منيرة مصباح
يَعْبرُ فَضاءَ الوَطَنِ
لِصَمْتِ الطَرِيقِ
لِأُفُقٍ يَنْسَلُّ غارِقًا بِخُيوطِ الشَّمْسِ
يَعْبُرهُ ناحِلًا، يَشُقُّ اللَّحْظَةَ المُزَلْزِلَةَ
يَمْضي لِسَهَرٍ آتٍ
لِحَنينِ زِنادٍ في اليَدِ عندَ الرَّحيلِ
يُصافِحُهُ ويُطِلُّ على مَشْهَدٍ من دَمِهِ.
***
من تَلافيفِ ذاكِرَتِهِ يَجيءُ الصِغارُ
وعَوْدَةِ انْتِظارِهِم لِساعِدَيْهِ
يَحْتَويهم لِفَرَحٍ مُؤَجَّلٍ
يَنْسِجُ حُقولَ قَمْحٍ لِأَحْزانِهِمْ
وشَمْسًا لِكِبْرِيائهِمْ
يَنْحَني لِيُصْبِحَ نَخْلَةً
مُثْقَلًا جِذْعُها بالثِمارِ،
البَحْرُ يَنْبتُ فُصولًا في عَيْنَيْهِ
يَتَمَرَّدُ على قامَتِهِ
يُبْحِرُ دونَ أشْرِعَةٍ
دونَ جَوَازاتِ مُرورٍ
نحو سَمَاءٍ تَتَوَسَّدُهُ إلاَّ من طِفْلَةٍ
تَبَلَّلَتْ بِعَبْرَةٍمن ضِياءٍ
حَطَّتْ على غُصْنِ القَلْبِ
لَبِسَتْ مُلاءَةَ غَفْوَتِهِ
رَسَمَتْ نافِذَةً في الهَواءِ
شَدَّتْ على الجُرْحِ بالكَلِماتِ
وما تَعِبَتْ من التَّفْكيرِ في وَهْجِ البَنَفْسَجِ
يَحْرُسُها في بَقائِها المُخيفِ.
***
حينَ أتى بِالأحْلامِ
وبِدِفْءِ المَوْجِ لِأيَّامِها
إسْتَقْبَلَ طَلْقَةً وَحيدَةً
تَعِبَ…
مَشَى على خَرابِ العالَمِ
هَوَى كَنَجْمَةٍ تَوَضَّأَتْ
بِشُعاعٍ من قَوْسِ قُزَحٍ
شاهَدَ الوَجْهَ الحَقيقِيَّ لِلْوَطَنِ
وَجْهُ الزَّعْتَرِ والشَّجَرَةِ
وَجْهُ العازِفِ والغَيْمَةِ
وَجْهُ المَوْجَةِ والنَسْمَةِ
وَجْهُ سَيِّدَةٍ من بَرَاعِمِ الأنْوَارِ
قال لها:
فِلَسْطِين يا أُمَّ المِياهِ
يا سَيِّدَةَ الأَرْضِ
إنِّي أتَساقَطُ في نَفْسِي
لا أَبْلُغُ أَعْمَاقِي
ضُمِّيني بِعَيْنَيْكِ
بَارِكِي ما اتَّصَلَ من عِظَامِي
هَبِي صَوْتَكِ لِلْفِكْرَةِ لِلطَّلْقَةِ
بِكُلِّ اقْتِرَاباتِها بِكُلِّ امْتِنَاعَاتِها
للنَّهارِ الخَالِدِ يُولَدُ يَنْمُو لا يِنْتَهِي.