هل التقسيم حلّ؟

 

  سعيد غريّب

 

من جديد نطرح السؤال المحوري: هل لبنان بلد موحّد يجب تقسيمه؟ أم بلد منقسم يجب العمل على توحيده؟ ومن جديد، يثبت «النيوسياسيون» بدخولهم في قلب المسألة اللبنانية أنّهم أضافوا إلى تعقيداتها تعقيداً جديداً، يتبيّن بعد حين أنّه أخطر من التعقيدات السابقة. واذا كانت التطورات السابقة غير محسوبة ولا مدروسة ولا متوقّعة، فإنّها الآن في مرحلة دخول المضاعفات غير المحسوبة وغير المدروسة وغير المتوقّعة.

من هنا يأتي التفريط بما تبقّى من هيكل الكيان والدولة والوطن، في ظلّ اعتياد مخيف على التصعيد غير المسؤول وعلى اعتماد الازدواجية ضمن لعبتين وكلامين وموقفين، وتالياً جرّ لبنان إلى تطوّرات أخرى لن تكون له القدرة على منعها أو الحد منها، والقرار الرسمي ممثّلاً بالرئيس نجيب ميقاتي خير مثال على هذا العجز، كما لن تكون له القدرة ربّما على تحمّل نتائجها السلبية التي قد تكون أكبر حجماً ممّا سبق، والمعارضة هي الأخرى خير مثال عن دفع الأثمان.

هذا ما يبدو فاقعاً في كلّ ما جرى ويجري في لبنان، في وقت يخيّم عدم الوضوح على مآل ما يحكى عن صفقة أميركية – ايرانية بمعزل عن فرنسا قد يدفع أعلى أثمانها الفريق المسيحي في لبنان و»الحمساوي» ومعه الشعب الفلسطيني في غزّة. وثمة معلومات متداولة تؤشّر إلى قرب اتمام هذه الصفقة. وفيما الأمل من «النيوسياسيين» مفقود كليّاً، تتّجه الأنظار، بحذر شديد وأمل شبه مفقود، إلى الثنائي المسيحي والطائفة السنيّة مع ما يمكن أن ينتج عن الاستدارة العونيّة تجاه «حزب الله».

في الماضي القريب كان الأفرقاء اللبنانيون يجدون صعوبة في قول حقيقة ما يضمرون لأنّهم كانوا مستفيدين من الباطل، أمّا اليوم فهم مهمّشون عن الحقيقة والباطل في آن، ويحاولون اللحاق بالسوق من دون جدوى، ولقاءات لندن خير مثال. إنّنا نعيش طوفة كبرى من الكلام الذي لم يعد يعني أحداً أو يهتمّ له أحد لأنّه لا يغيّر شيئاً.

هل تقسيم لبنان هو الحلّ؟ وهل له فيه مصلحة؟ أم أنّه مجرد اعلان عن انهاء هذا الكيان المميّز؟ في الأساس القرار ليس في لبنان أو عند اللبنانيين بعدما تحوّل لبنان إلى مجرّد ساحة مفتوحة وبات اللبنانيون مجرد لاعبين فيها.

وقد اهتزّت الوحدة التي ما بينهم على مدى ثمانين عاماً بتجاوبهم مع التدخلات الخارجية وطلبهم لها، وبتثبيت لبنان ساحة للخلافات الاقليمية ومن خلفها الصراعات الدولية، منذ الناصرية حتى الايرانية مروراً بالفلسطينية والسورية ناهيك بالاسرائيلية علماً أنّ هذه الأخيرة تمثّل سبباً رئيسياً في كل العلل والمصائب. وعلى الرغم من أنّ الوحدة في لبنان تبقى تجربة معرّضة للاهتزاز وعدم الاستقرار والخضّات السياسية والامنية، فإنّ التقسيم في ظلّ الواقع الجغرافي والاقتصادي الحالي لا يكون الا مساراً موقتاً. فالتقسيم غير المعلن اختبره اللبنانيون، مسيحيين ومسلمين، وكانت نتيجته وخيمة على الفريقين معاً.

هل يستجيب «حزب الله» للتقسيم في حال فرضته الارادة الدولية ورضخت له ايران؟ الواقع حتى الآن يقول غير ذلك، بحيث يكثر الحديث في الأروقة الدولية عن حاجة ايران لورقة تفاوض لمرحلة ما بعد الحرب الدائرة في غزة وجنوب لبنان، على أن يكون لبنان الكبير من ضمن هذه الورقة. وعليه، ماذا سيفعل الثنائي ميشال عون وسمير جعجع؟ بل ماذا يستطيعان أن يفعلا؟

وماذا سيفعل «حزب الله»؟ بل ماذا يستطيع أن يفعل من دون المسيحيين؟ وهل يكتفي بالحكم وحيداً؟ في اختصار، لن يحلو العيش في لبنان مع مكوّن واحد ولن يحيا من دون المكوّنين.

في زمن الحرب ثلاثة كبار كتبت مصيرهم لعبة الأمم لأنّهم عارضوا التقسيم بل عملوا على عدم تحقيقه: كمال جنبلاط قتلوه، الامام موسى الصدر غيّبوه وريمون اده نفوه، وهناك رابع اغتالوه لانه آمن في نهاية الأمر بوحدة لبنان هو بشير الجميّل.

كثر في هذا العالم يلعبون بالمصائر، هل سنلعب معهم ونخسر لبنان؟ بعض قياداتنا لا يبشّر أداؤها بالخير.

***

*نداء الوطن 24 شباط 2024

 

اترك رد