يوسف عيد يوقع “تموزيون لكن شعراء” في الرابطة الثقافية-طرابلس برعاية وزارة الثقافة

 

وقّع الدكتور يوسف عيد كتابه الجديد “تموزيون لكن شعراء” في احتفال نظمه “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي” (ناشر الكتاب)، برعاية وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال  القاضي محمد وسام المرتضى ممثلا بالمحامي شوقي ساسين  في قاعة المؤتمرات في الرابطة الثقافية –طرابلس، شارك فيه د. ربى سابا حبيب، د. ديزيريه سقّال، د. سهيل مطر، المهندسة الشاعرة ميراي شحاده رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده، د. يوسف عيد، المحامي شوقي ساسين، وحضره حشد من أهل الفكر والثقافة والإعلام.

قدم الحفل الدكتور جان توما  مستهلا التقديم بالقول: “مساء الخير من أهل تموز لأهل تشرين الثاني المجتمعين في هذه الأمسية، إذ جعل التموزيون شهرهم حاملًا لألف أمل… لذا يأتي الكتاب مذكرًا بالأصول الشعرية الإبداعية في عصر  تدنت فيه مقاييس الجمال. الشعر تجربة  لا تقوم به شاشة أو فسبكة أو واتسابة. الشعر وجه وشعور لا انعكاس وجهك في شاشة ولا برودة في أزرار الكترونية، بل جلجلة نبض ورفّة عين ودقة قلب سريعة وهذيان باسم من أحبّ”.

 

أضاف: “ليست القضية في اكتمال الحواس بل في الرقة والشعور والإحساس. فالكلمة عذارى يولد معناها في الذهن عاريًا ويلبسه المبدع حلّة الكلمات كما في تموزيات. ولو ولدت القصيدة في الشهر السابع إلا أنها كاملة. ولمن لا يؤمن تعال وانظر فالآية الشعرية تتحقق في الأسطورة والرمز”…

 

ربى سابا حبيب

الكلمة الأولى كانت للدكتورة ربى سابا حبيب مما جاء فيها: “للشهادة أحيي، وليس فقط للكتابة والتحليل الذي “نفحات الروح” تقود  عالمه كي يطلع من زمان موروث إلى زمانه الخاص وهو يصغي إلى موسيقى المجرات. الذي يحوّل الأرض قطعة من سماء في عشقه للطبيعة. أمير اللهفة، ورب الفصاحة وحارس المعنى. الذي بصيرته الروحية سراج يضيء قلمه كي يغدو مدرارًا ونداء القلب. ما  أشهى ما تكتب! صديقي كأنك تعيد دندنة الماء في الصخرة أو في جوف الأرض، نعم أيتها السيدات والسادة، الدكتور يوسف عيد يجمع في شخصه أعجوبة الحب ومعجزة اللغة”.

أضافت: “هو الكاتب والأكاديمي والمربي الساعي إلى استثمار مخزونه المعرفي أفكارًا وأفعالًا وتراكم ذكريات عميقة آتية من أرض كورتنا الغنيّة، يعيشها بطلًا وشاهدًا يصوغ بحذاقة الحرّيف حواره الذاتي مع شعرائه فيظلّ حاضرًا في نصّه النقدي كي يلتقط تجليّات الشاعرية. عند قراءة يوسف عيد في “تموزيون لكن شعراء” تنعم بالانفعال الجمالي بالنص وباختراقه المألوف وفي إحلال روحه ودمه والأعصاب في أنفاس الكلم”.

تابعت: “سعى التموزيون إلى استخدام الرموز الأكثر نبلا وبهاء وإلى إقامة حوار مع عالمهم المختلف بغية الارتقائية والتجاوز. هذا ما اتى به السيّاب وأدونيس وخليل حاوي وقبلهم فؤاد سليمان… حين أعود إلى كتاب د. يوسف عيد أجد أن المناخ المسيطر على كتابه هو مناخ تموزي في رصده الذكي لحركتي الموت والانبعاث. هو تموزي أسطوري وحديث في آن . تموزه يستجيب لثقافة شعبه ضمن الحاضنة العربية الكبرى. أخي يوسف! ما مصير العالم لولا صراخ الشعراء؟”

 

ديزيريه سقال

بعد ذلك تكلّم د. ديزيريه سقّال ومما قال: “يحاول د. يوسف عيد في كتابه “تموزيون لكن شعراء” أن يتناول أسطورة تموز في شعر سبعة من شعراء الحداثة هم: بدر شاكر السياب، أدونيس، خليل حاوي، يوسف الخال، فؤاد سليمان، غسان مطر وفؤاد الخشن. وتموز أو تموزي هو الإله البابلي الذي أحبته عشتار، فمثلا في علاقتهما دورة الطبيعة الفصلية ومسألة الخصب في الطبيعة والبشر يقابلهما عشتروت (أو عشتار) وأدونيس الفينيقيّان، وقصتهما مختلفة عن قصة عشتار. لكن مرامي القصتين واحدة تقريبًا، عشتار هي التي ترمز إلى الخصب في حين أن تموز (أدونيس) يحمل معنى الانبعاث”.

