ندوة تكريميّة للدكتورة حورية الخمليشي في المركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية بمدينة فاس المغربيّة

 

 

نظّم المركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية بمدينة فاس المغربيّة برئاسة الدكتور مصطفى شميعة ندوة علميّة يوم السبت 17 فبراير 2024، بمقر المديرية الجهوية بفاس، بعنوان “مقاربات نقديّة في المنجز الإبداعي والفكري للأكاديميّة المغربيّة الدكتورة حورية الخمليشي”.

وقد جاء في ملصق الندوة أن الخمليشي بصمت حضوراً علميًّا لافتًا على الصعّيد الوطني والعربي، بما قدّمته من منجزات نقدية وإبداعية مختلفة شملت النص الشعري والسردي والفني والجمالي. كما شملت دراسات مهمّة حول الأدب بما هو شغل إنساني يتعلّق بالكثير من الأسئلة الوجودية، تعكس توق الإنسان للبحث حول دلالات الماهية والحقيقة والوجود. فهي متخصصة في نقد الشعر الحديث والمعاصر، وفي النص العربي القديم والمناهج النقدية المعاصرة. وتناولت موضوع الترجمة باعتبارها قضية إشكالية تتقاطع مع الكثير من القضايا الأخرى كقضية المعنى والاصطلاح والدلالة. واهتمّت الباحثة بريجيس بلاشير كأحد الأقطاب الكبار للترجمة الأدبية التي هي أصعب أنواع الترجمات في كتابها “ترجمة النص العربي القديم وتأويله عند ريجيس بلاشير”، الذي هو موضوع أطروحتها والتي كانت بعنوان “الترجمة والتأويل في النص العربي القديم ريجيس بلاشير نموذجاً”. وهو أوّل كتاب يخصّ بلاشير بدراسة وافية لأعماله نظراً لموقف المثقفين العرب من الاستشراق. فظلت معظم الآراء نقدية لا علمية. وبلاشير بحسب الباحثة من رواد الاستشراق العلمي لِما قدّمه من خدمات جليلة للأدب العربي والمكتبة العربية.

 

إن البحث في المنجز العلمي المعرفي الأكاديمي للباحثة المتميزة د. حورية الخمليشي يستدعي مقاربة شمولية تدقيقية من جهة التنوّع والاختلاف اللذين طبعا أعمال الباحثة في حقول معرفية متعددة، لكن هذا التعدد لم يحل دون بزوغ النزعة التخصّصية التي طبعت أعمالها ومن ذلك تناولها بعض القضايا النقدية بالتحليل والدراسة العميقة والدقيقة. خاصة وأنها تبنّت مشروع “الشعرية المفتوحة في الشعر العربي الحديث والمعاصر” منذ صدور كتابها عن “الشعر المنثور والتحديث الشعري” في طبعته الأولى عام 2006، والذي أثار الكثير من الجدل من طرف الكثير من الأدباء والنقاد في عالمنا العربي. كما أصدرت كتابها “الكتابة والأجناس. شعرية الانفتاح في الشعر العربي الحديث” والذي تناولت فيه موضوع الجنس الشعري والكتابة الجديدة بأفُق استكشافي جديد. وركّزت فيه على الخلفيات النظرية التي تؤسّس لفعل الكتابة من منظور الاختلاف والائتلاف بين الأنواع الأدبية. مستلهمة بذلك نماذج حيّة في الشعر العربي الحديث الذي رام رواده إلى تحديث الرؤية الشعرية والتأسيس لأفق جديد في الإبداع العربي الحديث.

وبعدها توالت إصداراتها في هذا المجال من خلال كتبها “الشعر وأنسنة العالم”، و”الشعر والغناء وترسيخ الثقافة الكونية”، و”تواشجات الشعري والفني في الشعر العربي الحديث”. ففي هذا الكتاب سعت الباحثة إلى تقديم قراءة معرفية موَسّعة في انفتاح الشعر على الفنون وعلى شعريات العالم، استثمرت فيها مختلف الدراسات المعرفيّة والشعريّة واللسانيّة والبلاغيّة والفلسفيّة. بالإضافة إلى المعطيات المتعلقة بالفن والتشكيل والموسيقى والمسرح والسينما. وهي قراءة، كما تقول عنها، لا تقدّم الأجوبة ولكنها تثير العديد من الأسئلة والتساؤلات، وتؤسّس لثقافة التّساؤل في الشعر العربي الحديث المنفتح على اللآنهائي. وهذا ما رصدته كذلك في كتابها عن “شعرية الانفتاح ولانهائية التأويل”.

