في ثنايا تاريخ بيروت حِكاياتٌ ومَرويّاتٌ شَعبيةٌ تُشكِّلُ لوحةً نوستالجيةً جميلةً من تراثِ لبنان ذاتَ نكهةٍ مُميَّزةٍ اختصَّ بها البيارتة دُون سِواهم لِـمَا انفرَدَت به بيروتُـنا الغاليةُ الحبيبةُ مِن إِرثٍ غَنيٍّ تَـتَـوارَثُهُ الأَجيال.
لأَنَّ التراثَ الشَّفَويَّ، مَروِيّاً ومَحكياً، جُـزءٌ نابضٌ من تُــراثنا الوطنيّ ومتابَــعَــةً تُـراثَ لبنان في معالِمِه وأَعماله وأَعلامه، ينظم مركزُ التراث اللبناني في الجامعة اللبنانية الأَميركية (LAU)، لقاءٍ (ضمن سلسلة ندواته الشهرية) حول “بيروت… بيروت… وتلك الذكريات! وُجُـوهٌ ومَـرويّاتٌ من تاريخ بـيـروت أَعلاماً وعلامات”، يـتـخـلَّـلُـهُ عَرضُ صُـــوَرٍ قديمةٍ من مَعالِـم بــيــروت الأَمس.
يُشارك في اللقاء: الــدكـتــور نـــادر ســـراج: “أَهَـمِّيَّة الـمَصادِر غيرِ التقليدية في عمليّة جَـمع التراث- “أَفَنْدي الغَلْغُول” وتُراثُ بَيروتَ القديمُ نـموذجاً”، والمحامي عبداللطيف فاخوري: “ملامح نوستالـجيّة من تُـــراث بـــيروت أَيَّــام زمان”.
يفتتح الندوة ويُديرُ مداخَلاتِــها ومحاوَراتِها مُدير المركز الشاعـر هـنري زغـيب، عند 7:00 مساءَ الاثنين 7 نيسان 2014، في القاعة 904- كلِّيَّة الإِدارة والأَعمال- مبنى الجامعة الجديد- الطابق الأَرضي- قريطم.
دَورُ المصادر غير التقليدية في تشيـيد الواقع الاجتماعي: “أَفندي الغلغول” أُنموذجاً:
– آليّاتُ توظيف المصادرِ غيرِ التقليدية في إِنجاز كتاب “أَفندي الغلغول: شاهدٌ على تَحَوُّلات بيروت خلال قرن 1854-1940”.
– الكتابُ رحلةٌ مُشوّقةٌ في أَسواق بيروت العثمانية وشوارعها وأَزِقَّتها، يكشف خصائصَ عائلاتِها وخفايا حياتهم، يَرصُد تطوُّرَ ملامح الهويات المدينية لدى أَبنائها، يتابع مراحلَ تَفَتُّح مفهوم العروبة في وعيهم، وتدرُّجِها من عثمانيةٍ شمولية إِلى شاميةٍ إِقليمية، إِلى وطنيةٍ مع “دولة لبنان الكبير” وصولاً إِلى الجمهورية اللبنانية الفتيّة.
– توثيقُ حياةٍ مختلفة ومؤْتلِفة لدى أَبناء أُسرةٍ بيروتية، استـندَ إِلى تراثٍ عائليّ مَنسيّ (مُدوَّنات نادرة، مُراسلات، صُوَر، وثائق أَحوال شخصية، مَرويّات شفهية تناقَلَتْها ثلاثة أَجيال)، إِلى سالنامات (مراجع عثمانية سنوية)، وإلى دلائلَ ومراجعَ تاريخية، جميعُها فَتحَت آفاقاً جديدةً ومُثيرةً لقراءةِ ملامحَ من الحياة اليومية وتحليل نَسيجِها الكامل خلال فترة التنظيمات وما تلاها.
– المصادرُ غير التقليدية، ومنها الروايةُ الشفهيةُ منطلَقاً لتجميع الأَخبار وتسجيل الوقائع، نجَحَت في تظهير معالم “أَفندي الغلغول هاشم الجمّال” وسلالتِه، بمسارات العمر، بالتدَرُّج الوظيفيّ على مدى نصف قرن، بالوقوعات الشخصية (زواج، طلاق، ولادات، وَفَيَات…)، بالنجاحات والإِخفاقات الشخصية والمهنية، بالأَفراح والأَتراح والأَحلام والارتقابات، وبالآمال المعقودة على أَبناء أُرسِلوا إِلى الآستانة لتحصيل العلوم العالية. وكل ذلك مجموعُ مَرويّاتٍ شفهيةٍ من الأَهالي والأَحفاد والأَنسباء.
