ضحى عبدالرؤوف المل
تتشابك الخطوط في لوحات الفنان التشكيلي العراقي معن كرماشة (Mann Kirmasha) الذي يختصر رؤية الحروب والصراعات المفتوحة إلى ما لا نهاية بتأويلات بصرية هي انعكاس سياسي في فن تتشعب فيه اختصارات تشكيلية رغم عشوائيته الترميزية، لحرب يشنّها من خلال الألوان والخطوط، لإيجاد ممرات منطقية لفهم ما يجري في المنطقة العربية من مشكلات معقّدة ذات الطابع الإقتتالي المفروض على أمكنة تحمل في طياتها رؤية ما يجري بعبارات تشكيلية مضمخة بمسارات ريشة موجوعة شعبياً إن صح القول.
فجرأة الإبتكار الفني في ترميز لعشوائيات الحرب تشكيلياً هي استجابة ذهنية بصرية في لوحات تصرخ وجعاً بصمت يشبه الفراغات في لوحاته الناطقة بأوجاع المدن من القدس إلى غزة إلى العراق إلى كل المدن التي تتشابه الحروب فيها وتؤدي إلى بث المزيد من العشوائيات ومخلّفات الدمار، لكن ضمن معايير تشكيلية يلتزم فيها الفنان «معن كرماشة» بتكتيك يلاءم ثقافته المبنية على مفهوم الجمال المعاكس، وصدمة البصر في الإلتزام بالتأمل من خلال التمويه اللوني والخطوط المتشابكة غير المنتظمة في الكثير منها، لتكوين صورة لما يحدث أولاً ومن ثم تفكيك المعنى المبطن بشكل تعبيري رمزي في كثير منه، رغم أنه يسلك بريشته الإيحاءات التجريدية لفهم ما يجري في المنطقة العربية من اشتعالات تتراءى بغرابة في المواجهة والمحاكاة والنتيجة أو الإستنتاج والتحليل.
كل ذلك من خلال الأبعاد البصرية في الخطوط والألوان وحتى قياس اللوحة وأهميته بالنسبة له، وكأنه يجتزأ بلوحة نسبة معينة مما يحدث وكأنه يريد القول تشكيلياً أن ما يحدث أكبر من لوحة تشكيلية تختصر جزء مؤلم فقط. فهل من تقنية تشكيلية شبيهة بتقنية الحرب في المعارك الكبرى كما هي الحال في حرب غزة ولوحة معن كرماشة؟ أم هي تشبه تناقضات الحروب وأثرها على من هم دون أسلحة ولا يملكون إلّا ريشة وألوان؟ وهل يتعاون الفنان التشكيلي في الحروب مع الذين يصدّون هجمات العدوان من خلال الفن؟
تبعثر بصري لا يمكن إعادة البناء فيه ما لم يطمس الريشة في ضوء تسطع فيه التصورات الجزئية لفهم ما جرى من إشكاليات في الحروب الغامضة التي تقلب موازين الأمكنة وتجعلها مجردة من الحياة التي تضج في عمق عمقها، فما تخربه الحروب من صنع الإنسان كالأبنية والجسور والمدن برمّتها، وما أدّى إلى كل هذا الدمار في أبنية معقّدة تشتعل بالألوان رغم رماديتها في بعض لوحاته الأخرى هي حركة فنية تهيمن على أسلوبه المضمخ بتعبيرية تجريدية تكحلت بالترميز والاستدلالات، فنقاط الرؤية البصرية الهشّة في لوحاته لها معادلات معقّدة، كما أن لها فعلها التأثيري على المدى البعيد، فهي تثير بمغزاها معنى الحرب النفسية في المفاهيم البصرية في إطار المقاومة التشكيلية بالخطوط والألوان والرؤية المعكوسة أفقيا وعامودياً مما يؤدي إلى خلق جدلية بين الفضاءات العامة والخاصة في تحويل الجمال إلى خراب بلحظة يُنتهك فيها حقوق المدن والقرى قبل الإنسان، كما هي الحال في لوحة غزة، وببساطة لفكفكة التضليل البصري بتكتيك تشكيلي حول الاستراتيجية المتبعة في الحروب على المنطقة العربية وهي عقم الخراب لاجتياز أي تقدّم للشعوب التي ترزح تحت ضغوطات الحروب. فهل فهم آليات الأسلوب في أعمال الفنان التشكيلي معن كرماشة هو فهم لنهج الحروب بالمعنى الواسع؟ أم هو تضييق المشهد عبر اللوحة لفهم ما يحدث؟
يواجه معن كرماشة الحرب بالفن رفضاً للخراب والدمار وانتهاك حقوق الإنسانية وبجمالية تشكيلية معاكسة تقييد فيها بالمقاييس والمعايير وبفلسفية فنية يخدم من خلالها الفعل الفني في الحروب وأهميته في خلق استراتيجيات من شأنها جعل الريشة في خدمة الدفاع عن الإنسان في الحروب التي تأكل كل شيء كما هي حال الألوان وتوهجها في لوحته هذه؟ ومن ثم الرمادية بعد أن تخمد النيران وتحوّل كل شيء الى رماد. فهل من تقنية خاصة في الدفاع عن المدن واندثارها من خلالها الفن التشكيلي؟