سعيد غريّب
في الذكرى الثمانين لإعلان دولة الاستقلال، يجب أن يقال وبخاصة للأجيال الجديدة إنّ الأمّة تتذكّر، وإنّ الأمّة لا تنسى. فلا وجود لأمّة تنسى ولا وجود لأمّة لا تتذكّر. وبقدر ما كبر لبنان في عمره الاستقلالي، بقدر ما أصبح يوم ذكرى استقلاله يوم تأمّل في معنى الاستقلال عن العالم، وفي معنى العلاقات مع العالم كلّه، ومع أحداث العالم كلّها التي تؤثّر فيه سلباً وإيجاباً.
نستطيع القول من دون أدنى شك إنّ لبناننا اليوم لا يزال مشروعاً لم يكتمل وقد بقي دولة قيد التأسيس. لبنان فكرة جميلة لم تتجسّد دولة ووطناً، كما نتمنّى، بل هو لوحة شوّهت، بالنظر إلى ما تعرّض له من تدمير منهجي لمعالمه الطبيعية والتاريخيّة. إنه «تابلو» خدشته أظافر اللبنانيين، كلّ اللبنانيين، شعباً ومسؤولين على مدى ثمانين عاماً ولم يعد جائزاً أن نكتفي بشعار دولة الاستقلال لأن المطلوب استقلال الدولة، ترجمة لمفهوم الاستقلال الحقيقي.
لم يعد جائزاً للبنان أن يبقى كما كان قبل ثمانين عاماً، وكما كان العالم قبل ثمانين عاماً. لقد أصبح وطننا مدعوّاً ومضطرّاً ليكون دولة تواجه عام 2023 وعام 2033 وعام 2043، بكلّ ما سيطرأ على العالم من تطوّرات وتغيّرات لا يستطيع وطننا أن يواجهها بما واجه به نفسه والعالم منذ ثمانين عاماً.
إنّ كلّ يوم يمرّ، سواء أكان 22 تشرين الثاني أم غيره، يحمل إلى لبنان أحداثاً لبنانيّة وإقليميّة وعالميّة متحرّكة تلزم لمواجهتها دولة متحرّكة في التصدّي لها، ومتحرّكة في التحكّم بها، ومتحرّكة في الإفادة منها، ومتحرّكة في منع ضررها. إنّ المبادرات الخارجيّة لم تعد تنفع رغم حاجتها، فيما لم ننعم حتى الآن بمبادرات داخلية لأنّها صعبة ومليئة بالتعقيدات. ولا يمكن لبلد مستقلّ أن يستمرّ بالتسويات المفروضة من الخارج كما أنّه لا يستطيع أن يستمرّ بعد حروب هي الأخرى كانت مفروضة من الخارج. حروبه فُرضت فرضاً، وسلمه فُرض فرضاً والتاريخ الحديث خير دليل. بين الأعوام 1958 و2008 فرضت تسويات كلّها خارج لبنان، من «اتفاقية القاهرة» وصولاً إلى اتفاق الدوحة مروراً بالرياض والقاهرة ودمشق والطائف…
في نهاية العام 2023، ربما بدأ يتكوّن لدى عامة الناس انطباع جديد، وبداية شوق لأن يروا وجهاً جديداً للبنان جديد. ويكفي أن يكون الانطباع بأن يصبح للبنان رئيس صنع في لبنان، وأن يكون الشوق لإحداث تغيير أمرين في محلّهما. إنّ اللبنانيين يريدون حكماً قوياً، ويبغون حكماً صالحاً بعيد النظر، واسع الأفق، حرّ التصرّف، نزيه الإرادة، نشيطاً وعميقاً ومفكراً، متمرّداً على كلّ المخالفات والرواسب السياسية والإدارية التي أعاقت وتعيق ولادة لبنان الجديد منذ ثمانين عاماً.
إنّ الذكرى هذه السنة أضافت إلينا نحن اللبنانيين، مقيمين ومنتشرين، حقيقة أننا في وطن يستطيع في كل لحظة أن يوظّف بارقة أمل لكل اللبنانيين في قدرتهم على النهوض والاستمرار.
ويمكن القول وبصوت مرتفع إنّه لولا صمود المؤسسة العسكرية لأصبحت النتيجة المتوقّعة أمراً واقعاً، ما يعني أنّ صمودها اليوم هو أفضل منقذ للبنان غداً وبعد غد. إنّ المطلوب وبإلحاح، أن تتحوّل ذكرى الاستقلال إلى عيد.
***
*نداء الوطن 24 تشرين الثاني 2023