تحقيق: ريما يوسف
لك إيمان فلك كل شيء، ليس لك إيمان فليس لك شيء، فبلإلايمان نرى ما يراه الله، وبدونه نرى ما يراه الناس. وكم احوجنا في هذا الزمن إلى الايمان الصادق الذي يرتكز على جذور دينية بعيدة عن التعصب وتعتمد على الوقائع.
ويؤمن المسيحيون بقيامة السيد المسيح من القبر في اليوم الثالث، ويحتفلون يوم السبت بسبت النور، ويعود سبب التسمية لقيامة المسيح، فبقيامته يفيض النور في القلوب بعد ظلمة موته، ومع فيضان النور تحدث اعجوبة تقوي ارواح المسيحيين وتبهجها، وهي تحدث في كنيسة القيامة المقدسة في مدينة القدس كل عام، حيث ينبثق النور المقدس من قبر السيد المسيح.
وتتحدث وثائق عدة عن معجزة النور المقدس في أورشليم، وعدد كبير من المؤرخين والرحالة تناولوها، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، البيروني وابن الأثير. فالإثنان يعبران عن تعجبهما لما رأيا من ظهور للنور المقدس في عيد النصارى في القدس. كما تحكي وثائق أخرى عن حضور الأمير صلاح الدين الأيوبي لهذا الاحتفال وتهيبه لما رأى.
وأقدم النصوص التي تتناول وصف هذا الحدث يعود للقرن الرابع. وفيما تتميز المعجزات بعامة باستحالة تحديد زمانها ومكانها وشروط حدوثها، فإن هذه المعجزة معروف زمانها ومكانها ومجرى حصولها. ومع تطور وسائل النقل في الزمان الحديث، صارت تنقل شعلة منها إلى بعض الدول ليصار إلى استعمالها في الاحتفال بصلاة الفصح أو ما نسميه “الهجمة”.
متى وأين تحدث أعجوبة “النار المقدسة” سنوياً؟
هذه الأعجوبة التي تبهج جميع المسيحيين وتنعش إيمانهم، تحدث في كنيسة قبر القيامة المقدسة في مدينة القدس، أعجوبة فيض النور المقدس من القبر المقدس تحدث سنويا، في نفس الوقت والمكان، منذ قيامة المسيح، في عيد الفصح الشرقي الأرثوذكسي في كنيسة القيامة أقدس مكان في العالم كله، حيث صلب المسيح ومات بالجسد ودفن وقام من القبر في اليوم الثالث ساحقا قوة الجحيم.
الاحتفال بفيض النور المقدس
تزدحم كنيسة القيامة المقدسة بعدد كبير جدا من المؤمنين، من الجنسيات كافة (اليونانية، الروسية، الرومانية، الأقباط، السريان…)، اضافة إلى المسيحيين العرب القاطنين في الأرض المقدسة، وذلك منذ يوم الجمعة العظيمة، بانتظار انبثاق النور المقدس.
كيف يفيض النور المقدس من قبر المسيح؟
يقول بطريرك أورشليم الارثوذكسي ثيوذوروس: “أركع أمام الحجر الذي وضع عليه جسد المسيح الطاهر بتقوى، وأواصل الصلاة بخوف وتقوى، وهي صلاة كانت ولا تزال تتلى، وعندها تحدث أعجوبة فيض النور المقدس (النار المقدسة) من داخل الحجر المقدس الذي وضع عليه جسد المسيح الطاهر. ويكون هذا النور المقدس أزرق اللون ومن ثم يتغير إلى ألوان عدة، وهذا لا يمكن تفسيره في حدود العلم البشري، لأن فيضه يكون مثل خروج الغيم من البحيرة، ويظهر كأنه غيمة رطبة ولكنه نور مقدس. ظهور النور المقدس يكون سنويا بأشكال مختلفة. وهو يملأ الكنيسة التي يقع فيها قبر المسيح المقدس. وأهم صفاته انه لا يحرق، وقد استلمت هذا النور المقدس ستة عشرة سنة، ولم تحرق لحيتي. يظهر كعمود منير، ومنه تضاء الشموع التي أحملها، ومن ثم أخرج وأعطي النور المقدس لبطريرك الأرمن والأقباط، وجميع الحاضرين”.
متى ظهر أول وصف لهذه الأعجوبة؟
أول كتابة عن فيض النور المقدس في كنيسة القيامة ظهرت في أوائل القرن الرابع، وهناك مؤلفون ذكروا حوادث فيض النور في أوائل القرن الميلادي الأول، منهم القديسان يوحنا الدمشقي وغريغوريوس النيصصي اللذان يرويان كيف أن الرسول بطرس رأى النور المقدس في كنيسة القيامة، وذلك بعد قيامة المسيح بسنة (34 ميلادي).
كذلك أورد رئيس دير في روسيا الأرشمندريت دانيال، في مذكراته التي كتبت ما بين العامين 1106 و1107، وصفا دقيقا لما شاهده أثناء وجوده في القدس كما يلي: “ان البطريرك الأرثوذكسي يدخل إلى الكنيسة حاملا شمعتين، فيركع أمام الحجر الذي وضع عليه جسد المسيح المقدس، ثم يبدأ بالصلاة بكل تقوى وحرارة، فيفيض النور المقدس من داخل الحجر بطيف لونه أزرق، ويضيء شمعتي البطريرك، ومن ثم يضيء القناديل وشموع المؤمنين”.
صحة هذه الأعجوبة
يعتبر كثر أن هذه الأعجوبة هي خدعة يستعملها المسيحيون للدعاية، وان البطريرك يقتني اداة للاضاءة داخل القبر المقدس. لكن تفتيش السلطات الحاكمة (غير المسيحية) أثبت عكس ذلك.
بكل بساطة إنه إحدى عجائب السيد المسيح التي بدأت منذ اكثر من ألفي عام ولم ولن تنتهي، وكلما كثرت الأعاجيب ازداد الايمان، فالله لا يبحث عن شيء في حياتك سوى عن الإيمان، والإيمان يركن جانبا كل حسابات البشر، ولا يرى إلا الله في المشهد.