بقلم: الباحثة ضحى عبدالرؤوف المل
تتحاور الأشكال النحتية هندسياً في أعمال الفنانة الأميركية دوريس آن ويرنر(Doris Ann Warner) لتتخد من الدائرة نقطة انطلاق نحو الأشكال الهندسية المركبة، والجانبية في منظورها وأبعادها الثلاثية، حيث تجسد تصميماتها لتتشارك معها بثنائية، كزخرفة نحتية تضيف إليها خامات مختلفة، لتضفي على لون المادة البيضاء انعكاسات ذات قيمة بصرية، تندرج تحت مفهوم التضاد الضوئي ، والفراغي الذي تتسبب به نوعية المادة المستخدمة في النحت، ولونها الخاص بها، من حيث الصياغة النحتية المؤثرة على المضامين الهندسية، والمفاهيم الجمالية عند المتلقي.
إن الظواهر النحتية في أعمال دوريس تعكس قدرتها على تطويع الخامات، والتقنيات المضافة إلى منحوتاتها من أساليب تشكيلية ذات تعبيرات متوازنه، تتآخى مع بعضها بحيث تبدو الكتلة، كميزان بصري يتميز بتجريدية ذات رؤية حركية، مرئية ترتبط بنظام الدائرة والمستطيل، والمفاهيم الرياضية المرنة بشكل فطري تتحسسه العين بتمازج فلسفي يثير الذهن فيزيائيا، حيث تتمكن المخيلة من التقاط إيحاءات مختلفة تختلط فيها الجوانب العملية، والانسانية والجمالية . كونها تمنح الاحساس تناغمات نابعة من قانون التوازن الهندسي، وضوابطه الحسية الخاضعة لمحورية الدائرة، والفراغات ذات المقاييس المتناغمة مع الكتلة، والأجسام التكوينية ذات الأنغام التعبيرية، والخطوط التي تبعث جمالية تتميز بالتنافر والتطابق بين الأشكال المختلفة. المتأثرة بالخطوط واتجاهاتها ذات الأهمية في امتدادات الفراغ، وتلاشيه نحو لانهائية الحركة بوصفها تتباين عند أكثر من زواية نظر يتفاعل مع الرائي، وتؤثر على انفعالاته الفنية. ليتجاوب مع المنحوتة وإدراك ماهية العمل النحتي الذي منحته ” دوريس وان ويرنر” للخامة النحتية، ورؤيتها المتأثرة بابتكارات هندسية ذات صلة بفن العمارة .
تنم ميكانيكية الحركة في منحوتات ” دوريس آن ويرنر” عن فضاءات لا متناهية، يترجمها الواقع بطواعية الخامة، في خلق تشكيلات تتعدد في اتجاهاتها الهندسية ما بين التضاد في الشكل ، والانسجام في المسافات الفاصلة والمتصلة بل، وحتى في الفراغات واسقاطات الضوء المتصلة بالشكل ، ومرونته النحتية وأبعاده التجريدية التي تكشف عن تقنية تتشارك فيها الفضاءات، والخطوط، والفراغات، والملمس، واللون الأبيض المحفز للخيال ، والمقترن مع الأسود وتكيفاته مع الخصائص الأخرى ، التي تؤلف سيمفونية إيقاعية تجعل من المنحوتة كتلة متحررة شفافة بخامتها، وبخصائصها الحسية ذات الجمالية النابعه من قدرة الشكل على الايحاء بخواص جمالية مختلفة في منحوتة واحدة .
يقول ناثان نوبلر: “الخط حين يستخدم في عمل النحات قد يعني أشياء عديدة ، وقد يعني خطاً متحززاً أو علامة مؤثرة على سطح ما، وكثيراً ما يسحب القلم بخط الرصاص على صفحة من الورق. بالإمكان أيضاً أن نعد الخط من عناصر الشكل”. الخطوط العامودية، والأفقية والمنحنية تشكل صياغات تزداد تأثيراتها مع الزخرفيات النحتية الأخرى، التي تضيفها دوريس كخطوط متكسرة تبرز من خلالها جمالية تحقق متعة بصرية تفتح آفاق الفراغات، والمظهر الحركي المحفوف بضوئيات ديناميكية تتباين داخلياً وخارجياً، ومن عدة زوايا. وكأنها تفصل الخطوط وتجمعها وفق مخيلة تتميز بتلقائية ذات خبرة نحتية ، تراعي فيها النسب الهندسية في التشكيل النحتي.
يتولد الإحساس بالجمال عند الاحتكاك الحسي بجماليات ينتج عنها قدرة على التفكر والتحليل . إذ في كل منحوتة من منحوتات ” دوريس آن ويرنر” جاذبية بصرية تنتج عن التوازن في الخطوط، والشكل، وفي الفراغات والالوان، وهذا يؤثر على عقلانية المنحوتة، ويجعلها لا تكترث بالنسب فقط. بل بالمعنى التجريدي الذي توحي له بقوة الحياة الإنسانية، وإصرارها على البحث عن الجمال، وتهذيبه بل وتشذيبه بصرياً. ليتكون ضمن مؤلفات نحتية متناغمة فيما بينها، وقادرة على الاختزال المؤثر على الفكرة والموضوع، وكأنها تمتشق المنحوتة وتجعلها مترابطة ومتماسكة ووفق إيقاعات نحتية، واستطالات عامودية، ودائرية ديناميكة ذات تشكيلات هندسية تحقق من خلالها الرؤية الجمالية المتناسقة مع المنظور والأبعاد العميقة الجمال.
تقترن العناصر النحتية في أعمال الفنانة ” دوريس آن ويرنر” بالخطوط والملمس، والتحليلات الصياغية الناشئة عن الأسلوب البنائي في التجريد الذي يكشف عن اشكال هندسية، كالدائرة، والمربع ، والمستطيل ، والايقاعات الحركية التي تمنح المنحوتة إحساساً بدينامية الفراغ، وتوزيعه بحيوية في تناسب مدروس يعكس الظلال بخفة، وجمالية تعطي الإحساس بالثقل، والتوازن، وبالرشاقة في ليونة المنحني. أو عند برم الزاوايا لتوحي بنوع من البساطة القادرة على توليد انعكاسات بصرية نفتش من خلالها على الأشكال الفراغية، ومستوياتها المألوفة وغير المألوفة حسياً . مما يفتح فضاءات المخيلة نحو لانهائية الشكل، وتغيراته الحسية من حيث الأبعاد المتضمنة تصورات تقترب من الموضوعية النحتية المرتبطة بقدرات الخامة على التشكيل، وبالأفكار التي تعتمد على رموز جمالية ذات شيفرة خاصة تؤثر على الخيالات والرؤى، بغض النظر عن المعنى العام لكل منحوتة وجمالها.
تحمل منحوتات ” دوريس آن ويرنر” نبضاً حياتياً متأثراً بالمدلول البصري، وخاصية العناصر الفنية الداخلية والخارجية التي تحتوي على تاثيرات موضوعية. تعطي انطباعاً بنائياً أو توحي بمحاكاة تتزاوج فيها الخامات، وتظهر ناعمة الملمس، وشاعرية بانفعالاتها المتقنة في تجسيدها الحركي . لعناصر الفراغات المتأثرة بالضوء والشقوق، والنتؤات التي تفيض بجمالية من نوع خاص.
كلام الصور
1- 2- 3- من اعمال الفنانة دوريس آن ويرنر (Doris Ann Warner) ضمن مجموعة متحف فرحات