الوصايا

 

  سعيد غريّب

 

في زمن الصوم، عودة إلى الذات والتصالح مع النفس والتأمّل بما صنعته يد الانسان، على مدى العصور، من حسنات وويلات. وفي هذه الأيّام المظلمة والظالمة في آن، لا بدّ، لكي ترتاح النفس، من اللجوء إلى المثل والمثاليّات، ولو في الكتب وفي الفكر والعلوم الانسانية، ولو في ذاكرة المفكّرين والفلاسفة وما دوّن منها في كتب النسيان العتيقة. هي وصايا عشر مستوحاة من وصايا الله العشر، أطلقها الكاتب الأميركي Kent M.Keith عام 1968، وحوّلها في العام 2002 إلى كتاب سمّاه «على أيّ حال- Do it Anyway» وتربّع على قائمة أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتّحدة، لفترات طويلة.

ترجمت الوصايا إلى لغات عدّة، وتحوّلت إلى ملصقات على الجدران والأبواب، وشكّلت ثورة فكريّة كانت أميركا بأمسّ الحاجة إليها. وهي تباعاً: الناس غير منطقية ولا تهمها الّا مصلحتها، أحبّها على أيّ حال. اذا فعلت الخير سيتّهمك الناس أنّ لك دوافع أنانيّة خفيّة، افعل الخير على أيّ حال. اذا حقّقت النجاح، سوف تكسب أصدقاء مزيّفين وأعداء حقيقيّين، انجح على أيّ حال. الخير الذي تفعله اليوم سوف يُنسى غداً، افعل الخير على أيّ حال. إنّ الصدق والصراحة يجعلانك عرضة للانتقاد، كن صادقاً وصريحاً على أيّ حال. أعظم الرجال والنساء الذين يحملون أعظم الأفكار يمكن أن يوقفهم أصغر الرجال والنساء الذين يملكون أصغر العقول، احمل أفكاراً عظيمة على أيّ حال. الناس تحبّ المستضعفين لكنّها تتبع المستكبرين، جاهد من أجل المستضعفين على أيّ حال. ما تنفق في بنائه سنوات قد ينهار بين عشية وضحاها، إبنِ على ايّ حال. الناس في أمسّ الحاجة إلى المساعدة، لكنّها قد تهاجمك اذا ساعدتها، ساعدها على أيّ حال. إذا أعطيت العالم أفضل ما لديك سيردّ عليك البعض بالإساءة، أعط العالم أفضل ما لديك على أيّ حال.

أمّا لبنان فله وصاياه الخاصّة والمزمنة، والعبرة في تنفيذها أو مراعاتها أو التقيّد بها، وهي وصايا تجاوزتها الدول العريقة، منذ زمن طويل، بالتنفيذ والمراعاة والتقيّد بها. وهي بدورها عشر وصايا، وكان يوجزها الوزير الراحل فؤاد بطرس في بعض حلقاته الخاصة، ولتصل بأمانة إلى كل من يتولّى المسؤوليّة. فتقول له الوصية الاولى تذكّر دائماً أنّ لبنان بلد حرّ سيّد مستقل، ليس للاستعمار مقرّاً ولا لاستخدام البلدان العربيّة ممراً. أمّا الثانية فتوصيه بألّا يدخل الدول الكبرى في شؤون لبنان الداخليّة. وتحذّره الثالثة من أن يدخل لبنان في شؤون الدول الكبرى في المنطقة. وتدعوه الوصية الرابعة إلى أن يكون دائماً ممثّلاً للبنان كبلد عربي ومستقلّ. وتتوجّه الوصايا الخمس الأخرى إلى الحاكم لنصحه في أسلوب الحكم، فتقول الوصية الخامسة: أحكم ولا تتحكّم. وتضيف الوصية السادسة، مارس السلطة ولا تتسلّط، في حين أنّ السابعة توصيه بأن يعالج مشاكل الديموقراطية بالديموقراطية. وتعلن له الوصية الثامنة: تذكّر أنّك لست وحدك الحاكم، أمّا الوصية التاسعة فتقول: تذكّر ضعفك. وتنهي الوصية العاشرة: تذكّر أنّك غير دائم.

قد لا تكون هناك خسارة من وراء تكرار هذه الوصايا، ليس فقط للمتصارعين داخل الحكم، بل أيضاً للسادة المتسابقين، سرّاً وعلانية، على الرئاسة والوزارة والنيابة، ذلك لأنّ الوطن ليس فقط بيته الخارجي من زجاج، بل بيته الداخلي من زجاج أيضاً. وبديهي القول إنّ الخروج على احدى الوصايا العشر، أو على أكثر من واحدة، من شأنه دائماً أن يجعله يبدو وكأنه ريشة في مهبّ الريح. نقولها بصراحة، إنّ الأزمات المتلاحقة في لبنان أثّرت بشرايين المنطقة بكاملها، وتالياً فالاستقرار في لبنان له التأثير الأكيد على الاستقرار خارج لبنان. وإنّ لبنان المريض، مثلما هو الحال منذ نصف قرن، هو عبء على نفسه وعلى الآخرين. انّنا مدعوّون جميعاً إلى التضحية وانكار الذات وتجاوز الماضي واظهار الوطن كأنّنا كلّنا له، ليكون كلّه لنا… وقبل فوات الأوان.

***

*نداء الوطن 2 أذار 2024

اترك رد