أَلدَّارُ العائِدَة!   

 (وهَجَّرَتنا الحَربُ المَشؤُومَةُ (1975 – 1990) عَن دِيارِنا.

فَباتَتِ الدِّيارُ مَزارًا مَزرُوعًا في رُوحِنا

نَسجُدُ على عَتَباتِهِ كُلَّما أَوَينا إِلى مَضاجِعِنا البارِدَة. وفي العَودَةِ كانَتِ القَصِيدَة)

(نَتَذَكَّرُها اليَومَ إِذ نَرَى مَن يُهَجَّرُونَ عَن دِيارِهِم في غَزَّةَ وجَنُوبِنا الحَبِيب)

 

 

هُناكَ… والنَّارُ في صَدرِي تُناجِيها،              دارٌ لَنا بِفُؤَادِي الغَضِّ أَفدِيها

كَالطَّيفِ يَحتَضِنُ الذِّكرَى فَيُلهِبُها،            كَالحُلْمِ في ناعِسِ الأَجفانِ يُغوِيها

هُناكَ… عِندَ حُدُودِ الصَّبرِ قَريَتُنا،           ودارُنا وَسْطَها كَالرُّوحِ تُحيِيها

كانَت لَنا كَجَناحٍ هانِئٍ وَثِرٍ،               ودِفْءُ أُمَّاه راعِيها وحامِيها

وجاءَها التَّتَرُ المَسعُورُ، في نَهَمٍ،            وكانَ دَفْقٌ مِنَ الأَحلامِ يَروِيها

جاؤُوا إِلَيها طَوابِيرًا مُزَنَّرَةً،         بِالنَّارِ والحِقدِ، فَاهتَزَّت رَواسِيها

سادُوا ومادُوا، وذَرُّوا كُلَّ مَفسَدَةٍ،              وأَمعَنُوا النَّتْرَ، ظُلْمًا، في خَوافِيها

تَغزُو سَنابِكُهُم وَجهًا لَها نَضِرًا،              وتَزرَعُ الدَّوْحَ تَمزِيقًا وتَشوِيها

كانَت كَبَحرٍ مِنَ النِّعْماتِ يَغمُرُنا،           فَمَتنُها الخَيْرُ، والنُّعْمَى حَواشِيها

فَأَثقَلُوا المَوْجَ مِن أَدرانِهِم فَغَدَت،               مِنْ مَدِّهِمِ، لَطَخاتٌ في شَواطِيها

وغابَ عنها رُواءٌ كانَ طابَعَها،               وكادَ أَن يَختَفِي في اللُّجِّ صارِيها

وما رَعَوْا حُرْمَةً، بَل دَنَّسُوا ذِمَمًا،                وَضَمَّخَ المُرُّ خافِيها وبادِيها

وداسَتِ الخَيلُ قَلبًا كانَ حارِسَها…               مَن يَقتُلِ الدَّارَ يَقتُلْ قَلبَ أَهلِيها

لَم يَكفِهِم هَجْرُ خُلَّانٍ لِأَرْبُعِها،                 فَصادَرُوا كُلَّ فَرْشٍ كانَ يُغنِيها

والأُمُّ صابِرَةٌ، والدَّارُ شاخِصَةٌ                تَصبُو، على شَغَفٍ، تَوقًا لِبانِيها

وشَوقُ أُمِّيَ مِلحاحٌ يَقُولُ: تُرَى               نَعُودُ لِلدَّارِ كَي تَحيا لَيالِيها؟!

***

أَليَومَ عُدنا، أَيَا أُمَّاهُ، في وَلَهٍ،                 نَجلُو نَجاسَةَ حَيْفٍ كانَ كاسِيها

عُدنا إِلَيها وقد آنَت قِيامَتُها،                 وانشَقَّ صَخْرٌ، وهَبَّت مِن بَوالِيها

عُدنا إِلى الجُدُرِ الصَّمَّاءِ في لَهَفٍ،              نُقَبِّلُ العُرْيَ والعَبْراتُ تَسقِيها

عُدنا بِوَجْدٍ، ولَن تَرضَى عَزِيمَتُنا                لِلدَّارِ إِلَّا شُمُوخًا في أَعالِيها

وعادَتِ الرُّوحُ، يا أُمَّاهُ، مُذْ رَجَعَت               دارٌ لَنا، كَم رَعَتنا في مَغانِيها

أُمَّاهُ… إِنَّا كَقُطعانٍ مُبَعثَرَةٍ،                  نَخُبُّ في الأَرضِ، تَطوِينا ونَطوِيها

كُلٌّ يَجِدُّ ويَسعَى حَيثُ غايَتُهُ،               وكَم دَهَتنا الدَّواهِي في بَوادِيها

وأَنتِ، في القَفْرِ، قَطْرٌ لِلنَّدَى رَطِبٌ،               ولِلقَوافِلِ هادِيها وحادِيها

إِنْ أَومَأَت مِنكِ لِلأَحبابِ بادِرَةٌ                 يَعُودُ شَمْلٌ ويَزْهُو مَجلِسٌ تِيها

أَلَا انفُضِي، عَن دِيارٍ قَضَّ مَضجَعَها             ظُلمُ الزَّمانِ، رَمادًا كادَ يُخفِيها

واجْلِي الكُؤُوسَ فَقَد مَلَّتْ تَغَرُّبَها،              والخَمْرُ طابَت، وقد هَلَّتْ خَوابِيها

لا كانَ عَوْدٌ لِأَيَّامٍ مُلَطَّخَةٍ،                 ولا رُجُوعٌ لِباغِيها وطاغِيها

فَليُشْرِقِ الضَّوْءُ، ولتَخْضَرَّ رَوضَتُها              دارٌ لَنا، وتُباهِي في أَغانِيها

ولتَسلَمِ الدَّارُ، يا رَبَّاهُ، نَحنُ لَنا              ماضٍ مِنَ الحُبِّ يَغْفُو في مَطاوِيها

ولتَسلَمِ الأُمُّ كَي نَبقَى، وإِن بَعُدَت              بِنا الدُّرُوبُ، صِغارًا نَلتَقِي فِيها!

اترك رد