“حركة الريف الثقافية” تكرم مؤسسها الشاعر محمود نون في أربعينيته في بعلبك

 

 

أقامت “حركة الريف الثقافية” حفل تكريم لمؤسسها الشاعر والروائي محمود أسعد نون، في قاعة “مجلس بعلبك الثقافي”، بحضور محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر ممثلاً برئيس قسم المحافظة دريد الحلاني مفتي محافظة بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي ممثلاً بالشيخ محمد جمال الشل، رئيس بلدية مقنة فواز المقداد ممثلاً رئيس اتحاد بلديات بعلبك شفيق قاسم شحادة، رئيس المجلس حاتم شريف، ونخبة من المثقفين ورجال الفكر والأدب.

وعرفت الحفل مسؤولة النشاطات التربوية في “حركة الريف الثقافية” ريما أمهز مشيرة إلى سمات المحتفى به ومسيرة الحركة وأبرز محطاتها.

زغيب

وأكد رئيس “اتحاد الكتاب اللبنانيين الياس زغيب أن “محمود نون الشاعر الروائي الباحث الناقد لا يغيب، وان سترته بعض الحجب، ذاك الأديب اللبناني العربي، والمثقف الناشط، وقد أثمرت جهوده في لبنان ودول العالم العربي، وخصوصا في بقاعه، أسس حركة الريف الثقافية منارة، فحمل ريفه الى بعلبك الدهشة، وحقن عروقه بإكسير الصوت ليحيا بنبض الثقافة والإبداع”.

وأردف: “حين تلتقي من سبقونا أخبرهم أيها الأديب الطيب أن لبنان ليس بخير، وأن عملاء الداخل دعاة التفرقة والتقسيم المستثمرين بالطائفية البغضاء لمآرب خاصة أخطر مما يحوكه الخارج لهذا الوطن الجريح. أخبرهم أننا ساحة مباحة لآراء الفساد ولأصحاب المشاريع المشبوهة الذين يقامرون بوحدة البلد بهدف الوصول ولو على أشلاء المبادىء، فيضربنا الإرهاب حينا، كما فعل بالأمس في حمص الحبيبة، وتهدد العولمة هويتنا الثقافية والوطنية أحيانا”.

وتابع: “لقد عملتم أيها المحمود على التربية على القيم الإنسانية وعلى الثقافة وترسيخ جذور الإنسان في أرضه وحضارته الفريدة”.

واعتبر ان “الوعي والثقافة هما الحل لتعزيز شعور المواطنة والانتماء ولترسيخ المواطن اللبناني والعربي في أرضه والدفاع عنها كما يحدث الآن في فلسطين”.

وختم: “ما جئنا اليوم نبكيك ولا نرثيك يا محمود، بل جئنا نعاهدك أنا على الوعد باقون وان الدموع التي أحرقت قلوبنا يوم رحيلك سنشعلها حروفا تضيء طريق السالكين نحو الحق والحقيقة وكرامة الانسان”.

الحوراني

وبدوره سأل رئيس “اتحاد الكتاب العرب” في سوريا الدكتور محمد الحوراني: “هل يموت الشاعر وينتهي بهاء حضوره وإبداعه بيننا؟ هل في ارتحاله سوى القصص والحسرات والفقد والاسى؟ وإذا كنا نتساءل عن موت الشعراء مقرين انهم أحياء في ضمائرنا فلمَ نحزن على رحيلهم؟ ولمَ يعتصر الحزن قلوبنا على فقيدنا الشاعر محمود نون؟ ألأنه لبى نداء القدر أم لأنه أدى الأمانة؟ أم لأننا نحس أنه لن يتحفنا بجديد ابداعاته بعد اليوم؟ إن حزننا على أديبنا الخالد خلود الحرف والنبض، ما هو إلا دليل على خسارتنا له وهو في أوج العطاء، وفي ذروة التجلي عبر رحلة الغار والجلجلة من وادي عبقر إلى منصة النجاة، إلى النبوءة واقتراف إثم الكتابة على جدار الأمنيات؛ رغبة منه في تخليص أمته من كثير من المصائب والرزايا التي أصابتها، أو التخفيف منها، إيمانا منه بأن الشاعر رسول للمحبة والسلام، زارع ثقافة المقاومة التي لابد أن يأتي اليوم الذي نقطف فيه ثمارها نصرا وتحريرا”.

وأضاف: “إن الحرف والكلمة سيظلان عزاءنا الأنبل في وداع الطيبين الأنقياء، كيف لا، ونحن نودع قامات إبداعية نكن لها كل تقدير ومحبة وكل احترام وود ونقاء”.