– تَمازُجُ السرد والتأْريخ رَسَم ملامحَ المدينة ومراحلَ تَفَتُّح بواكير حداثتها، ورصَدَ تَبَدُّلَ أَحوالِ أَهلها، وأَظهرَ حِرَفية الباحث في تَجَنُّب تسخير أَحدِهما لصالح الآخر. وكان للمرويّات الشفهيةِ والمصادرِ غيرِ التقليدية أَنْ سَهَّلَت كتابةَ تاريخِ أُسرةٍ مدينيةٍ ضمن حَــيِّــزٍ حَضَري رعى تَطَوُّرَ أَحوالها إِبّان الحُكْم العثماني والانتداب الفرنسي.
– التلازُمُ والافتراقُ، بين الوقائع التاريخية الحديثة والنصُوص السردية المُسهَـبة في تفاصيلها اليومية، يأْتلفان ويتماسكان لروايةِ حَـيَاة الأَشخاص وتظهيرِ الحقيقةِ في مشهدٍ ثقافيٍّ اجتماعيٍّ هَيْمَنَ على طبيعةِ معاشِهم وطَبَعَ حَراكَهُم.
ملامحُ نوستالـجيّة من تُـــراث بـــيروت أَيَّــام زمان
– كانت المدينة تَنعَمُ بشَراكةٍ بيروتيةٍ اجتماعيةٍ كاملةٍ بين أَهلها في السَّرّاء والضَّرّاء.
– من هو الطفل الذي وُلِدَ ليلةَ عيد الميلاد سنة 1909 على وقْع أَجراس الكنائس؟ أَلْبَسَهُ والدَاه مُسُوحَ الرُّهبان، وأَهداهُ الجيرانُ المسيحيون سَلاسِلَ وأَيقوناتٍ ذهبيةً، كانَت لاحقاً عَوناً مادياً لوالديه في مَجاعة الحرب العالمية الأُولى. وكبُرَ الصبيُّ يحمل في الحيّ لقَب “مُصطفى ميلاد”.
– النساءُ البيروتيات اللواتي أَنْـجَبْنَ بناتٍ ويَرغبْنَ في أَن يُرزَقْنَ صبياً، كنَّ يَزُرن الكنائس (منها سيّدة النورية) مُصَلِّياتٍ فيها، ضارعاتٍ إِلى الله ربِّ العالـمين.
– في خندق الغميق كانت تعيش راهبةٌ تُدعى الأُخت كاترين كركبي، تقصُدها النساء البيروتيات المُسْلِمات يَسأَلنْها التبرُّك والصلاةَ لأَجلهنَّ، والدعاءَ كي يُرزَقْنَ صبياً.
– وراء مبنى بلدية بيروت، في محلة “الشيخ رسلان”، كان شابٌّ مُسْلمٌ مغْرماً بفتاةٍ مسيحية. عرضَ أَمره على مفتي بيروت وقاضيها الشيخ أَحمد الأَغَر، قائلاً له “تَعَلَّقَ قلبي هذه الصبية”، فلم يعترِض المفتي بل نَظَم موّالاً يروي فيه حكايةَ ذاك الشاب.
– في بيروت وحدةٌ ثقافيةٌ بيروتيةٌ تتجلَّى في الأَمثال الشعبية والعلاقات الإِنسانية والموروثات المشتركة الإِسلامية المسيحية، في تمازُجٍ واضحٍ بعد الحروب الصليبية.
– نصوصُ الوقفيات الإِسلامية كانت تُختَم بعبارة “يَسري هذا الوقْف إِلى أَبد الآبدين ودَهر الدّاهرين”. وهي عبارةٌ في النُّصوص المسيحية، استعملها ابنُ حجر في كتاب “المولِد النبَويّ”. وهذه أَيضاً نتيجةُ التمازُجِ الحاصل بعد الحروب الصليبية.
– كان البيارتةُ المُسْلمون يَستعيرون دارة يونس نقولا الجبيلي المعروف بــ”أَبو عسكر” (خلف مبنى بلدية بيروت) ليُقيموا فيها أَفراح أَولادهم.
في التعابير الشعبية البيروتية قولُ المرأَة المُسْلِمة “يالَيسُون” عند سَماعِها بأَمرٍ جَلَل، وهي عبارةُ “كيريَالَيْسون” (“يا رَبُّ ارحَم”) الواردةُ كثيراً في الصلوات المسيحية