أحيت وزارة الثقافة يوم الأبجدية، برعاية الوزير القاضي محمد وسام المرتضى ورئيس لجنة إحياء عيد الأبجدية النائب السابق نعمة الله أبي نصر وحضورهما، في مقر المكتبة الوطنية، في حضور حشد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين وفاعليات سياسية وروحية وثقافية واجتماعية وعدد من شعراء الزجل.
استهل الاحتفال بالنشيد الوطني ثم كلمة لمستشار الوزير للشعر الزجلي انطوان سعادة. وكانت للمرتضى كلمة قال فيها: “نحن اللبنانيين، إذا لم نجتمع، بقينا حروفا متنافرة لا معنى لها. كل عيد لا نجدد روحه فينا يغدو صنما أحق بأن يهجر.هذه القاعدة تنطبق على أعيادنا جمعاء، بلا أي استثناء، ما كان منها دينيا أو وطنيا أو حتى شخصيا، فاليوم كأخيه من سابق وتال إلا إذا تميز ببث الوعي في تضاعيف استحقاقه، عبر عيشه حقيقة كما ينبغي للحقيقة أن تكون.”
أضاف: “ولا يشذ عيد الأبجدية عن هذه القاعدة، فهو يوم كسائر الأيام، ما لم نتذكر فيه معنى الأبجدية ودورها في بناء الحضارة، وانعكاس ذلك كله على واقعنا اليومي وأحوالنا المعاصرة. وكي لا أبتعد في التجريد أكثر، أذكر بما أؤمن به وتثبته الحياة، أن الحروف فرادى ليست سوى رسم بالحبر على الورق، وأما معناها فيدركها عندما تجتمع، فتغدو كلمة مفيدة أو جملة أو صفحة أو كتابا. هكذا نحن اللبنانيين، إذا لم نجتمع بقينا حروفا متنافرة لا معنى لها، واستعصى على وطننا أن يكون رسالة، كما نردد كثيرا في أدبياتنا السياسية والاجتماعية. فقدموس، كما تحكي الأسطورة لم يذهب بالحروف إلى العالم، بل بالكتابة، وهذا أشار إليه سعيد عقل حين قال: جاء قدموس بالكتابة، بالعلم إليهم، إلى الأواتي العصور
وغدا يعرفون أنا على السفن حملنا الهدى إلى المعمور
وأردف: “فالسؤال الذي يطرح نفسه علينا كلبنانيين في هذا العيد هو: كيف نخرج وطنيا من الألفباء المتفرقة إلى هدى الكتابة المجتمعة؟ لا جواب إلا باكتناه نعمة العيش الواحد الذي يحفظ التنوع كما تحفظ الكلمة تعدد حروفها، وتبثه رونقا في العبارات. هكذا تتكون اللغة ويتشكل الوطن. أما لغتنا كلبنانيين وكما سبق لي أن أكدت في مناسبة سالفة، فإنها ” لغة الأديرة والخلوات والمساجد والحسينيات والحديث الشريف والترتيل والتجويد، والصلوات الخمس والأبانا وصلاة المسبحة الوردية ونهج البلاغة ودعاء مكارم الأخلاق وميامر الحبساء، لغة الناقوس الذي يفرح الروح والأذان الذي يطمئن النفس…لغة بهاء الدين العاملي واليازجي والمعلم البستاني، وجبران خليل جبران وإيليا أبي ماضي …..لغة جوزبف حرب وطلال حيدر وجرمانوس جرمانوس وشوقي بزيع ونزار فرنسيس….لغة جورج جرداق وموسى الصدر وكمال جنبلاط وصبحي الصالح ومحمد حسين فضل الله، وجورج خضر وسامي ابي المنى ومحمد امام||، يوسف سويف، ورامز سلامة ومارون العمار وشربل بو عبود وعبد الحليم كركلا وسليم وجودت حيدر … لغة موسى زغيب وزين شعيب وخليل شحرور وطليع حمدان وزغلول الدامور وانطوان سعادة وشربل كاملة… لغة الرحابنة وفيروز ونصري شمس الدين ووديع الصافي… لغة روني الفا(الذي افحم بالأمس في طهران الأمم التي اجتمعت وهو يتحدث عن دور القرآن في حفظ الهوية الإسلامية) ونزيه الأحدب ورشيد درباس وشوقي ساسين المبدع الرصين(الذي لا تعرفه في كلامه وفي أفعاله أمن عائلة ساسين هو أم من عائلة ياسين)…لغة الكلمة الطيبة والرصانة والأدب والثقافة والأنفة والرقي والتهذيب.”