أضاف: “ليست مسؤولية تموزية الشعراء جديدة في الدراسات الأدبية، لكن بعض الشعراء الذين تناولهم الكتاب في هذه المسألة جديد: يوسف الخال، فؤاد سليمان، غسان مطر، وفؤاد الخشتز ومع أن كتاب “الشعراء التموزيون” الذي وضعه أسعد رزوق (وكان في الأساس رسالة ماجستير) قد تناول هذا الموضوع إلا أن طبيعة الدراسة في هذا الكتاب مختلفة عنها في كتاب رزوق”.

تابع: “لقد تمكن د. يوسف عيد من إضافة ضوء جديد على رمزية هذه الأسطورة وقيمتها في الشعر العربي الحديث. فإضاءته على غسان مطر وفؤاد الخشن مثلا جديدة، وجديرة بالانتباه وهذا الشاعران لم يفِهما النقاد حقهما على الرغم مما كتب فيهما وعلى الرغم من أهمية انتاجهما”.

أوضح أن “الباحث ركز على ما نسميه “الروح التموزية”، وهي الروح التي حاول أنطون سعاده أن يبثها في نفوس الشباب…  كما يشير إلى أن ما حدا الشعراء على اعتماد  أسطورة تموز هو الإرضاء الروحي لحاجة الشاعر إلى عالم غير منظور من أجل إقامة بعض التوازن بين الواقع والطموح والتعبير عن القلق الحضاري في محاولة البحث عن استقلالية الذات وسط هذا الزحام المادي القاتل”…

 

سهيل مطر

من ثم اعتلى المنبر الدكتور سهيل مطر ومما قال: “احتلّ الخوف الأرض، ولّد آلهة كبيرهم تموز، لاح لسبعة شعراء، ولوح ليوسف عيد، فإذا بهم جميعهم في غليان وغضب. الحروف، الكلمات، القصائد، تتسابق إلى الثورة، يحطمون، يكسّرون، يولدون، إنه الطوفان الأقسى ضد التقليد والجمود والموت. هذا هو الكتاب، أما الكاتب… يوسف عيد، فهو الأساس، وهو الجوهر، فتعالوا، أيها الأصدقاء، نتعرّف إليه باعتقال ملامحه الخاصة، الحميمة، المختلفة والعميقة.

1-هو باحث صبور، مثابر، جلود، إلى حدّ أنني، وبالفعل، أغار منه، من أين تأتي يا رجل بكل هذا الوقت والصبر والجدية؟ كم أنت عميق في زمن السطوح العالمة.

2-هو لاهوتي: تعمق في دراسة الإله: تموز، أدونيس، السيّد، يهوه، الابن الحق، الجمعة الحزينة والأحد العظيم، وأهم ما في لاهوت يوسف عيد هو: قيل لكم… أما أنا فأقول.

3-هو لغوي: يدقق ، ينقح، يفتش، ينحت، يزين الحرف والكلمة. ولكن، هذه الـ لكن في العنوان “تموزيون لكن شعراء” هل هي للاستدراك بمعنى أنهم رغم تموزيتهم شعراء، أم أنها للتوكيد: تموزيون وشعراء، وأما هي تتجاوز ذلك للتعبير عن مواجهة وصراع بين تموز والشعر، حتى في هذه كان يوسف عيد في عنوان كتابه غير شكل ومختلف في زمن التخلف بوضوح وغموض بناء.

4-هو فيلسوف، وإن أنكر وتواضع، فقد عبر في دراسته عن عمق  فلسفي وجودي. هل السبعة هم الفلاسفة أم هو فلسفة؟ إنهم بالفعل يتكلمون مع يوسف، في نظرتهم إلى الله إلى الحياة، إلى الإنسان، إلى الوجود، ولا أنسى أنهم جميعهم أو معظمهم تخرجوا من عقيدة رجل هو أنطون سعاده أي تموز. كم من مرة أعدمنا هذا الرجل ولا نزال.

هو شاعر: اسمحوا لي باعتراف نرجسي إن شئتم، أقف عاجزًا عن فهم بعض أشعار هؤلاء السبعة. قلت مرة لأدونيس في إحدى ندواته، وهو أستاذي ومعلمي، يا أخي الكبير، لم أفهم، أجابني: ومن قال لك إن الشعر ولد ليُفهم؟ هذا موضوع كبير وصعب، لنتركه للآتي من الأيام.

لكن، أنا أؤكد، لا يمكنك أن تكشف لعبة الشعر إلا إن كنت أنت شاعرًا ، واعترف بصدق أن هذا الرجل، يوسف، كثيف النبض الشعري إلى حد أنه يستطيع أن يرسم وشمًا على رئة الصباح”.

