الحكمة الجبرانيّة في لوحات الفنان محمد قباوة

 

 

 

    ضحى عبدالرؤوف المل

 

يُوظف الفنان التشكيلي “محمد قباوة” الحكمة الجبرانية في تأملات فنية يمنحها نوعا من الإرتقاء الإنساني في رسومات تتشكل فيها أبعاد كلمات يقول فيها جبران خليل جبران ” بيد أن المقيد فيك بالزمان يعرف حقيقة أن الحياة لا تعرف حدود الزمان.

وأن ليس أمس سوى ذكرى اليوم،/ وليس الغد سوى حلم اليوم.” فتتبلور دفائن الإدراك الفلسفي الجبراني عبر الحركة الدائرية بتفاصيلها التكوينية. لإظهار العمق الجمالي الذي يجمع من خلاله بين اللوحة والكلمة، لاستكشاف كنه الحياة التي استبطنها بالتأويلات البصرية. لتتواءم مع التصورات الرؤيوية بأبعادها الجمالية، ونسقها المجازية التي تسمو مع الأشكال الدائرية في غالبها في التفاتة لدورة الحياة التي تبدأ من نقطة وتعود إليها في خلق مستمر لصور حياتية تختلف وتنسجم، وتتقارب، وتتناقض، وتختصر الموازين المضمخة بالخير والشر والفضيلة والرذيلة، كي لا يصطدم البصر بالتصدعات التي تتمثل بالإنتظار والتكرار، والتجدد والعودة للإنسان للحياة التي يخرج منها دون معرفة بأسرارها الزمانية، وتشكلاتها المكانية، دون الإصطدام بمنطق الأشياء التي يمنحها بعداً فلسفيا متناغما مع مقولات جبرانية ينتزع منها القوة التعبيرية المُتهادية بين الخطوط اللونية، واشراقاتها المرخية مع الأزرق الاحتضاني، لأخضر وبرتقالي وبين الألوان الثابتة والمركبة.

 

يتقن” محمد قباوة ” خلق التفاعلات التي تسمع بالربط بين الكلمة والشكل والسياق التصوري، لتقاسيم الفعل ومؤثراته على المعنى البصري ما بين التعابير الحسية والأخرى التشكيلية دون اختلال في الموازين المشحونة زمنيا بالعودة الجبرانية دائما. لتختال العناصر التشكيلية فرحاً بما انجزه الإنسان في الحياة.

إذ يقول جبران ” إن فرحكم هو ترحكم ساخراً. أليست الكأس التي تحفظ خمرتكم هي نفس الكأس التي أحرقت في أتون الخزاف قبل أن بلغت إليكم، فأنا أقول فالحق أقول لكم: إنهما توأمان لا ينفصلان، يأتيا معا ويذهبان معا.

“فهل من تداعي فكري بين ما هو تخيلي في الكلمة وما هو مُتشكل في اللوحة؟ أم الإنطباعات الذوقية تختلف من ريشة لريشة وإن غُمست بالتصورات الشاعرية والفكرية والبدائع الجبرانية تحديداً؟

 

تشكيل فني جبراني يوحي بالغايات التي بثها جبران” خليل خليل جبران”” في الحياة التي لم يتركها، وإنما يعود إليها مع كل كلمة تركها أمامه، وهذا ما منحه قباوة دائرية تُعيد للزمن الجبراني وجوده القوي والفعلي، وبأشكال متقاربة يصوغخها معياريا بتناسق بصري يُشكل نوعا من الإستحضار الدلالي الراسخ جماليا في الأدب والفن حتى عند جبران خليل جبران الذي أدرك قوة الخط في الكلمة والرسم والاتجاهات التي تتوازن عبرها المفاهيم المختصرة في الحياة التي يتم تحديثها فقط. فهل من عبثية في التداعيات التشكيلية التي رسمها قباوة من الأقوال الجبرانية؟ أم هي مكونات فنية تتشظى من خلالها الأشكال والألوان المجبولة بلعبة الظل والضوء في الفن التشكيلي؟

 

يُشكل “محمد قباوة” المعنى الجبراني عبر تصورات يغذيها بالألوان المُترجمة للأحاسيس الشاعرية المنتفضة على الواقع الذي يوليه زمناُ فيزيائيا هو الخروج من بوتقة الواقع للتماهي مع الضوابط الفنية للوحة ومراعاة الإنسجام بين الأصول الموضوعية في تشكيل الفعل الرمزي الذي انطلق منه عبر المعايير والمقاييس التي تجمع بين الدوائر واللولبية ومعنى الوقت والمكان وقوة التجدد وفق اللإستدلالات التي اعتمد عليها بعيداً عن الإفتراضات مستدركاً المعنى والمبنى في الطرح البصري الذي يمكن له أن يكون نوعا من المحاكاة بينه وبين المتلقي وجبران خليل جبران وإن بصياغة متبحرة حقق الغايات التشكيلية منها لتستمر الحكمة بين الفلسفة والأدب والفن وبتفرد خاص لكل ريشة رفعت العلم الجبراني في الفن.

***

*اللوحات من مجموعة متحف فرحات.

 

اترك رد