وقال المرتضى: “أما ضد العدو الإسرائيلي – وهنا بيت القصيد – فهي لغة “الموقف سلاح والمصافحة اعتراف” ولغة “العين التي تقاوم المخرز وتلويه”، ولغة “لا راحة مع احتلال”. أو بعبارة أخرى هي لغة “الروح” التي تذل الترسانة، والوعي الذي يفرض علينا التمسك بقيمنا وبمبدأ العيش معا الضامن لوجودنا، ولبقاء وطننا الرسالة، المناقض لواقع الكيان المغتصب عدو الإنسانية ووصمة العار على جبين البشرية”.
وختم: “وعيد الأبجدية الذي نقيمه اليوم، لم يوضع بمسعى واقتراح الصديق العزيز النائب نعمة الله أبي نصر، من أجل استرجاع ذكرى فضل لبناني قديم على الحضارة الإنسانية فقط، بل للتعمق في معناه راهنا، حماية لحاضرنا ومستقبلنا. فنحن والأستاذ نعمة الله ننظر الى هذا العيد على أنه محطة تأمل تفرض على اللبنانيين جميعا أن يراجعوا فيها أنفسهم ويتخذوا فيها خياراتهم بين أن يصيروا لغة أو يكونوا حروفا؛ بين أن يجعلوا وطنهم رسالة عز وبطولة، وحب وسلام للعالم أجمع، أو يرتضوا البقاء فعلا ماضيا ناقصا في كتاب الأمم، عشتم وعاش لبنان”.
أبي نصر
وألقى رئيس لجنة إحياء عيد الأبجدية النائب السابق نعمة الله ابي نصر كلمة قال فيها: “نجتمع اليوم لإحياء عيد الأبجدية، لأن الأبجدية هي أعظم هبة منحها أجدادنا لنا وللبشرية جمعاء! أبجديتنا دستور سلام بين أهل الأرض، ولكن اليوم أين السلام؟ أليس من المعيب لا بل من المحزن أن نحتفل بعيد الأبجدية اليوم، وجمهوريتنا بلا رئيس؟! دولتنا تتفكك، واقتصادنا ينهار، وشعبنا يعاني ضائعا، يائسا، خائفا، حزينا ومحبطا؛ فاقدا الثقة بنفسه وبكل المسؤولين، يرزح تحت وطأة الغلاء، ودائعه منهوبة، شبابه مهاجر، مرضاه يئنون بدون دواء وعلاج!“
أضاف: “نحافظ على أبجديتنا ولبناننا معا، عندما يجتمع نواب الأمة في مجلس النواب للقيام بواجبهم الدستوري بانتخاب رئيس لجمهوريتنا اللبنانية. نحافظ على أبجديتنا ولبناننا معا، عندما نشرك أولادنا في عالم الإغتراب في الحياة السياسية اللبنانية، بدءا بممارستهم لحقهم في الإنتخابات النيابية في أماكن وجودهم/ إقتراعا وترشيحا وتمثيلا في المجلس النيابي، كل ذلك بعد أن يستعيدوا جنسيتهم، جنسية آبائهم وأجدادهم. نحافظ على أبجديتنا ووطننا معا، عندما يكون اليوم الأول من شهر أيلول من كل سنة عيدا وطنيا؛ عيد إعلان دولة لبنان الكبير، فيكون يوم عطلة رسمية تنفيذا لإقتراح القانون المعجل المكرر المقدم من قبلنا بتاريخ 23/8/2017، حيث سجل في المجلس النيابي حسب الأصول برقم 95/2017، وأحيل إلى اللجان المشتركة وما زال قيد النظر، وهذا العيد هو رمز وحدة الشعب اللبناني بتنوعه ووحدة أراضيه وعيشه المشترك. نحافظ على لبناننا وأبجديتنا معا، عندما نوقف سياسة التلاعب بديمغرافية لبنان، التي اعتمدتها بعض حكومات ما بعد الطائف؛ عن طريق التجنيس بمراسيم لم تعرض على مجلس النواب، كذلك عن طريق التوطين… التهجير… والهجرة… وعدم معالجة أسبابها… (التعليم… الدواء… المسكن… والبطالة). نحافظ على لبناننا وأبجديتنا معا، عندما نوقف سياسة بيع الأرض من غير اللبنانيين، خصوصا إذا لم تنفذ الغاية التي من أجلها أعطيت لهم تراخيص البيع والشراء”.
