شو سر هالأرقام؟

بقلم: الأديب جورج طرابلسي(*)

حتى نعرف الجواب لازم نرجع كم سني لورا، وبالتحديد لـ متل هالوقت من عام 2008.

Jrabtaوقتها كنت بالمكتب بـ “دار الصياد”…

طلبت فنجان قهوة، وعم تابع الشغل متل العادي…

فجأة…

صار تفل البن ينزل لكعب الفنجان… ومع نزولو، صارت ترتسم ع ميلي منو صورة مرا غريبي، كأنها محجّبة، وعورا!

فركت عيوني مرتين تلاتي، وتطلعت منيح بالصورة: ؟؟؟؟؟؟!!!!

وبلا وعي صرخت: رفقا؟؟؟!!!

كانت الصرخة مزيج من الفرح والرعب والذهول وعلامات التعجب والإستفهام!

خلّصت الشغل بسرعة، ورجعت عالبيت ومعي الفنجان، والف سؤال وسؤال: ليش القديسة رفقا؟ ليش بفنجاني أنا؟ وليش بهالوقت بالذات؟

شغلة غريبي عن جد!

ليش غريبي؟

لأني بهيداك الوقت كنت إنسان طاير، وبايع الدني بفجله… لا بصلّي، ولا بصوم، ولا بفوت ع كنيسي (إلا بالمناسبات)، وما إلي جنس العلاقة بالقداسي والقديسين…

والإنسان البيكون متلي، شو بيكون بدا القديسي رفقا منو؟

صدقوني، ليلتها ما عرفت النوم وأنا عم بطرح ع حالي الأسئلي ذاتا، من دون ما إحصل على أي جواب…

ولما طلع علي الضو، قررت إنسى الموضوع و”كبّر عقلي”: مين قال إنو رسمة المرا بالفنجان هي القديسي رفقا؟

إنس يا صبي هالقصة من أساسا، وما تخلّي خيالك يضحِّك عليك الناس….

***

ونسيت…

مرق وقت على الحادثة، والتهيت بالشغل وبالأمور اليوميي الروتينيي، وما عدت فكر فيها ابدا…

rafka_n

***

بعد شي شهر أو شهرين…

صدقوني ما عدت إذكر…

إتصل فيي طبيب صديق، وهو بروفسور شهير في مستشفى “أوتيل ديو”، وقال لي: عايزك بكلمتين… فيك تمرق لعندي عالعيادي؟

  • خير؟؟!!
  • خير، ما تخاف… بس ما تتأخر

***

ومرقت…

  • شو القصة دكتور فزعتني؟
  • قريبتك فلانة…
  • خير شو بها؟
  • مضطرين نبعت خزعة منّا لـ مختبرات “روش” في فرنسا، حتى يحددولنا نوع العلاج الخاص بمرضها…
  • بفهم منك انكن تأكدتو من إصابتا بالمرض؟!
  • إي تأكدنا…

***

ومع كلمة تأكدنا، تركت عيادة الجراح الصديق ت إرجع عالبيت بالأشرفيي….

دوّرت السيارة ومشيت بسرعة…

لقيت حالي عم بقطع الشوارع سباحة ببحر الدموع… ما بعرف كيف ولا بعرف لوين… وعلى شفافي كلمتين: دخلك يا رب…

***

وطول الطريق كنت عم إسمع صوت بدينيي: “جئت من أجل الخطأة لا من أجل المؤمنين”… عرفت ليش صورة الفنجان؟

وما توقف الصوت إلا وأنا عم مرمغ إيديي بتراب قبر رفقا، وقلا: جيت لعندك وما بعرف شو بدي قلك، ولا بعرف صليلك… دموعي هيي الصلا البعرف صليا… بتمنى تقبليا…

وبعد هالـ “صلا”، رحت ع مخزن دير مار يوسف جربتا، ت جيب شمعة وضوّيا قدّام قبر القديسي ع نيّة قريبتي المريضة…

بالمخزن كان في راهبة، أعطتني شمعة وكمشة بخور، وبإبتسامة غريبي قالتلي: مرت التانيي رح تجي وضحكتك متلايي الدني…

rafka 1_n

***

بعد شهر…

إتصل فيي صديقي الحكيم من “أوتيل ديو”:

  • جورج…
  • إي دكتور، بعرضك طمنّي…
  • عاملين إجتماع أطبا وعم ندرس الموضوع…
  • شو عم تدرسو؟
  • تقرير مختبرات “روش”…
  • شو طلعت النتيجة؟
  • لا وجود للمرض نهائيا… إنقلبت النتائج رأسا على عقب… ونحنا عم ندرس كيف حصل هالأمر…. هيدي عجيبة بكل معنى الكلمة… خليها قريبتك تضوي شمعة.
  • !!!!

***

ومن يومها صرت صحبي أنا ورفقا…

صحبي، مع إني بعدني ما بعرف صلّي إلا على طريقتي…

بزورا من وقت للتاني…

بمرق إيديي ع تراب قبرها… وبفل…

ومنها لوحدا بتعمل واسطا بيني وبين يسوع… وبتغدق النعم عليي…

وأكبر النعم هي المحبة اللي عمّت بيتنا… بيتنا الصار عم يعج بضحكات لولاد والأحفاد…

***

وبكل زيارا بشوف ع حيطان الدير إبتسامة قريبتي، وإبتسامات كل يلي شفيتن قبلا وبعدا…

وبزور المأوى التابع للدير، وبشوف الراهبات يلي عم يخدمو كبارنا… والإنجازات لكبيري يلي عم يحققوها بواحة القداسي الـ إسمها جربتا، وبطليعتا شراء الأراضي المحيطة بالدير، بهدف تحويلو لـ “محمية إيمانية”… مش للبيع…

وفهمكن كفايي…

***

وبآخر زيارا،  أخدت تخيري من الريسة، وطلبت منها رقم حساب الدير بالبنك… وما قلتلا ليش…

بيني وبين نفسي كنت عم قول: يمكن القديسي رفقا ما بتعرف تطلب منا… تماما متل ما أنا ما بعرف صلّي… وهيدي هيي الطريقة الوحيدي لبتخلّي الواحة محمية… وبتخليلنا مساحة أمان وإيمان وخلاص بلبنان…

rafka 2 (1)

***

إذا حدا منكم زار رفقا…

سلمولي عليا… وإعتذرولي منا، لأني شو ما عملت ببقا مقصّر معا…

وما تنسوا رقم لحساب…

كل “حساب” عالأرض… بتكون فايدتو بالسما…

وشمعة زغيري بتقهر ظلمي كبيري…

والسلام…

*******

(*) مسؤول عن القسم الثقافي في جريدة الأنوار اللبنانية ونائب رئيس تحرير مجلة الفارس الصادرة عن دار الصياد 

اترك رد