 

ميراي شحاده

بعد ذلك تكلمت المهندسة والشاعرة ميراي شحاده ومما قالت: “وشم على رئة الصباح” وبوحِ مواعيدِ فجرٍ وأسرارِ شاعرٍ يوسفيّ كورانيّ جوّال، يحطّ عصفورُه الدوري على فنن آخر وسيمفنويّة تمّوزيّة يعزفها مفتتحاً إيّاها على صوله العالي المجيد، لا تطالها سلالم، شرقيّة عربيّة هي ديادنها، وممتلئةٌ زاخرةٌ بذاكرة سبعة من الكبار وسنابلِ قمحهم المدرار؛ نثروا ذرّاتِهم الولهى فأضنت حروفهم سياج الوجود وأرّقت أحلامهم قوافل الريحفانتقلوا بنا إلى كونهم الرحيب لا بل إلى روض عطور وجدهم تفوحاليوم مياسمها من البعيد البعيد”.

أضافت: “وها قد بقيَت أصابعي الصغيرة تلوّح لشاعر تمّوزيّ آخر عبر نوافذ الماضي وتدوّن بصماتِها على البلور. لم تستطع أيّةُ مساحيقْ محوَ هذا الخفق الشجيّ في البحث عن روحه… فبقيتُ، رُغم السنين المكدّسة في دفاتري، بقيتُ  طفلته التي تقفز على حفافي الأساطير وتطارد فراشاتِه وتصنع ربيعَها وتلوّن جلنارها وتدغدغ أحلامها على وقع خطاه: أو ليس هو القائلُ: “ستدفنني أيدي المَنونِ بتربتي ويبعثني شعري فأحيا اللياليا””.

تابعت: “نعم، هذا التمّوزيّ،هو عبدالله شحاده، المنبثق من رحم قوافيه  بقِيَت ناياته تعزفُ في مسامعي حتى جعلتُها أركسترا للريح، وللمطر، تُومضُ من الثرى نجومًا ودواوينَ وحقولَ معارفْأختال بينها بخفر ورغد فضاقت بي الأمكنة…فإلى جزء ثانٍ من ” تمّوزيين هم شعراء”  تفترّ مواسمُ أخرى من محبرة يوسف عيد يلتمع فيها إعصار شاعر الكورة الخضراء”.

 

يوسف عيد

من جهته ألقى الدكتور يوسف عيد كلمة شكر فيها الحضور وقسمها إلى ثلاثة: الكلمة الأولى كيف بني الكتاب، الكلمة الثانية تحية شكر للدكتور جان توما الثالثة تحية شكر للمنتدين.

 

شوقي ساسين

في الختام ألقى ممثل وزير الثقافة المحامي شوقي ساسين كلمة مما جاء فيها: “ها أنذا على شاطئ الكتاب، تلفح وجهي نسمة مالحة تهبُّ من العنوان الذي استفزّ في وسطه استدراك “ولكن” حاجزًا بين تموز والشعر. ولقد كدت عنده أن أمسك دهشتي بالقبضتين، لولا أن نمّت المقدّمة عن المعنى المقصود، عبر المقابلة التي احتوتها بين موقف الحداثة وموقف التراث من علاقة الشعر بالفلسفة. تلك مسألة جديرة وحدها بنقاش مستفيض، لكنني انطلق منها لأكرر ما اعتقد به من أن الشعر تموزي بطبيعته، لأن كل قصيدة بحد ذاتها خلق آخر للوجود، ورؤية معرفيّة متجددة على الدوام، لا بالكتابة فحسب، بل بالقراءات المتعددة لها،، حتى لتضع أشياء الحياة على شفا حُرفٍ هارٍ بين الفوضى والنظام. وفي هذا انتساب لها حميم إلى الفلسفة، وإن جاء خاليًا من التنظير المدرسي ومستمسكًا عوض ذلك بقيمة الحرية. هكذا أيضًا عرفها التراث مع حداثويين تاريخيين، لعلّ أشهرهم أبو نواس”…

أضاف: “ومن على شاطئ الكتاب أيضًا تتدافع أمام عيني كأمواج البحر أسماء الشعراء الذين تناولهم البحث، فإذا كلهم، باستثناء الستاذ غسان مطر، أطال الله عمره، من أركان مجلة شعر، وهذا أورده المؤلف بشكل واضح، مبيّنًا أثر هذه الحركة الشعريّة على كلّ مفاهيم الحداثة بمختلف تجليّاتها”.

ختم: “مهما يكن من أمر، فالكتاب فتح في عالم البحث الأدبي، تجدر قراءته، إنني أهنئ الدكتور عيد على جهوده الأكاديمية التي تكشف عن أصالتها في هذا الكتاب، وأشكر الأستاذة ميراي على عطائها الثقافي الباذخ، وأنقل لكم في النهاية تحيات معالي الوزير”.

 

اترك رد