لقاء لملتقى التأثير المدني عن “لبنان والمادّة 95 من الدّستور: أساس وقف تسييس الدّين وتديين السّياسة”

تابع ملتقى “التأثير المدني” قبل ظهر اليوم مسار “الحوارات الصباحيَّة” الشهريَّة بعد العطلة الصيفية، بانعقاد اللقاء السادس في فندق “جفينور – روتانا” الحمرا، في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والادارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والقضاة والضباط المتقاعدين والإعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الهيئة الإداريّة للملتقى.

عقد اللقاء تحت عنوان “لبنان والمادّة 95 من الدّستور: أساس وقف تسييس الدّين وتديين السّياسة”، تحدَّثَت فيها الدكتورة إلهام كلّاب البساط  وأدار الحِوار الدكتور علي مراد..

بدأ اللقاء الذي قدّمت له الإعلاميّة دنيز رحمه فخري ونقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، بالنشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن “ملتقى التأثير المدني/ عشر سنوات القضيَّة لبنان والإنسان”، ومن ثمَّ وثائقي إستعراضي للِّقاء الخامس تحت عنوان: “لبنان بين المواطنة وإدارة التعدّديّة: السّياق والإشكاليّات”.

رحمة

بعدها، كانت كلمة عضو الهيئة الإداريّة في “ملتقى التأثير المدني” فادي رحمة الذي أكَّد على قرار الملتقى بالسعي الى “ترسيخ روحيَّة النّضال في سبيل بناء دولة المواطنة التي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير”. ولفت إلى أنّ “لبنان يواجهُ مخاطر وجوديَّة، لكنَّ في جيناتِه ثباتٌ في مسيرة عَوْدَتِه وطن الرّسالة، رسالة الحريَّة والأخوَّة”. وقال: “من هنا يأتي تصميمنا على مقاربة مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، وبالتّالي نحن مقتنعون بالعمل التّراكُمي الهادئ والهادف، مصوّبين البُوْصلة لإنقاذ لبنان من هذا المستنقع الخطير وبناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة.”

وانتهى رحمة إلى اقتباس عبارة شهيرة لجبران خليل جبران، تقول: “ويلٌ لِأمَّة تكثُر فيها المذاهِب والطوائِف، وتخلو من الدّين”، مضيفا “عسى نُنقّي في لبنان السّياسة من التديين والتسييس، والدّين من التسييس والتطرّف، فكُلُّنا مواطنات ومواطنون نسعى للخير العامّ. حمى اللّه لبنان”.

مراد

بعدها تحدث الدكتور علي مراد الذي قال إنّ “لبنان غادر مئويته الأولى وقد حسم مسألة نهائية الكيان”، ليدخل في مئويته الثانية وهو “وطن بلا دولة على وقع حلقة مفرغة من الازمات”. وأضاف: “أتى اتّفاق الطائف ليعبر في لحظة معينة عن توافقات داخلية ودولية سمحت بإنهاء الحرب الأهلية” وجاءت “التعديلات الدستورية عام 1990 مرتكزةً على اتفاق الطائف، نتيجة توازنات سياسية فرضتها محصلة حربٍ استمرت خمسة عشر عاماً، لتتحدد التسوية السياسية على قاعدة مشاركة الطوائف في السلطة الإجرائية“.

واعتبر أنَّ التاريخ علّمنا “أنّ نصوصًا كهذه ليست نصا مقدسا”، و”أنَّ المجتمع يستطيع أن يعيد بناء نفسه حولها، ليعيد الإنتظام للنظام والاعتبار للدولة”، ولكنْ ما حصل جاء مغايرا فقد تحولت الطبيعة “المؤقتة” للنظام الطائفي “إلى ممارسة ثابتة ومترسخة، غيبت الطبيعة المدنية للدولة التي نص عليها الدستور لصالح تمثيل احتكاري ملتبس للطوائف، وتعطلت المؤسسات الدستورية بشكل تام، وباتت السلطة الحقيقية في الدولة خارج المؤسسات الدستورية”.

وانتقد مراد الرأي السائد بـ “أنّ التعديلات الدستورية المستندة إلى وثيقة الوفاق الوطني قد كرست الطائفية”، ورأى “أن القراءة الشاملة للدستور تظهر العكس تماما”، وتناول المادة 95 من الدستور معتبرًا “أنّ اهميتها تكمن في أنها تشير بشكل واضح إلى الطبيعة المؤقتة للنظام الطائفي”. وهي “حجر الزاوية في خارطة طريق لتجاوز الطائفية السياسية من خلال المجلس النيابي المنتخب على أساس المناصفة، أي مجلس 1992، وهو ما لم يحدث منذ أكثر من 32 عاما.”