ومن كتبها الفنية كتاب “نهر الهواء”. كما تناولت بالدراسة العديد من الأعمال الفنيّة لضياء العزاوي، وأدونيس، ونجا المهداوي، ومحمد القاسمي، وإيتيل عدنان، ومحمد المليحي، ومحمد العامري، وعبد الله الحريري، وغيرهم. وكتابها الشعري الفنّي “كتابة على الماء. نصوص في اللانهائي” ويضمّ قصائدها وبعض لوحاتها التشكيلية.

 

وقد عرفت الندوة حضوراً مهمًّا من المتابعين للشأن الثقافي بفاس ومن مختلف المدن المغربيّةبمشاركة أكاديميين وباحثين من مختلف الجامعات المغربية، تناولت بالبحث والتحليل والمناقشة أعمال هذه الباحثة الجادة التي لها مشروعا فكريًّا ونقديًّا وجماليا، كما لها حضور قوي على المستوى المغربي والعربي. وقد شملت الندوة عرض المنجزات النظرية والتطبيقية لحورية الخمليشي من خلال مداخلات نقدية قيّمة، ما أغنى النقاش والتساؤل حَول العديد من أعمالها، وذلك في جلستيْن علميّتيْن.

وقد جاء في كلمة السيد مدير المركز الأكاديمي للدراسات الثقافيّة والأبحاث التربويّة الدكتور مصطفى شميعة بإن دراسة الأعمال القيّمة والموسوعيّة للدكتورة حورية الخمليشي التي انجزتها في مجالات عدّة في الأدب، والفكر النقدي، والاستشراق، والترجمة، والنقد الجمالي، بالإضافة إلى إبداعها الشعري والتشكيلي متمثّلاً في أروع لوحاتها الفنيّة التي حاكتها بأناملَ رصينة.

تتميّز أعمال حورية الخمليشي الفريدة بالعمق، والفرادة، والابتكار، والموسوعيّة. فهي فريدةٌ في رؤيتها الجماليّة، ومبتكرة في رؤيتها الإبداعيّة، وعميقة في رؤيتها التأويليّة في الأعمال الأدبيّة والنقديّة، وموسوعيّة لأنها تحمل في رؤيتها الفكريّة كلّ هذا وذاك. وبذلك تكون استراتيجيّتها في تناول القضايا والمفاهيم عميقة وممتدّة من محيط الأدب إلى بحار الفكر، ومن شطآن الفن إلى جُزر النقد. تتنقّل بخطى منغرسة في وعيٍ متأصّلٍ ومُمنهجٍ يتكامل فنّيًّا وعلميًّا وجماليًّا.

ضمّت الجلسة العلميّة الأولى، التي ترأسها د. عبد المالك أشهبونأستاذ التعليم العالي بفاس، خمس مداخلات علميّة لكلٍّ من د. أحمد زنيبر، وهو أستاذ التعليم العالي، بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين ـــ الرباط، في موضوع “الشعر الغنائي العربي بين الثقافي والجمالي” مبرزاً الرؤية الجماليّة،والثقافيّة،والفنيّة للشعر الغنائي في كتاب الباحثة “الشعر والغناء وترسيخ الثقافة الكونيّة”.

ومداخلة د. المعتمد الخراز، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس ــ الرباط، التي انصبّ موضوعها حول “حداثة النقد والمشي بين الشعر والفن”، والتي تناول فيها ذلك التواشج والتداخل بين الشعري والفني وانفتاح الشعر على الفنون المجاورة.

 

أما مداخلة الدكتور فؤاد بن أحمد، أستاذ التعليم العالي بمؤسسة دار الحديث الحسنية ــ الرباط، فكانت في موضوع “في اشتباك الكلمات بالصور”. ركّز من خلالها على أن لا وجود للحدود بين الأجناس. فالشعر منفتح على أنماط الفنونمن موسيقى، وتشكيل، ومسرح، وسنيما، وغيرها.ولوحاتها الفنيّة تمثّل هذا الحوار الإبداعي بين الكتابي والبصري. وتحدّث د. إدريس الخضراوي، أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض ــ مراكش، عن”بصرية القصيدة”، حيث استحضر أعمال الدكتورة حورية الخمليشي، التي تدخل ضمن الشعريّة المفتوحة في العديد من كتاباتها التي هي كتابة منفتحة على مختلف شعريات العالم وعلى الفنون. أما مداخلة د. محمد الفتحي، أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمدينة فاس، فكانت عن “اللغة وكسر حدود النص”، متناولا الدكتورة حورية الخمليشي من حيث كونها قدمت من خلال أعمالها”منظومة جديدة” وذلك بأدوات وآليات جديدة في بناء النص، موظفة لغة شعريّة إبداعيّة بسيطة بعيدة عن التعقيد، لأن أسلوبها مداعبة لطيفة لملامح الشعر، بحيث يتّسم نقد الباحثة بالنقد الإبداعي لا النقد الصارم والغامض. وقد خلصت هذه المداخلة القيّمة إلى مجموعة من المخرجات العلميّة الجديرة بالتأمل والمناقشة.

