روايتان

 

  سعيد غريّب

 

هل يمكن أن تكون الروايتان الواردتان أدناه صحيحتين؟ لا شيء موثّقاً يثبت صحّتهما، الّا أنّ ما تمّ تسريبه، وفق حلقات ضيّقة أميركيّة وغير أميركيّة، طرح غير علامة استفهام، فنوردهما على ذمّة أصحاب هذه الحلقات.

تقول الرواية الاولى إنّه في السابع من كانون الاول 1941، تعرّضت القوّات الأميركية، في بيرل هاربور، لهجوم ياباني صاعق، سقط فيه حوالى ثلاثة آلاف قتيل من جنود المارينز، وأعلنت على أثره الولايات المتحدة الحرب على اليابان ودول المحور. في تلك الفترة، كانت القوّات الألمانية تحتلّ مساحات شاسعة من أوروبا ومتوغّلة في عمق الاتحاد السوفياتي، وجاء الهجوم الياباني على القوّات الأميركية مباغتاً ومؤلماً، ليحضّ الادارة الأميركيّة على اعلان الحرب، بتشجيع غير مسبوق من الشعب الأميركي عموماً، ومن الكونغرس بصفة خاصة، على الدخول في الحرب.

ووفق «الرواية الخبيثة» فإن الولايات المتحدة، برئاسة روزفلت، كانت تحتاج إلى هذا العدد الكبير من الضحايا، لتعلن الحرب، لأنّ الشعب والكونغرس لم يكونا موافقين على هذا الدخول، من دون سبب موجب كبير وبلا حجّة مقنعة. وتقول الرواية النابعة من «نظرية المؤامرة»، وهنا بيت القصيد، إنّ الإدارة الأميركيّة كانت على علم مسبق بأنّ شيئاً كبيراً يحضّر من قبل اليابانيّين، من خلال برقيّة نقلتها الاستخبارات الأميركية إلى الرئيس الأميركي الذي ترك الهجوم يحصل ليكون أقوى ورقة في يده.

أمّا الرواية الثانية فمفادها أنّ الولايات المتحدة، برئاسة جورج بوش الابن، كانت بحاجة إلى حدث بل اعتداء كبير كبير يكون مبرّراً كافياً لدخول القوّات الأميركية إلى أفغانستان ونزولها في العراق والاطاحة بصدّام حسين. فتركت الهجمات على مركز التجارة العالمي وغيره لتحصل رغم كلفة بشرية تجاوزت الثلاثة آلاف قتيل. وهو العدد المشابه لضحايا بيرل هاربور. وتلحظ الرواية أنّ كبار السياسيّين في أميركا، وفي مقدمهم دونالد ترامب، انتقدوا بشدّة الهجوم على العراق، ووصفوه بالخطأ المميت، خصوصاً أنّه تأكّد لاحقاً أنّ العراق لم يكن يملك سلاح دمار شامل كما قيل.

قد تكون هاتان الروايتان مجرّد نسيج من خيال القلقين من المؤامرات وأبعادها، لكن مجرّد انبثاقهما وتداولهما يؤشر إلى التوجّس النابع من ثقل الأدوار التي تلعبها الدول الكبرى في لعبة الأمم، سواء في السلم أو في الحرب. كما أنّهما كافيتان لتعرف البشرية كيف تدار السياسات الخارجيّة، وكيف تتصرّف الدول الكبرى، مهما كانت هويتها ومهما كان اسمها، حيال الدول الصغرى وشعوبها.

ويعيدنا هذا إلى ما يجري، اليوم، في غزة وسائر فلسطين وجنوب لبنان، وهو ليس سوى عيّنة من هذه السياسات، التي تظهر بوادرها منذ العام 1941 ولم تنته في التاسع من ايلول 2001، حيث تتّخذ اللعبة الدوليّة أشكالاً متعدّدة، وتدخّلات من كلّ الأنواع فيما الضحيّة واحدة. الحروب والدمار والقتلى والاغتيالات تأكل الوقت، فيما الجميع على الجمر المشتعل ينتظر. فماذا ينتظر؟ الواقع أنّ الكلّ يترقّب حياكة الحلول والتسويات، بين وسيط قادم وآخر ذاهب فيما الواقع مرّ والنار فوق الرماد وتحته.إنّها لعبة الحرب والتسويات، المنسوجة فوق الطاولات وتحتها، تعيد إلينا ما كتبه يوماً أرثر كستلر حين قال إنّ «التاريخ مزيج من الدم والوحل».

إنّ مئات الالوف من البشر قتلوا في حروب متنوعة المظهر، مهندسوها لا أحد يعرف اسماءهم. وكلّ ما نعرفه أنّهم المخططون لتقليص عدد سكان الأرض سواء بالنار أو المخدرات أو باختراع الأمراض وايجاد لقاحات وهمية لها، أو بتلوث الأرض وبثّ السموم في الفضاءات الواسعة.

***

*نداء الوطن 12-1-2024

اترك رد