إلّا وطني.. إلّاك فلسطين

 

 

  د. طلال أبوغزاله 

 

(مفكر عربي ومؤسس مجموعة أبوغزاله العالميّة – عمّان)

خمس وسبعون سنة.. مضتْ على النكبة التي أخرجتني من وطني الحبيب “فلسطين “، لا زلت أذكر أدقّ التفاصيل وأنا طفل في العاشره من عمره تسحبه يدٌ حنون، ملتاعة، ومفجوعة ومعه قافلة العائلة التي خرجت لأيام دون أن تصحب معها أيّ زادٍ وزوادات ليقينها أن العودة أقرب من بياض العين لسوادها، ولم تكن تعلم أنّ الأيام الموعودة ستصبح أعواماً مُرّةً، عرفنا بعدها معنى النزوح، ومعنى اللجوء، ومعنى الحرمان..

البارحة فقط توقّف التاريخ عن العد.. ليكتب التاريخ تاريخه، بأقلامٍ فلسطينيّة، توقّف الزمن عن هدر الزمن الفلسطيني وضبط “عقارب ” العالم أجمع على توقيت العودة الفلسطينيّة لمنصّة الشرف، لتجسيد البطولة، بكامل أدوار الكرامة والعزّة والكبرياء..

لم ينقص الفلسطيني شيئاً من الحنكة العسكريّة ليثبت للعالم أجمع، أنه صاحب عقل مدبّر، تفوّق ببساطة ما لديه على جميع الأجهزة المُدجّجة بخوارزميات الذكاء الأصطناعي والتقنات الحديثة، أثبت للعالم أجمع أنه صاحب الإرادة التي لا يثنيها عن إرادتها ترهيب، أو موت، أو معتقلات مفتوحة على الدوام..

أثبت للعالم أجمع أنّ الرجال من صلب الرجال “صنيعة ” فلسطينيّة لا تعرف التهجين، ولا التدجين، ولا الإنحرافات، ولن تبدد جيناتها جميع الحملات الطارئة على المجتمعات “الملوّنة ” رغم جميع المحاولات  لتشتيت الذهن الفلسطيني عن كيانه الحرّ الأبيّ، وعن عشقه لأرضه، وعن هوائه الأنقى على وجه الأرض،  تلك الأرض التي كانت مهد عيسى وأمّه البتول سلام الله عليهما، ومسرى الرسول الكريم صلوات الله عليه، وقد تركوا للأجيال ودائع رسالاتهم الإلهيّة العظيمة في الأقصى المُبارك، وكنيسة القيامة الأسمى..

ماذا أقول ودموع التجوال عبر طرقات وشوارع وزواريب فلسطين كانت تغالب حسرتي المزمنة التي ورثتها عن والدي الذي مات وآخر ما سلّمني مفتاح “الدار ” الكبيرة الواسعة، درانا السليبة في فلسطين والذي وضعته بحرصٍ شديدٍ داخل لوحة شاهدة على الأنتظار في مكتبي حتى يومنا هذا، وأشهد أنه لم يتحرّر هذا المفتاح إلا في 7/ 10 / 2023 ..

كم أشعر باقتراب المسافة بين هذا المفتاح “الوثيقة “، وبين بابه الصامد في “يافا “، حيث مدينتي، وطفولتي،  وذاكرتي السعيدة الهانئة الأولى..

فلسطين اليوم تشغل انظار العالم أجمع، فلسطين اليوم حرّكت أساطيل القوّة الأميركية المدعومة بانحياز

الإتحاد الأوربي كاملاً دون قيد أو شرط..

فلسطين اليوم استقدمت بجرأتها وشجاعة فرسانها ترسانة السلاح الأميريكي الأحدث، فلسطين اليوم وحّدت  جميع المتابعين والمراقبين والمحللين والسياسيين والعسكريين والإعلاميين، على عبارة واحدة، -“حِراك فلسطيني عسكري غير مسبوق ” -..

فلسطين اليوم بفئاتها الصغيرة أرّقت مقام العالم ومنامه، بتحدّيها للموت تحت وابل آثم من القذائف  والصواريخ غير آبهة وغير مكترثة بالموت، لأنها مؤمنة بالحقّ، ومؤمنة بالعدل، ومؤمنة بالشهادة، ومؤمنة  بالحياة، ومؤمنة بالهزة والكرامة والشرف والتحرير..

تردّدتُ كثيراً في الكتابة التي لا أملك لها هنا سوى الكثير من العواطف، فمن المُبكّر جداً أن أستسلم لمشاعر الغبطة التي سادت شباب العالم العربي أجمع، وأنا رجل العقل والفكر والتدقيق والتأمّل والهدوء والتروّي والتريّث والحكمة، لكنها فرصة جديرة بالتعبير لمناسبة استثنائيّة انتظرها لعمر طويل، وصبر كثير ملّ صبره.

فلسطين اليوم، بلد يحتاج أن يثبت للعالم أجمع أنه حرٌّ ومستقلٌّ لينال التأييد من كلّ حدبٍ وصوب، ولا يمكن أن تختلف بوصلة الفصائل الفلسطينية بعد اليوم، بل يجب أن تلتقي على الثوابت التي أهمّها فلسطين، ولتذهب المناصب والغنائم والامتيازات إلى الجحيم.. فيتنام تحررت من أعتى محتل في العالم بفضل تفاهمها وتضامنها وثوابتها، وهذا ما تحتاجه فلسطين اليوم، الكثير من التفاهم والكثير من التنسيق والكثير من الإخلاص، وقتها ستضمن الحرية وتضمن الإستقلال..

دعكم من العتب على أيّة جهة لم تلتفت إليكم ولم تحرّك ساكناً لأجلكم، إنها فلسطينكم.. وطنكم أنتم، عزّكم أنتم، قراركم أنتم، مصيركم أنتم، وكلّ سطر تكتبونه بإرادتكم وعزمكم وتصميمكم سيكون لمستقبلكم

ومستقبل أبنائكم وأبنائهم وهكذا..

الكلام الذي أودّ أن أقوله كثير وكثير جدّاً .. لكن أعلم أنه لا وقت لديكم لقراءة المطوّلات، لهذا سأكتفي بالقول.. سدّد الله خطاكم أولادي الأحبّة وأيّدكم بجندٍ لن تروها وأكرمكم النصر القريب.. إنه على كلّ شيء قدير. “ان لله أقواماً إذا أرادوا أراد “.

***

خاصّ – إلّا –

اترك رد