وفي نهاية عرضه، وجّه سلسلة اسئلة حول “الإجراءات المرحلية والتدريجية المؤدية إلى مسار الغاء الطائفية السياسية من ضمن الآليّة الدستورية. ومنها “هل إن الإشكالية في الممارسة السياسية أكثر منها في النص الدستوري أم العكس؟”. و”هل ينبغي تطبيق ما ورد في دستور ما بعد الطائف والمباشرة بإلغاء الطائفية السياسية، أم أن الزمن الذي انقضى يجعل من هذه المواد غير قابلة للتطبيق؟”. و “هل يجب تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية، أم اعتماد آلية أخرى؟” و”كيف يمكن انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي؟” أم أنّه “يجب اعتماد قانون انتخابي يضمن عدالة وصحة التمثيل للأحزاب والمجموعات السياسية؟” و “هل المطلوب التقيد بما ورد في دستور الـ 1990 بعد الطائف واستحداث مجلس شيوخ؟” و “في حال تم استحداث مجلس شيوخ، كيف يمكن الحد من صلاحياته حتى لا يتحول إلى هيئة معطلة باستخدام الفيتو الطائفي؟”، وهل يجب المحافظة على التمثيل الطائفي على صعيد الرئاسات أم اعتماد المداورة أم تخطي هذا التمثيل؟“.

البساط

بعدها، كانت مداخلة الدكتورة البساط التي جاءت تحت عنوان “علمنة قوانين الأحوال الشخصيّة”، فلفتت الى “المحاولات الجارية لبناء الدولة المدنيّة، والتصدّي لتسييس الدين وتديين السّياسة وانتشال الدولة من سُلطة الانتماءات الطائفيّة” وهو ما يوجب “إلقاء نظرة شامِلة وبانوراميّة على كلّ المواقِع السياسيّة والقانونيّة والدينيّة والاجتماعيّة، حيث يؤدي صدى مُحاولات التبدّل في موقع واحِد إلى إيقاظ التساؤل والقلَق في المواقع الأخرى”.

وقالت: “إنّ الوصول إلى الدولة المدنيّة قد يكون عنوانه الأساسي والملحّ: إلغاء الطائفيّة السياسيّة، ولكن التحوّل في القاعدة الشعبيّة وفي المفاهيم والعقليّات يتطلّب تناسقًا وتجاوبًا بين كل مراحل التبدّل الاجتماعي والسياسي وفق “خطة مرحليّة”.  ولفتت الى ان “الدستور ترك مسارِبَ للطوائف في مجال قوانين الأحوال الشخصيّة مما حوّل المواطنيّة إلى مذهبيّة تتغلغل في كل النواحي العائليّة والإنسانيّة والتنظيم القانوني، مع أنّ الدستور ضَمن في المادة 9 احترام الأحوال الشخصيّة للطوائف دون إعطائها الحقّ الحصري.”

ولمّا رأت الدكتورة البساط أن “غالبا ما اعتُبر مطلب علمنة الأحوال الشخصيّة، مطلبًا نَسويّا بالدرجة الأُولى نادت به وعملت له جمعيّات عديدة انطلاقًا من مُعاناة النساء في أعمق مواقِف حياتهنّ”، أكّدت أنّ المطلوب بأن تكون “مطلبا سياسيا وطنيا، قد يشكّل فجوة أساسيّة في الجدار الطائفي، ويؤسّس لجيل جديد”. وقالت: “القانون المتطوّر للعائلة اللبنانيّة في ظلّ قانون مدني له أسباب موجبة عديدة أهمها، استعادة الدولة لدورها التشريعي، والتزام لبنان بتطبيق الاتفاقيّات الدوليّة كما الحقّ في حريّة الاختيار في ظل تصاعد أعداد المتزوّجين مدنيًّا، في عَقد مدني، مسموح في الخارِج وممنوع في الداخِل.”

ولذلك، اعتبرت “أنّ الصّراع ليسَ بين ديني ودنيوي بل بين الخيار الطائفي وخيار الدولة”. فالناس “يتوقون إلى الدولة وقوانينها، لا إلى سُلطات طائفيّة وأنظمة مذهبيّة وسياسيين يمتطون صهوة الدين لإفساد الدنيا، في ازدواجيّة مُتصادمة.”

وبعدما أشارت إلى “وجود حوالي 12 مشروع قانون واقتراح قانون ومذكّرات ومبادئ طرحت ما بين 1971 و2017 لتعديل قانون الأحوال الشخصيّة”، لفتت إلى أنّها “قوانين تميّزت بالجديّة والمعرفة القانونيّة والحِسّ الوطني”، ومع ذلك “لم يُكتب لأي منها التحقُّق عندما ارتطم بعضُها بالمواقِع الدينيّة، كما بالمؤسسات السياسيّة من وزارات أو مجالس نيابيّة أو سياسيّين حُماة الطوائف خاصة”، “لكنّ هذا التأريخ لخيبات مُتتالية لم يوقف المُحاولات المُتجدّدة“.

وانتهت البساط لتقول “أن كل هذه المشاريع ركّزت على نقل صلاحيّة المحاكِم الروحيّة والشرعيّة إلى قُضاة ومحاكِم مدنيّة قبل أن تتركّز على ثنائيّة قانون إلزامي أو اختياري”.

وختاما، كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.

اترك رد