حسن

وأكد الدكتور محمد حسن في كلمته باسم رئيس “الحركة الثقافية- انطلياس” الدكتور أنطوان سيف أن “الصديق الشاعر والقاصّ والمعلّم والمثقّف الناشط محمود نون، باقٍ في القلوب وعلى الصفحات يتباهى به الحرف والتاريخ”، مشيراً إلى أن”حركة الريف الثقافية حاولت أن تمخر، بأنشطتها المتنقلة في كل قرى البقاع، مسافات كبرى جاعلة من الريف الواسع الأرجاء وعاء ممكناً لاستقبال نمط غير معهود من الأنشطة الثقافية والتفاعل معها، وكانت بمسلكيتها هذه انتقاماً فكرياً راقياً وتمرداً تنموياً على واقع الإهمال والعزل الذي عاناه مجتمع الريف وترسّخ في الأذهان على طول المراس. حركة جوّالة انضمّت بهذا السلوك الوطني الملتزم إلى زميلاتها الثقافية اللبنانية الفاعلة بخاصة، وهي قلَّة، وفي بعض الأنحاء نادرة، بعكس ما يُشاع ويُظن”.

وقال: “لقد مارس محمود نون ورفاقه الثقافة كمعركة عنيدة وناعمة انطلاقاً من بعلبك ورمزيّتها في المهرجانات الفنيّة التي زرعت رؤى جديدة أراد أن يحاكيها ولا يتنازل عنها، ثقافة حديثة شاء أن يبني بها وحدة مجتمعية بآفاق وطنية عاتية على التصدّع، مستدامة. هذه هي القيمة الإضافية لعمل حركة الريف الثقافيّة التي كانت مسيرتها الراقية معبّدة بالإنتصارات المضمَرة على معوّقات راسخة، ثقافيّة – اجتماعيّة. لذا لم تأخذ ما تستحقه من الاهتمام الإعلامي، على الرغم من إنجازاتها بالعمق”.

ترشيشي

وألقت نوال ترشيشي كلمة “حلقة الحوار الثقافي”، فقالت: “المفكرون لا يموتون يرحلون جسدا ويبقون أحياء خالدين بأفكارهم وتطلعاتهم الإنسانية، فنحن من يكرم بهم بدعوتنا لاحتفال الوفاء لهم ولمسيرتهم الفكرية الزاخرة. وفي هذا الاحتفال التكريمي نخلد الإنسانية والقيم والمثل والمبادئ الوطنية والقومية التي جسدها الشاعر والأديب الدكتور محمود نون في حياته”.

وأشارت إلى أن الفقيد “كان محبا للعلم والعلماء، عرف بدماثة أخلاقه، فقد كان كبيرا في علمه وعمله وصفائه، وكان جدول عطاء وتضحية وقدوة، ونموذجا ومثالا يحتذى في البساطة والوداعة والرقة والعطف والحنان وسمو الأخلاق وطهارة النفس والروح، ونقاء القلب والعفوية والتسامح، وأعطى كل ما لديه بلا حدود، دون كلل أو ملل، في مهنة ورسالة هي من أصعب المهن وأهم الرسالات، رسالة العلم والتربية بكل ما تحمل في طياتها من المعاني التي في صلبها بناء الإنسان وبناء الوطن والمجتمع”.

مخول

ورأى “رئيس مجلس قضاء زحلة الثقافي” مارون مخول أن “الشاعر محمود نون غزل حبات العقيق بسحر قلمه الساطع، وارتحل في قلق الذات بروحانية صرفة، تهجر مداد المغارب والمشارق، ولا تستكين لعقارب الزمن الراكض خلف لهاث الغيم، هو الشاعر المرتقب لأجفان الضوء، والرحال المتقد بشرارة المغامرة في مساحات الغيب، والباحث التربوي والمعلم الرسول والقلم المزهو بأطلال السنونو المهاجر عبر الاحلام”.

وتابع: “الشاعر محمود نون خضب كفه من طبيعه تلك الأرض الساحرة، وسدد حروفه في وجه السدود العالية، وكتب عن أعمال أدبية وتراثية خالدة، وكُتب عن شعره ونقده وأدبه الكثير من الأبحاث، ولم يهجر فلك النور حتى بعد أن انطفأت شمعة حياته، بل عاش وما زال في كل قلم حر وفكر نبيل”.

