الى ذلك من من تأثيرات طاغية توحي بمعنى الاشكال والالوان، والخصائص المتشابهة فيما بينها.
إلا أن الانطوائية في لوحة الفنان “ريتشارد وايت ” ( richard-wyatt ) المرهفة حسياً من حيث الشكل واللون والايحاء. إنما تجسد، برمزيتها، الإنسان الانعزالي المتأمل بغرابة طبائع الحياة الخارجية، ولكن، من خلال نظرة ذات عناصر طبيعية تكشف عن تقنية كلاسيكية، ولكن ضمن شاعرية نلمسها في تفاصيل اللوحة التكوينية. إن من ناحية اللون الهادىء أو من نواحي الأشكال المتعددة، والمعتمدة على المنظر الخارجي لطبيعة يتأملها، ضمن حالة نفسية ترمز إلى الوجود المتميز للانسان والطبيعة والجمال المشترك بينهما .
إن درامية الفن التشكيلي الرمزي هي من العناصر الفنية المينية على موضوعية المشهد الذي يستثير، برمزيته، حالة نفسية يشعر بها المتلقي. باعتبارها تداعييات فنية تأثرت بالانطباعية والواقعية، وتركت أثرأ فنيا في الأسلوب الرمزي الذي يتبعه الفنان، كردة فعل معاكسة للمدارس الفنية الأخرى . إلا أنه ما من وضوح تام في بداياته التي انطلقت كشرارة أولى امتدت إلى الادب، فنظيره الفرنسي كان نقطة البداية. ليستكمل الفن الاميركي انطلاقة هذا المذهب الرمزي، والذي مرده إلى حركة تمرد ولدت لتتناقض مع المدارس الأخرى .
تنطوي الرسومات الرمزية على انطباعات تتأثر بالرؤية التأثرية التي من شانها خلق الواقع الرديف الموازي للحقيقة بكل طبيعتها، وبخلق حوارات ذهنية، يحاكي من خلالها الفنان لغة الحس والمشاعر الجمالية، ولكن من منظار الفنان الخاص، ورؤاه المنسجمة مع الفكرة والعوامل المشاركه بين العناصر والموضوع . كما في لوحة الفنانة “أغنس سيمز” ( Agnes C. Sims) المملوءة بالمعاني الرمزية المبسطة اختزالياً، من حيث الفلسفة الفنية التي تنتجها من النواحي العفوية. لتبدو اللوحة فطرية في تشكلاتها وعفوية في حركة ألوانها الرملية التي تبدو غارقة برومانسيتها المائلة إلى الفن الصخري المعتق ذي النواحي الجمالية المتعددة المرتبطة باللون، والحركة والشكل، والظل، والمساحة، والعلاقات المضمونية المتداخلة، رمزياً، مع الأسطورة أو الميثولوجيا أو النص البصري المقروء حركياً. مما يمنح لوحاتها صفة النقوش على الكهوف أو زمنية باهتة تضيف من خلالها جمالية ذات تغيرات تعبيرية، ورمزية تثير دهشة الرائي وتضعه أمام لوحة كجداريات انتزعت من كهوف قديمة.
إن التعبير الرمزي يتسع في دلالاته ومفاهيمه من حيث التشكيل الفني القادر على فهم المغزى، وجعل الشكل كشيفرة أو كلغز تلجأ الحواس إلى فهمه من خلال اللون، والخط ، والظل، والأشكال الموحية بمعانٍ غارقة بالمدلولات الجمالية ، وبسيميائية تتجسد في التفاصيل المتمردة على الخطوط . كما في لوحة ” جوديث كلانسي” التي تمثل المرأة والرجل تبعا لمفهومها الحياتي ، ولرمزية الذكورة والأنوثة، والقوة التاريخية المتمثلة في الرموز التي نثرتها في لوحة مثقلة بالمعاني أو بقداسة تشترك فيها الكائنات برمزيتها الإدراكية التي تجعل من العمل الفني رسالة حسية تعتمد على الإيحاءات والرمزيات مع الاحتفاظ بجمالية رومانسية تتجلى في الحركة واللون . مما يطرح تساؤلات تعصف بالذهن حيث تكمن المعاني في تفاصيل تصويرية تعتمد على الأبعاد والرموز، والتعابير العفوية المنسجمة مع الأشكال الموضوعية ذات الإيهام الحسي المرتبط بالتكوين العام للوحة الفنية التشكيلية.
لا تخلو الرمزية في الفنون التشكيلية الأمريكية من أنتروبولوجيا أو ميثولوجيا أو اختلاطات أسطورية ذات منحى نفسي . يلامس بدوره الأنواع الاخرى من واقعية أو تجريدية، وما الى ذلك . لأن متون الالوان هي عبارة عن معنى ذاتي ناتج عن مخزون ثقافي ، واتجاهات خرجت عن الواقع الأسلوبي في النزاعات الرمزية والواقعية والملامح الدرامية المؤثرة، ضمن محاكاة انفعالية تجمع بين الحقيقة والخيال برمزية تتلون تبعا للفكرة وجمالياتها المرتبطة بمفهوم الفن الرمزي، المرتكز على صفات تتآلف وتنسجم أركانها لتؤلف وحدات ذات صياغات إدراكية نقرأها بصرياً بوصفها ذات مناخات مألوفة وغير مالوفة، كما هي الحال بين الفنانين “ريتشارد وايت، واغنس سيمز”.
إن الأعمال الفنية الرمزية هي لغة تصويرية تتأقلم بين الداخل والخارج، وتتسم بتراكيب تتوج اللوحة بعناصر لونية هي رمز الطبيعة ذات الحيوية المنسوجة بملامح سردية، وإيقاعية تتناغم فيما بينها بإيهام جمالي رمزي غني بالأخيلة البصرية الابتكارية ذات المعاني المخفية داخل الالوان، وتلحيناتها الغارقة بالمشاعر والحس العميق الدلالة في وصف النماذج الجمالية باسلوب تشكيلي مكلل بمحاكاة رمزية، وحوارات تستنطق بمفرداتها الفنية الجوانب التصويرية كما في لوحات “أغنس سيمز” ( Agnes C. Sims) ذات الأسلوب الميثولوجي الذي يروي قصة حضارات إنسانية تنتزعها من الحكايا والموروثات. لإضفاء صفة الغموض على تفاصيل اللوحة الشبيهة بفن نحتي غائر، أو خربشات صخرية متمردة على قماش يبث الليونة. لمشهد يوحي بحركة زمنية ذات ابعاد تصويرية لها رمزيتها الخاصة .
كلام الصور
الأعمال الفنية من مجموعة متحف فرحات
1- لوحة زيتية لـ ريتشارد وايت رسمها سنة 1989.
2- لوحة لـ أغنس سيمز