ضحى عبدالرؤوف المل
ترمي ريشة الفنان التشكيلي السوري محمد عارف (Muhammad Aref) المولود في سوريا، إلى تسليط الضوء على الأدب والفن الجبراني الذي يتطلب عمقاً فكريا ومعرفيا، لتكوين المعنى الأوسع لانصهار الأدب مع الفن الذي يتجسّد من خلال العوامل البصرية، لرؤية جمالية تُمثل نوعاً من التحولات الإنتقالية بين النص والصورة، والإيحاء الملهم لاستحضار ما هو معقّد في الأدب الجبراني من خلال موازنات الريشة مع الألوان التي يتحسسها من كلماته، لتكون في تناص يُلهم الريشة العديد من التوليفات اللونية، ليضفي نوعا من الحكمة البصرية على الحركة التي تُعمّق المعنى الجمالي في الأدب الجبراني، المؤدي للبحث عن رؤيته للفن بشكل عام، في الحياة المستمرة من معاني تركها في أدبه وفنه معاً.
فالمحاكاة البصرية هي نوع من التلميحات للأدب الجبراني، والفنون المرتبطة بالتحليل الذي يشمل المنظور الفكري لإنسان أعطى للجمال نفحة البقاء الذي يُمهّد لحضارة جبرانية مكتملة من خلال الأدب والفن معا. فهل للإنعكاس الأدبي تأثيرات بصرية تُشكّل نوعا من الجمال التشكيلي المتنوّع من جيل إلى جيل؟ أم هي إعادة قراءة لواقع حاضر من خلال المتخيّل في الماضي ليكون إنسانيا لغة العصر تشكيلياً؟ وهل من تناضح بصري بين طبقات الألوان ووحدة الخطوط في انفعالاتها لتؤدي دورها في إيصال المعنى الإنساني؟
تعج لوحات «محمد عارف» بالمضمون الفكري المتضمن الحكمة في الرؤية التشكيلية المتوازنة بين التبسيط والتعقيد في طقوس لونية مرنة الأبعاد، لتشمل نوعا من التخيّلات المفتوحة على واقع متعدد بين الماضي والحاضر، وكأن حكاية الحياة تتجدد بشكل مستمر في الحياة التي تتكوّن من عدة عناصر، كما اللوحة التي يترجم من خلالها نهجه الفني، والتفكر بالأدب الجبرني الذي يتولد منه عدة خصائص تزيد من قيمة التساؤلات البصرية لدى المتلقّي، وانطباعاته الحسّية عن العناصر الداخلية والخارجية بمعنى ما هو حسي ومادي من خلال الرسومات، وأبعادها التكوينية من ظل وضوء وفراغات، وهو الذي يمدّ اللون صعودا ونزولا بتناقضات تميل للرومانسية، وإن برز من خلالها تاريخ الإنسان الذي يكرر نفسه بشكل مستمر، وبتجدد ذي رؤى تشكيلية يتوارثها الفنان ويضيء من خلالها على نظرته الخاصة للفن أو لفلسفته الوجودية في توليد لمعاني الجمال الذي يصقله بعيداً عن الخربشات التائهة، لاستكشاف قوة التعبيرات في الأدب الجبراني الذي يؤدي إلى خلق تناغمات موسيقية تجسّد المعنى المتكامل بين الفن بجميع أنواعه والأدب.
فهل من استمرارية في الجمال المنبعث من الحكمة وتعبيراتها في العمل الفني؟ أم هي الإحساس المنصهر مع الأدب والمعجون بطبقات الألوان التي تُشكّل نوعا من النص البصري المرادف لرؤيته للحياة بشكل عام؟ فهل يكتب تشكيلياً بشكل بصري من خلال ريشته؟ أم هي تخليد لمعنى فلسفته التشكيلية التي يستنكر من خلالها انتهاكات الجمال الإنساني في الحياة؟
يستعير محمد عارف من المفردات التشكيلية المعنى التعبيري لتكون بمثابة تشكيلات لعدة معاني هي نوع من الصراعات بين الواقع والفلسفة لاستنتاج قيمة المسعى الإنساني دون أن يتخلّى عن لطشات اللون الأبيض حتى في اللوحات الكثيرة الحركة اللونية والمتصارعة بين الأبيض والأسود وحتى الفواصل الرمادية أو رهافة الألوان الأخرى أو شفافيتها، ضمن نوتات مجزئة أحيانا في بعض اللوحات، كأنه يترك حكايا الشعوب من خلال الألوان، ليستقرأ التاريخ عبر الخطوط والألوان وقوانينها في التعبير عن الإنفعالات النفسية بوجدانية تثير نوعا من التعاطف المؤدي إلى تفكيك القساوة أو الصرامة في اتخاذ القرارات التي تؤدي إلى تجدد الصراعات في العالم إن من حيث الحروب أو صراع الإنسان مع أخيه الإنسان. فهل من رحيل نحو الخلود من خلال روحية المعنى في الفن التشكيلي؟
***
*اللواء- 28 تشرين الأول 2023
*اللوحات من مجموعة متحف فرحات