قبل فوات الأوان

  سعيد غريّب

 

هل نستمرّ في العرض التاريخي المأزوم منذ عقود؟ لماذا نستذكر الماضي القريب والبعيد، سائلين عن سفراء السياسة والحقوق، عن الأطباء والعلماء والمعلّمين، عن الادباء والمفكّرين والسياسيين الكبار؟ هؤلاء عندما استدعاهم الله ظلّوا أحياء في التاريخ بعدما كانوا اسياداً في التربية والاخلاق. مؤسف الاقرار بواقع أليم، فالحضارة لا مكان لها من دون سلام، والسلام لا يقيم في مكان لا حرية فيه، والحرية والحقوق لا نجدهما حيث المجتمع بعيد عن الحرية والسيادة.

إنّ المجتمعات بل معظمها يسيطر عليها في الألفية الثالثة شيء من العبث وشيء من العدم وكثير من الاحباط بفعل الدجل الاعلامي الذي يدمّر المعلومة، والوسخ السياسي الذي لا قوة تنظّفه، والعدالة الاستنسابية على يد أهلها، والحرية المدمّرة من الحكومات، والاقتصاد المسيّر بالمصارف، والمعرفة الناقصة أو المشوّهة في الجامعات، والفساد الساعي إليه بالعدوى مجتمع بمعظمه، بفعل انتشار هذه الآفة السريع، والاستثمار بالناس، لأنّه الأكثر ربحاً والأقل كلفة، ولا سيما في موسم الانتخابات حيث نسبة المخاطر صفر في المئة. صحيح أنّ الناس تكافح اليوم من أجل البقاء في عالم سريع التهاوي والزوال. والصحيح أيضاً أن لا شيء يبقى كما هو في قانون البشرية، وكم بالحري في الطبقة السياسية المتحكمة بالحجر والبشر منذ سنين طويلة!

لا شكّ أنّ المطلوب اليوم أكثر من أي يوم مضى انتخاب رئيس للجمهوريّة لانتظام الجمهوريّة، ولو بالحد الأدنى قبل فوات الأوان. فأين هم النواب الكرام؟ ماذا يفعلون؟ وماذا ينتظرون؟ إنّ الوجع تآلف مع الجسم اللبناني عموماً والجسم الماروني بصفة خاصّة وأصاب كلّ القيادات تقريباً وكلّ الرؤساء تقريباً. إنّ القادة الموارنة مدعوّون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى الحرص الشديد على الميثاقيّة، بانتخاب رئيس لأنّه الركيزة الأساسيّة من ركائز هذه الميثاقيّة، ولأنّ استعادة لبنان وحقوق أبنائه ولا سيما المسيحيين تبدأ من رأس الهرم . إنّ المطلوب اليوم قادة موارنة ومعلّمون في إنهاء الخصومات. المطلوب الياس سركيس جديد يقول لفؤاد بطرس جديد قبل انتهاء ولايته: «لا اريد أن أسمع شيئاً عن تمديد ولايتي».

المطلوب أيضاً قراءة مذكّرة عمرها أربعة عقود من الخارجيّة الاميركيّة إلى الخارجيّة الفرنسيّة حول الأزمة اللبنانية، سلّمت إلى الرئيس سركيس، وتضمّنت انتقادات شديدة لمن اسمتهم «الأمراء الذين يحكمون لبنان ويتحكّمون به، ويريدون العودة إلى حكمه والتحكّم به». تلك المذكّرة في حاجة إلى القراءة اليومية، فما كان مطلوباً قبل ثلاثة وأربعين عاماً لا يزال مطلوباً اليوم. هي بعد هذا التاريخ تتكلّم فيما الناس بعد ثلاثة وأربعين عاماً لا تزال تتألّم.

أيّها النواب، الوقت لا يرحم. والإشارات من الخارج لن تأتي على الأقل في المدى المنظور. وحدها فرنسا تحاول، ولكنّها غير قادرة لا على المستوى الرئاسي ولا بالنسبة إلى خطورة تمدده نحو اثارة الوضع الخطير في لبنان، في ظلّ المخاوف من انزلاق الوضع على الحدود الجنوبية إلى اشتعال حرب. ورغم الكتمان الفرنسي حول ما سيحمله الموفد الفرنسي ايف لو دريان إلى بيروت، فإنّ المحلّلين الكبار والصغار في بيروت غلّبوا الشكوك المتزايدة في امكان توافر فرصة جديّة مختلفة عن المرات السابقة، لاحداث اختراق في الأزمة الرئاسية التي تشكّل صلب مهمة الموفد الفرنسي.

ويبقى السؤال الأهم عما يحكى عن مقايضة بين تنفيذ القرار1701 في مقابل اعطاء «حزب الله» رئاسة الجمهورية؟ لا شيء واضح حتى الساعة ولكني أتذكّر عبارة قالها لي الأستاذ غسان تويني «المنطقة ستكون بقيادة ثلاثية ايرانية – تركية – اسرائيلية».

أيّها النواب الكرام أوقفوا السفر والولائم الفاخرة وحياة الترف وتوجّهوا إلى المجلس النيابي سيراً على الاقدام وانتخبوا رئيساً للجمهوريّة قبل فوات الأوان.

***

*نداء الوطن 29 تشرين الثاني 2023

اترك رد