الطفيلي

وتطرقت أمينة سر “نقابة الفنانين التشكيليين والحرفيين” في البقاع الفنانة الدكتورة خولة الطفيلي إلى محطات معرفتها بالشاعر والأديب الراحل “فمن حسن حظي أنه كان أستاذنا للغة العربية في المرحلة المتوسطة، وفي إحدى الحصص اقترب مني فوجدني أرسم على مقعد الدراسة، ظننت أنه سيوبخني، إلا أنه قال ليبهدوئه المعهود جميل يا خولة، اكملي الرسم يبدو أنك فنانة، يبدو أنك فنانة، لكن دعي سمعك معي، يا للرقة والعذوب، ويا للسعادة التي غمرتني، بكلمات قليلة جعلني أثق برسومي وأحب اللغة العربية. وتكررت لقاءاتي به بشكل متقطع، في الندوات والمعارض وجلسات البيوتات الثقافية، إلى أن التقيته بعد سنوات حين عرضت أعمال “الأكواريل” والتي كان من بينها “بورتريه” للراحل العزيز، وحين أردت أن أزوره لأحمل له رسمه الشخصي، سبقني بلباقته المعهودة، طالبا أن يقوم هو بزيارتي رغم الإعياء الذي كان باديا عليه وأهداني دواوينه، وقنديلا من الزيت، والتقطنا الصور معا، واوصاني أن لا أقوم بنشرها قبل رحيله، والمحطة الأخيرة كانت باستضافة حركة الريف الثقافية لي لعرض تجربتي الفنية وأطروحتي التي أنجزتها لنيل شهادة الدكتوراه ومنحني درع الحركة، وفي كل مرة كان له سحر ودفء الحضور الإنساني النبيل”.

وختمت: “محمود نون أيها الشاعر والأديب، أيها اللبق الحذق الذي عليك ان تصغي له بكامل صفائك، أيها الأستاذ والصديق الهادئ كنسمة صيف، أيها المتعملق على جدار المعرفة التي وزعتها لأجيال عاشت في زمنك الجميل، ارتح ولا تتعب قلبك الجميل أكثر، فلقد بلغت مبتغاك، وبلَّغت، وستبقى أشعارك حية لأنها أنشدت للأرض وأهل هذه الأرض، وسيبقى زرعك برعما على ضفاف الأنهر الولهى بالثقافة والعلم والمعرفة، وسنخبرهم أنك ابن بعلبك، وأحد أركان ثقافتها الضاربة، وستبقى في قلوبنا ذاك الرجل الجميل الرصين لأننا سنراك بين طيات روائعك بيرقا يتهادى بين حروفها وجميل ما كتبته”.

أبو إسبر

وألقى الزميل محمد أبو إسبر كلمة “منتدى بعلبك الإعلامي” معبراً أن “محمود نون كان مدرسة في الوطنية، وقامة عروبية ترعرعت في مدينة الشمس، ولامست في أشعتها كل مساحة الوطن. أتقن وسم قصائده بمداد دواة نورانيَّة، وخطَّ الحروف من ومضات قلبه، وتجلِّيات فكره النيِّر”.

وتابع: “لم يهادن مرض قلبه طيلة عقود، وبقي قلمه ينضح علما وحكما ومواعظ وحبا، ولم يُقعِده عن الوصال تعب”.

وختم: “عزاؤنا أنك تركت أجمل الأثر، وستبقى رايتك التي حيكت بطيب خصالك، خفاقة على روابي الوطن، وستبقى كما عنونت في البدايات: النهر أنت، والبحر مداك، وسوف ننتظر العودة لملامح روحك الطاهرة، على مقربة من نوافذ المطر، وعلى الشرفة التي تسامر الضؤ، عسانا نراك ملاكا محاطا بالبجع الأبيض، تشفي بلدنا بعلاجك الروحاني وأدواته، فلا قلق على الذات الشاعرة إن كانت من عنديَّاتك، لأننا كنا ولم نزل، نسبِّح الخالق بما جدت من حبات العقيق. وربما غيبت قصدا عن النشر، روائع مقالات نحار في تصنيفها مع أي الجواهر تحتسب، ولكن أنا على يقين بأن نتاج الشاعر محمود نون سيبقى الزيت لإضاءة قناديلنا، لأنه من شجرة طيبة، ولأن ديدنه العطاء”.

زيتون

وأكد رئيس “الملتقى الثقافي الجامعي” الدكتور علي زيتون أن “محمود نون كان وجوديا حتى في نشاطه الثقافي، فكانت حركه الريف الثقافية تضع في تصورها المستقبل، وتعمل على الوصول إليه وإنجازه،  والريف سنة التأسيس كان شبه خال من أي نشاط ثقافي فعلي تقريبا، والثقافة كانت من حيز المدينة وحدها، لذا كان نشاطه منصبا على إنماء الثقافة في الريف، لأن نظرة محمود نون كانت جذرية تبدأ من معالجة ادق مكامن الخلل في المجتمع”.

وأضاف: “حركه الريف التي أسسها محمود نون هي حركة ولادة، والملتقى الثقافي الجامعي ابن شرعي لحركة الريف، وهو يسعى لكي يكون مثلها ولادا بدوره لحركات جديدة. ومحمود نون ما زال حيا يتسرب عبر شرايين الحركات الثقافية وعبر أنفاس المثقفين والمشتغلين بالثقافة، وسيستمر تسربه إلى أجيال قادمة، استطاعت عينه الثقافية أن ترصدها منذ اليوم الأول لتاسيس حركته. إنه مدرسة صامدة ثابتة وصابرة بشرائعها وتطلعاتها. وليس غريبا أن ياتي مثقفون بعد جيلين أو ثلاثه أجيال ليدرسوا كيف وصلت هذه الحركة إليهم”.

