بقلم: الأديب إيلي مارون خليل
… وبِناءً على القاموس، أيضًا، فالغَباوةُ “سَخافةٌ، جَهْلٌ وقِلّةُ فِطْنة”!
لا شكّ في أنّ السّخافةَ سيّئةٌ فكريّة واجتماعيّة؛ فرديّة تنعكس على جَماعة: عَيلة، محيطٍ، وطنٍ… وهذا الانعكاسُ دائمُ السّلبيّة. فالسّخيفُ مِهذار، يلغو ولا يقول شيئًا؛ سَفسَطائيّ ولا يوضِح فكرة. مَن لا يقول شيئًا ويتحدّث باستمرار، لمَ حديثُه؟ مَن يستمع إليه؟ ألحديثه قيمة، دور، إفادة؟ ويستمرّ يَلغو فلا يفهمه الآخرون، ولا يفهمُ نفسَه، حتّى. ومَن لا يوضِح فكرةً، أيكون لديه فكرة واضحة، عارية، ناضجة، مثمِرة في عقله؟ لمَ ليس يستطيع نقلَها، ببساطة ووضوح وعفويّة؟ ويستمرّ “يُسَفْسِطُ” بوقاحة، ظانًّا بأنّ الجميع إليه منجذِبون، إيّاه محترمون. لا يفكّر في نفسه، أنّهم إمّا يسخرون، وإمّا لا يستمعون. ويستمرّ!
وهذه السّخافة “الّلمّاعة”، تُطاوِل الجميع، إلى أيّة فئة انتمَوا. ألمتعلّم يمكن أن يكونَ سفسطائيًّا، وكذلك غير المتعلّم، ألأستاذ والتّلميذ، التّاجر والصّناعيّ، رجل الاقتصاد والفقير… فصفتهم مشتركة: الادّعاء! ألمُدّعي أحمق، متكبِّر، مغترّ بـ”معرفتـ”ه، بـ”ثقافتـ”ه، بـ”معلوماتـ”ه. يعتبر أنّه العارفُ، الفاهمُ، المُوَجِّهُ، المُرشِد.
كلاهما: المِهْذارُ الأحمقُ، والسّفسَطائيّ المُدّعي، مثار سُخْرٍ واحتِقار.
فما العمل؟
ألتّربية! وأين تكون أو تتمّ؟ في البيت والمدرسة، أساسًا.
ولكن: أين البيت!؟ ألبيت، أصْلاً، مركز اطمئنانٍ، نفسيّ واجتماعيّ وروحيٍّ وجسديّ وعلى أيّ صعيد. فهل بيوتُنا، اليوم، كذلك؟
ألسّؤالُ نفسُه سَلْبيٌّ. يعني أنّ “مَنازلَنا”، “مَساكِنَنا” ليست كذلك.
ما السّبب؟ بل ما الأسباب؟
ألجائع لا يستطيع أن يكونَ مطمئنًّا. ألخائفُ لا يطمئنّ. ولا العاطلُ عن العمل يستطيع. ولا أحد في هذي الأوقات ـ الأوحال! ولمَ؟ ومثل هذي الظّروف ـ الّلعنة! لأسبابٍ خارجيّة وداخليّة. فالخارج لا يطمئن، إنّما يُثير غرائز فئةٍ بوجه أُخرى. يُفَتِّقُ جراح فئة لتنتقم من أُخرى. لتثأر. نعود إلى جاهليّتنا، لا حضارة ولا ديانة. نحيا القلقَ المستمرَّ. والخارج يُبَهرِجُ الواقعَ، يُلَمِّعُه، يزيِّنه… لكنّا لا نصدّق. كذبٌ بكذب. لَغْوٌ بلغوٍ. سَفْسَطَةٌ بسَفْسَطة! والعيلة تسكن القلقَ!
والجَهلُ وقِلّةُ الفِطنة؟
“حدِّثْ ولا حَرَج”!
ألجميعُ جهلة، قليلو الفِطنة! العلمانيّون ورجال الدّين. ألسّياسيّونَ والعسكريّون. ألكلّ جاهل قليل الفِطنة! العلمانيّون؟ لأنّهم يُصدّقون. رجالُ الدّين، لأنّ الله تبرّأ منهم. ما هذي تعاليمي! ولا رغبتي! ألسّياسيّون؟ لأنّهم كذّابون لا يَسوسون بالخير والحقّ والعدل والمساواة. يُراعون أنانيّاتِهم والمصالح! ألعسكريّون؟ لأن لا رأي لهم. يأتمرون بالسّاسة. وما أدراك ما السّاسة. قلت ما وليس مَن، وفَهمُكم يكفي!
وفي المسكن؟ أين الأمّهاتُ، أمّهاتُنا المُرَبِّيات، المُرشِداتُ، البانيات؟ ألديهنّ الوقت الكافي؟ لا أعتقد. لألف سبب وسبب. ومَن تمتلك الوقت، كيف تُديرُه، بخاصّة إن هي أُمّيّة: علمًا وثقافةً و… أخلاقًا.”لزّمْنا” تربيةَ أولادنا للخادمات الغريبات، فأيّة تربية؟ وأيّ طمأنينة؟ وأيُّ رجاء؟
“مسكننا” ليس مسكنًا، هو “مُسَكّنٌ”! من فَور خروجنا منه، نُجَنُّ، نسخف، تقلّ فِطنتُنا…
أين أمّهات أيّام زمان الأمّيّات، لكن المؤمنات، الملتزمات الدّين والأخلاق والقِيَم!؟ ربّيننا جيّدًا، فكيف فسد ملحُنا؟ “لأسباب شتّى!” تقليد الآخر، الآخر المُتَحَلّل، الغريب، مَن دولتُه تحميه… حُبّ المال الّذي امتلكنا بدلَ أن نمتلكَه. سيطر علينا حُبّ المال، فبات ملء العين والسمع والقلب والنّفس! لا! لم نعبد ربَّين، حذفْنا الله، فلا نُشرِك مع المال أيّ الهٍ آخر!
وأسباب أخرى…
تبقى المدرسةُ مكانًا للتّربية! فهل!؟
وعليه، سأستمرّ أُطلِقُ صوتي “في البَرّيّة”! يوحنّا آخر!
وأسأل: أغبيّ، أنا، أم صَبور!؟