أما الجلسة العلمية الثانية فقد ترأستها د. سعد الأمين، بالمركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية بفاس. وضمّت هذه الجلسة خمس مداخلات علميّة. أولها مداخلة الدكتورة نعيمة الدويدة،بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين الرباط سلا القنيطرة، حول موضوع “الشعرية المفتوحة عند حورية الخمليشي. محمود درويش نموذجا”، حيث انطلقت الباحثة من كَوْن المحتفى بها لها اهتمامات بالتراث العربي القديم وبالفن التشكيلي. وغنى ثقافتها كونها مترجمة، وهو ما جعل الباحثة تؤسّس لثقافة التساؤلات بدل الإجابات للسفر في عوالمها الإبداعيّة السحريّة. واختيارها لشعر محمود درويش كونه نصًّا منفتحًا رافضًا للتنميط والتسييج، ومُلمًّا بالتجربة الإنسانيّة عبر إعادة دائمة لتفعيل الحياة برؤية فلسفيّة للوجود. وقد تلتها مداخلة د. دنيا لشهب، بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بفاس. بعنوان “الجهود النقديّة لحورية الخمليشي من خلال كتاب الشعر المنثور والتحديث الشعري”، حيث وقفت عند مفهوم الشعر المنثور والحدود الفاصلة بين النثر والشعر، ومعضلة تحديد المصطلح بشكل دقيق، مؤكدة على أنّ الكتاب حاول الإجابة عن العديد من الأسئلة حول النص الشعري المنثور وأُسُسه النظريّة.

أما مداخلة د. سهام الشاعر، أستاذة مبرزة بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بفاس، فكانتحول “قراءة في كتاب “الشعر وأنسنة العالم” لحورية الخمليشي”، حيث وقفت الباحثة عند مفهوم الأنسنة وعلاقته بالشعر، ومدى إمكانية الحديث عن أنسنة شعرية جديدة، متسائلة؛ كيف يمكن للقصيدة العربية أن تغير الظلم والقهر واللاحياة إلى العدالة والمساوة والحياة والمحبة والسلام من خلال رؤيتها لمفاهيم الأنسنة والأعمال الشعريّة الكبرى المتجاوِزة للزمان والمكان، وسفرها إلى مختلف الجغرافيّات الشعريّة.

 

أما مداخلة د. مصطفى شميعة، مدير المركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية،فكانت حول “معالم الرؤية التأويلية الفنية عند د. حورية الخمليشي، كتاب نهر الهواء نموذجا”. وهو كتاب فني.  ركّز الباحث في ورقته النقديّة على الخلفيات الفكرية والجمالية التي تقف وراء اختيارها لتجربة الفنان العراقي وليد رشيد القيسي، ومسلّطا الضوء على تلك العلاقة الجوهرية بين الرسم والشعر من جهة، وبين المكتوب والمبصور من جهة ثانية، في محاولتها نقل المتلقي من اللامتناهي الشعري إلى اللامتناهي التشكيلي، وأن ولادة النص من رحم الطين ليتشكل ذلك الانصهار بين الابداع الشعري والابداع التشكيلي في بُعد تأويلي يغْني التجربة الموسوعية لحورية الخمليشي.

لتختتم الندوة الوطنية بكلمة المحتفى بها، فقدمت كلمة شكر للمركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية بمدينة فاس المغربيّة برئاسة الدكتور مصطفى شميعة، وللجنة التنظيميّة على حفاوة الاستقبال والتّنظيم. كما تقدّمت بالشكر لكل عضوات وأعضاء المركز، ولكل المشاركات والمشاركين، ونوّهت بمداخلاتهم العلميّة التي امتازت بتأمّل وعمق في اختراق مختلف النصوص الشعريّة والفلسفيّة والفنيّة الجماليّة، والتي كانت اكتشافًا جديدًا بالنسبة لها. بحيث تتعالق فيها الحقول المعرفيّة والمشتركات الإنسانيّة التي تجمع الشعر بغيره من الفنون. معتبرة ذلك بمثابة تأسيس جديد لثقافة التّساؤل في أدبنا العربي، وتفتح آفاقا لأبحاث جديدة.

 

اترك رد