وختم: “نحافظ على أبجديتنا وعلى لبناننا معا، عندما نؤمن أن أرض لبنان واحدة لكل اللبنانيين، فلا فرز للشعب ولا تجزئة، ولا تقسيم، ولا توطين”.
زعرور
وكانت كلمة لرئيس بلدية جبيل وسام زعرور الذي قال: “جبيل، جوبلا، جب ايل، بيبلوس. أسماء عرفت بها هذه المدينة عبر التاريخ منذ أكثر من ٧ آلاف سنة، حيث تعتبر أقدم مدينة مأهولة في العالم. ومع ذلك، اللقب الذي نفتخر به أكثر من غيره هو “مدينة الحروف”، حيث أنها المدينة التي صدرت الأحرف الأبجدية إلى العالم، والتي اكتشفت عام ١٩٢٣ من قبل الباحث الفرنسي بير مونتيه على ناووس أحيرام، المعرض في المتحف الوطني. نعم، هذا شرف عظيم نضعه على صدرنا كلبنانيين أولا وجبيليين خاصة، من هنا علينا مسؤولية كبيرة لتحقيق التوازن بين الحفاظ على التراث وتعزيز السياحة على أنواعها، سواء كانت ثقافية أو دينية أو ترفيهية وغيرها”.
أضاف: “وضعت جبيل على قائمة التراث العالمي عام ١٩٨٤ من قبل منظمة الأونيسكو، حرصا على الآثار والتنظيم المدني والثروة الثقافية. وهنا يجب أن أشير إلى الدور الأساسي الذي تقوم به وزارة الثقافة في هذا المجال، وتحديدا معالي الوزير الصديق القاضي محمد وسام مرتضى، الذي يقوم بدور عظيم في وزارة الثقافة، وكما قلت مسبقا وأكرره اليوم، إنكم الرجل المناسب في المكان المناسب، واسمح لي من هذا المنبر أن أهنئكم على ما تقومون به في مدينة طرابلس العزيزة على قلوبنا، عاصمة الثقافة العربية، ونحن على استعداد لأي تعاون ثقافي سياحي انمائي يفيد مدينتي طرابلس وجبيل”.
وتابع: “بالنسبة لبلدية جبيل، فقد استحصلت على هبة في عام ٢٠١٦ لإنشاء متحف للأبجدية ثلاثي الأبعاد من قبل اللبناني البرازيلي رجل الأعمال كارلوس سليم، وتم تنفيذه بالكامل وبقي وضع اللمسات الأخيرة في الشكل الهندسي، ولكن الأهم من ذلك هو الحصول على معلومات عن كل حرف في العالم، وهذا يتطلب مشاركة علماء وخبراء من جامعات هارفرد وأوكسفورد وغيرها، بحسب التقرير النهائي للجنة المشرفة على التنفيذ. لذلك، نأمل من معاليكم مساعدتنا لإنهاء هذا المتحف، لما له من أهمية للبنان والشرق كونه الأول من نوعه في هذه المنطقة. وندعوكم لزيارته مع الحضور الكريم في أي وقت مناسب”.
وقال: “عام ٢٠٢١، وافق مجلس الوزراء الحالي على طلب إنشاء محمية بحرية مقابل القلعة الصليبية، على أمل تشريع القرار قريبا في مجلس النواب، لتفعيل نمط ثقافي سياحي بيئي جديد في المدينة. كما تم تقديم مسودة إلى الأونسكو في باريس لوضع جبيل على قائمة التراث العالمي، للحفاظ على الآثار الموجودة في قعر البحوح، نظرا لغمر المدينة بالمياه ثلاث مرات عبر التاريخ”.
وختم: “أخيرا، أود أن أشكر النائب السابق نعمة الله أبي نصر على نشاطه وإصراره على الاحتفال بهذا العيد، وأطلب من النواب الكرام تقديم قانون يجعل عيد الأبجدية عطلة رسمية، لما له من أهمية وطنية بحيث لا تميز الأبجدية بين الأديان والطوائف والأحزاب، بل هي حقيقة وأسطورة تكشف كيان الشخص وفكره دون انتمائه. عاش لبنان، عاشت جبيل، وعاشت الأبجدية!“
قصائد
وتخللت الاحتفال قصائد من وحي المناسبة لشعراء الزجل غسان شديد، ميلاد ضو، محمد مطر وسالم غانم الذي ميز يوم الأبجدية بقصيدة شعرية زجلية.