بقلم: الباحثة ضحى عبدالرؤوف المل
تحولت الرؤية الفنية عبر انعطافات تذوقية للفن، حيث بدأت الانطباعية في تواجدها منذ البداية، ولكن لم تكن لتأخذ حقها في التواجد الفني في ظل النوعيات الأخرى من الفنون. إلا أن ما تحمله الانطباعية من تحليلات ضوئية جعلتها في تحولات تتنوع رؤاها من حيث الجوهر، ومن حيث اللون والمعنى وقدرة كل فنان في تشكيل المفهوم الانطباعي تبعا لاحاسيسه التي تميل نحو الطبيعة او نحو انعكاسات يراها هو تبعا لمفاهيمه الفنية ، وتتوافق مع أحاسيسه وميوله الفنية،
الاحاسيس البصرية في تشكلاتها تحاول التباهي امام الطبيعة التي تتسرب إلى الوجدان حيث أن التغيرات النهارية أو الليلية تؤثر بصرياً على الحس الوجداني، حيث تتشكل الصورة ذهنياً قبل أن تنطبع على قماش، وتترجمها الألوان والريشة المغموسة بالضوء، ولكن كل هذا لا يلغي المنظور الهندسي أو المقاييس الفنية التي تلتزم بها الأنواع الفنية الأخرى. أو بالاحرى المدارس التي تتبع اللحظة الإبداعية والانطباعات الإولى التي تتركها الطبيعة على العمل الفني التشكيلي من لمسات امتزجت جمالياً بالرؤية الفنية الانطباعية بشكل خاص.
إن المفاهيم العامة للانطباعية تتلخص بحركة الظل والضوء، والتأثيرات الجمالية المتبقية من مزج لوني يثير البصر، إلا أن ظهورها في فرنسا بداية كانت نقطة انطلاق نحو أميركا والمدن الأخرى ليبدأ ” تيودور روبنسون” (Theodore Robinson) بأولى لوحاته بعد زيارته لفرنسا. لتنطلق بعدها المدرسة الأمريكية الانطباعية في أولى تشكيلاتها، وتزدهر فيما بعد رغم اعتراض النقاد على هذا النوع من الفن. الا أنه استطاع إثبات وجوده على الساحة الفنية التشكيلية، وبقدرات ذات جمالية انسجمت مع الذائقة الفنية. بل وأصبحت من المتابعين لهذا الفن الانطباعي التكويني الذي يتخذ من الطبيعة وضوء الشمس منحى له، وتتخطى ذلك الى العفوية والتلقائية والجمالية الغير متكلفة . مما يجعل من الأحاسيس البصرية غنية خصوصا في تأمل لوحات مفتوحة مساحاتها لتغرق بالالوان ، وحيويتها التي تشكل المناظر الطبيعية عنصرا مهما لها.
إن الانبهار بالتجانس مع الألوان الإشراقية المشبعة بالضوء، وتدرجاته منح بعض الفنانين الأميركيين تحولات فنية . تماشى فيها حتى من رفضوا هذا الأسلوب بداية، ومن ثم التزموا بها لما يمتلكه من حس وجداني ينعكس على اللون والتفاصيل الأخرى في اللوحة. كما في لوحة ” كورنيليس بوتك ” (Cornelis Botke’s ) إذاً، تبدو الألوان الزاهية فيها مفتوحة ضوئياً مع الازرق الفاتح ، والالوان الشفافة الممزوجة بالأبيض المتآخي مع الالوان الأخرى بحيث تبدو اللوحة بواقعيتها الانطباعية جريئة من حيث التشكيل الهندسي، والرؤى الانطباعية المتشكلة تبعا للاحاسيس الجمالية التي اراد اظهارها “كورنيليس بوتك” لتوحي بجمالية الطبيعة المتوازنة بين المنظر الطبيعي واللوحة الانطباعية. لما تبثه من جمال ينبع من قوة المحاكاة بين العناصر الفنية بشكل عام.
استطاع الضوء الانطباعي الجديد من اختراق المدارس الفنية التي كانت متواجدة آنذاك في أميركا من فنون اعتمدت على مقاييس خاصة، لا يمكن أن تتخطاها فرشاة فنان تسعى الى التحرر والتفلت من كلاسيكية خافظت على مستوياتها الأنواع الفنية التي يرجع تاريخها إلى أزمنة ما زالت المتاحف تحتفظ بها . إلا أن الانطباعية الجديدة خلقت نفحة عصرية آنذاك من ثورة انتجت مفاهيمها مدرسة لا يستهان بها ، وزاخرة بلوحات حملت جمالية تجعلنا نرى قوة الطبيعة في ماهية الفن التشكيلي المنسجم، والمتنافر مع الطبيعة في آن ، بحيث يستطيع الفنان بث انطباعاته الضوئية طبيعة خاصة به بحيث تبدو متوازية مع المناظر الاخرى التي نراها في الطبيعة . كما في لوحة ” ماري ارماندا لويس” (Mary Amanda Lewis) التي تتارجح بين المماثلة والتعبير في بث الألوان تغيرات ضوئية مختلفة من حيث المزج التقني المحافظ على كلاسيكية لا تخلو من خطوط أولى بنائية، ومنظور سيمتري طبعها بهندسة تماثلت فيها الرؤى الطبيعية بحيث يشعر المتلقي بطبيعتها الجمالية بكل تفاصيلها الانطباعية المؤثرة في النفس ، وفي لوحة تسجل فيها الالوان انطباعاتها الخاصة.
حيوية انطباعية وضعت هذه الميزة ضمن جدليات وانعطافات اتخذت فيما بعد مدرسة لها، ونظريات تميزت بأساليب اختلفت من ريشة لريشة بحيث انطلقت ألوان هذه المدرسة بحيوية. لتسجل مكاناً لها ضمن المدارس الأخرى التي أبصرت الضوء ، وتلخصت في استخدام الجرأة في مزج الألوان، والحرية في وضع اللمسات الجمالية المتناسبة مع الرؤية وفقاً لأسلوب الفنان، وما يختزنه بصرياً من رؤية يقتطعها من الطبيعة. ليضعها على القماش فيما بعد تبعاً لاحاسيسه الداخلية مثل لوحات الفنان ” روي براون ” ( Roy Brown) المملوءة بالضوء المنبعث من الأبيض المشبع لانعكاسات الألوان الأخرى مثل الأخضر والأزرق والشفافية المرئية المندمجة مع التسطيح، والسطوع، والظل ، والضوء. مما يمنح اللوحات إضاءة جمالية خاصة تنبعث من الألوان الفاتحة وتقنيتها الفنية، التي تؤدي دورها في خلق انطباعات حسية نلمسها في التفاصيل التكوينية التي تتألف منها اللوحة الانطباعية التي تحاكي الواقع من خلال انطباعية ذاتية تتشكل منها المضامين الأسلوبية، والمفاهيم الأخرى ذات التحولات التي تعكس النظرة الانطباعية داخل الحس الإنساني.