مسافات:بوحُ الأرض

   منيرة مصباح

 

أطفالٌ.. أطفالٌ…

يَرْتقون الزمانَ وحُزْنَ الأرْضِ

تَجْمَعُهُنّ في المُقْلَتَيْن أُمَّهاتٌ

كَبُرْنَ فوقَ خارِطَةِ المَواسِمِ

يَهْتِفْنَ لِلْقَلْبِ..لأزَهارِ الشَهادَةِ..

يَهْتِفْنَ للفَضاءِ.. لأرْواحٍ طائِرَةٍ

يُخْرِجْنَ النَهار..

فالّذي سَقَطَ اليَوْمَ أوَّلهم

والذّي سَقَطَ اليَوْمَ أصْغَرُهُم

لَهُ الوَقْتُ الوَحيدُ

انه الصاعِدُ من قَلْبِالحِكايَةِ

من قَلْبِ مَسْجونٍ طَليقٍ

اللوحة للفنان الفلسطيني سليمان منصور

 

هذا الفَجْرُ مُثْقَلٌ بأقْمارِ الدَمِ

بالتَفاصيلِ تَشْهَدُ وَقْعَ المِحَنْ

في ظُلْمَةٍ تَنْتَظِرُ قامَةَ النَهار

في صَوْتٍ ناشِزٍ يَنْتَظِرُ في القَصائدِ

يَضيعُ في مَلاحِمِ البَشَر

يَحْتَمي بالشَظايا

يَبوحُ للأرْضِ بانْتِشارِ الوَجَعِ

يَصْعَدُ معه غَيْمًا ماطِرًا لأخرِ الزَمان.

 

فيا بلاد.. يا بلاد

أميطِ اللِثَامَ عن العُروش

وعن فائضِ السُكوتِ

هذا نَشيدُ غَزَّةَ تَسْتَقْبِلُ دَمَها

نَهْرًا من سَحابِ الأمَهاتِ

يَكْتَشِفْنَ الأسْماءَ

يَحْفُرْنَها على كُفوفِ أطْفالِهِنَّ

بقُلوبٍ تَقْتَسِمُ ما بَيْنها

ألَمًا صافِيًا كالبَراءَةِ

 

شَجَرٌ.. عُشْبٌ.. زُرْقَةُ بَحْرٍ

وَحُزْنٌ يُطارِدُ اخضِرارَ الحُقولِ

لكنّهم لا يَسْقطون من كُشوفِ المُدُنِ

فالمُدُن قاتِلة..

أميطِ اللِثامَ يا مُدُنَ الليْلِ

تفَتّتَ الصَخْرُ وانْقَلَبَ التاريخُ على أنْوارِ البَشَرِ

نساءٌ.. نساءٌ..

هَزَزْنَ الأرْضَ حتى تَمَسَّكَ الطِفْلُ بها

قُلْنَ: التَصِقْ بالجَذْرِ يا وَلَدي

انْتَشِرْ بين شَرايينِ هذه الأرْضِ عِشْقًا

فلَسْطينُ دَمُكَ…

وأنا بايَعْتُكَ سَفَرًا في الشَهادَةِ

أُقْفِلُ كُلَّ سُقوطٍ

أَضَعُ دَمي فوق دَمِكَ

ثم باِسْمِكَ أَرْفَعُ هاماتِ الوَطَن

 

طفلٌ وراءَ طفلٍ..

تَحْتَ ضَبابِ القَصْفِ

مُحَنَّى بالنارِ

يَرُشُّ الجُنودَ بدِمائهِ

يَتْرُكُ القَلْبَ قِنْديلًا

على جُرْحٍ تَفَتَّحَ في العَتماتِ

يقولُ للأرْضِ:

 ما عادَ للبَوْحِ يا أم وَقْتٌ

من حِضْنِكِ أَمدُّ الدِفْءَ وأَعْلُو

راجِمًا بالجُرْحِ رُؤْيا المَسَافاتِ البَعيدَة

مُزْهِرًا بالعُنْفُوان

صاعِدًا من خَوْفِ دُنْيا العابِرين

نابِتا كالأُقْحُوان

حامِلًا للقادِمينَ أُرْجُوانَ دَمي

اللوحة للفنان الفلسطيني مصطفى الحلاج

 

كان ما زال يُغَنّي: “الصَباحاتُ لي”

حين قَدِموا يُرَدِّدون هو الوَلَدُ الباقي،

لكنّه غَفا وعانَقَ التُرابَ في الغروبِ

تَناثَرَتْ دِماؤه لتَسْقِي الأَرْضَ والوَرْدَ

كانت الأصْواتُ من حَوْلِه تَغْرُبُ قليلا..قليلا

وسط أنْوارِ الظَهيرَة

صُوَرًا تَعْكِسُ مَساجِدَ وكنائس القُدْسِ

ومَجْدَ غَزَّةَ وبِيْتَ لحم والخَليل

وقَوْسَ حُبٍّ فوقَ أرْضِ فِلَسْطينَ.

 

*ليس هذا أسوأ الأزمانِ في قلبِ الحكاية

انه ليس سوى عمقِ البداية.

اترك رد