وقال زيتون: ” انه وجودي المذهب، غمس ريشته في قلق الذات الشاعرة، وأنشأ نقدا يخصه دون غيره من النقاد، إنه مدرسة في النقد، كما كان مدرسة في الشعر وفي القصة، وهو إلى ذلك لقد رصد سحابا فوق الرمال، فكان قارئا الفلسفة كما كان قارئا الشعر العربي. محمود نون حال لن تتكرر، فلندرسها جيدا، ولنتعلم منها الكثير الكثير”.

مظلوم

وألقى الدكتور حسن مظلوم كلمة “مجلس بعلبك الثقافي، متوجهاً إلى الشاعر المكرَّم: “انت الآن هنا يا محمود، بين أهلك وأصحابك، فاصعد نحو عليائك إلى العمق الواعي في شعرك، كن مطمئنا قرير العين وهادئ البال، فأهل السياسة والفساد الذين برمت منهم ليسوا هنا، لا مكان لهم في حضرة الثقافة والإبداع، لا مكان لهم في فرادتك وغربتك عنهم، لطالما كنت حرا طوافا في عوالم الإبداع، مطلقا بهدوء نقمتك عليهم، وكانوا غارقين في نهبنا وتجويعنا وانهيار البلد. قدمت لنا رؤيتك وتجربتك الإنسانية في السياسة والدين والمرأة والعادات والتقاليد، فكنت جزءا حيا مشعا في هذا الوجود، فأنت الأديب والشاعر والأستاذ والمثقف والإنسان العاطفي الواعي، المنقلب على منظومة القيم الفاسدة، فهي السبب في تخلفنا وعزلتنا الأخلاقية وتفتتنا مذهبيا وطائفيا وقبليا ومناطقيا، أنت أردتنا بشرا مواطنين أحرارا في دولة، في مجتمع إنساني لا أغنام في قطعان”.

وختم: “استثمرت في الثقافة والشعر والإبداع، فأسست ورفاقك حركة الريف الثقافية، وأعطيت للريف نكهته وأوفيته حقه، فكانت حركتك علامة فارقة في بعلبك وبقاعنا ولبناننا، وبعلبك المتعثرة إنمائيا اخضوضرت ثقافهدة وإبداعا وحضورا بك وبحركة الريف الثقافية التي أسست”.

الهاشم

ورأى رئيس “حركة الريف الثقافية الأديب والشاعر الدكتور الياس الهاشم أن “محمود نون الذي لطالما استل كلمته الحرة والأبية من غمدها مقاوماً الغزاة وكل قوى الظلام، تزامنت أربعينيته مع فجر يبزع على الأمة بطوفان الأقصى الذي يواجه المحتل، ويمهد لاقتلاعه من أرض القداسة والطهر”.

وأردف في قصيدته المحكية: “محمود، يا كمشة عطر، ع كركي العين مقطّرا، يا نهدة حبر، ع لوح الحلا مسطّرا، يا صرخة فكر، يا لوحة شعر، بِ نبض القلب مأطّرا. ع زند الريف، ريفك غفا، يا قنديل الوفا، زيتك الصافي معصرا، بِ غيبتك تنوّس القنديل ب “حربتا”، وببعلبك اليوم، تشعشعوا قناديل حول المقبرا”.

نون

وألقى الدكتور زياد محمود نون كلمة العائلة مشيرا إلى معاناة والده الصحية في القلب “الذي كان يزداد اتساعا مع الأيام، فتزداد مشاكله، مواجها الموت مرات ومرات، مما شكل رؤيته الخاصة للحياة والموت، للزمان والمكان، ولحركة الإنسان وعبوره في الحياة، فانعكس ذلك في شعره وأدبه، مؤمناً أن الكلمة رسالة، وان الحروف سفينة إلى النور والخلاص”.

وتابع: “أضاء أبي قنديلاً في البقاع الشمالي اسمه حركة الريف الثقافية، التي غدت محرك الثقافة الأول في هذه المنطقة وموئلاً للمثقفين والمبدعين، قنديلاً رفد نوره كل الحركة الثقافية في لبنان”.

وختم: “رحل أبي تاركا لنا كتبه الملأى بالكنوز، وترك لنا أيضاً محبة الأهل والأصدقاء، وهذه الجواهر الكريمة من رجال الأدب، شكراً لكم من الأعماق على هذا الحب والوفاء”.

اترك رد