بقلم: الباحثة ضحى عبدالرؤوف المل
تكتسب الخطوط في لوحات الفنانه “أحلام المشهدي“ صفة حركية ذات أنماط مماثلة. لتبدو الشعيرات الحمراء كعصبونات نابضة بالألوان الحسية التي تحركها منحنيات تتماوج مع درجات اللون بليونة، ولكن ضمن تداخلات معقدة لا تخلو من غرائبية لا واعية، تمنح البصر حكايا شهرزادية في بعض منها.
لأن توهجات الألوان القوية والكثيفة تكشف عن بصريات تلونت بالضوء. إذ ترصد تحولات الشكل في الصورة الفنية، وفي الغالب تجسد تحرر المرأة في دواخلها الحالمة بالجمال الأسطوري الذي يمنحها قوة تخيل، نلمسها في لوحات عرائسية تفوح منها الانوثة التي تحقق في تواجدها، نوعاً من الحضور المعاكس للواقع. غير أنها فتحت علاقة جدلية بين الفن والأسطورة. لتجسد في بعض لوحاتها الأخرى أسلوباً ثابتا في الهوية الفنية، التائهة منها في خضم الانفعالات الشاعرية التي تبحث عنها “أحلام المرشدي” من خلال اللون الذي ينطوي على تضاد تصويري يرتبط بالخيال، وبعفوية تلقائية تتخبط بين الوعي واللاوعي. لهذا نجد في معرضها لوحات تداخلت فيها المدارس الفنية.
تترجم “أحلام المشهدي” أحلامها من خلال الألوان. لتبدو كل لوحة تنطق بفنتازيا ترتبط بمفاهيم اللاوعي النفسي، وتأثيرات الخطوط ذات الأهمية الحركية المتمايلة نحو الأعلى والأسفل، وكأن إيقاعات الخطوط المتمايلة هي جزء من موسيقى اللوحة، وتشبه، إلى حد ما، حركة الانامل المشبعة برومانسية فنية، وبريشة سردية تحكي الحكايا لشهريار منتظر، طمست معالمه في خضم بحور الألوان الحارة والباردة، ذات السماكة في أماكن كثيرة منها، خاصة الازرق، وما يحمله من انعكاسات ضوئية على الألوان الاخرى. إلا ان اللوحات الاخرى تعتمد على الخطوط الحمراء الرفيعة التي تلامس في سرياليتها الفطرية الفنية، حيث التجريد يبدو تصويرياً، ناتجاً عن السرد المخفي بين الخطوط، من خلال تحرر الألوان وتفوق بعضها على بعض من الدرجات ومستوياتها الضوئية.
تستعير “أحلام المشهدي” من صفات الحكايا ما تجسده من جمالية أنثوية، تكمن في عوالمها الداخلية الظاهرة على سطوح اللوحة، وأبعادها اللانهائية من متخيلات، وهواجس وحتى الحس العميق في تكويناته الظاهرة على الخطوط، وامتزاجها الجزئي المفروض على الكل، خصوصاً في البنى الفنية المتطاوله وفق عموديات وأفقيات تتأرجح في قياساتها المتناقضة مع الشكل والمضمون، والمتوافقة مع اللون والجوانب الحسية والنفسية للوحة. لأن الوحدة الداخلية في كل جزء فيزيائي ترسمه كعصب ذات تشكلات رؤيوية مرتبطة بطبيعة الأشياء، وتماثلها ضمن التطابق السيمتري المبني على فكرة الذكر والأنثى، ككينونة خلق وتواجد جمالي، يحقق في قسم منه بنية ذات علاقات تستمد جذورها من الحكايا الخيالية التي ترمز في غالبيتها الى لغة شعرية تؤثر على النفس، وتمنحها المحاكاة الفنية القائمة على إثارة الوجدان النابعة من انطباعات تستقطب تعبيرات لونية متحررة من قيود الكتل الكلاسيكية، في رومانسيتها المنسجمة مع عمق الإحساس باللون، ومعناه الشاعري المتكىء على خيال سريالي، يتصف بمفردات فنية تستحضرها من اللاشعور واللاوعي الفني.
تحاول “أحلام المشهدي” الخروج من الواقع بواقع متخيل، وتجريد ارتبط بايحاءات ترتكز على المرأة، في غالبيتها، وعالمها المنصهر بالأحلام والغني بالهواجس الحسية، ومدلولاتها ذات التشكيلات التي تعتمد على الترابطات البصرية المتداخلة مع بعضها، من خلال الألون المختلفة في معانيها وتناسقها التعبيري المنعكس على وجدانيات، تشكل جزءاً جمالياً من كل محسوس، فالإمكانيات الديناميكة التي تظهر مختلفة من لوحة إلى لوحة تبحث عن انتماء فني ينبغي أن تلتزم به “أحلام المشهدي”، لأنها تظهر غنية أكثر، حين تقترب من التجريد الرمزي، الدائم الحركة والتماثل والسيمترية العشوائية التي تتسم بالتوتر، ولكن ضمن روحيانية لون اطلقتها عبر الخيال الديناميكي المشحون بتحليلات نفسية فجرتها في لوحات لاواعية نفسياً.
يقول هربرت ريد: “لفد غدا الفنان لأول مرة في التاريخ شاعراً بمصادر إلهامه، وغدا يتحكم بإلهامه تحكما واعيا، لكي يسيره في طريق الفن”. إن الاتجاهات التشكيلية في لوحات “أحلام المشهدي” هي جزء من كينونة انثوية ذاتية تنساب، فتستثير الذهن لتتولد الحكايا المختبئة في ذهن المتلقي، وكأنها تبث عبر اللون تيقظات نفسية ذات إرهاصات محسوسة، تتماشى مع الشكل والصورة الرومانسية التي تتسامى مع التفاصيل والرؤى التكوينية من عاطفة وخيال، ولا شعور انعكاسي يتقد كلما تأملنا في تفاصيل النشاط الحركي، المتفاعل مع كثافة الخطوط الدقيقة ومعطياتها الإيقاعية التي ينتج عنها نغمة مرئية تتعالى، وتنخفض تبعاً لطول الخط اللوني وتردداته البصرية، وذلك وفقاً لتصوراتها الخاصة .
ان الفرح اللوني الذي تبثه “أحلام المشهدي” في لوحاتها، هو بمثابة قصيدة شعرية ذات حضور مجازي في أسطوريتها المنغمسة بالرمز والخيال، والطفولية الانفعالية التي وظفتها في نطاق الشكل والعلاقات اللونية من ضوء وظل، وتفتيح، وتعتيم وتظليل ينسجم مع مكونات اللوحة وسيميولوجيتها الباردة الممزوجة بمؤثرات غامضة وإيهامية المنفتحة بفضاءاتها المفعمة بوجدانيات تشكيلية غنية بالإيقاعات الفنية المترنمة مع إيقاعات “أحلام المشهدي” الأنثوية.
*******
من أعمال الفنانة أحلام المشهدي الموجودة في أتيلييه جدة- السعودية