الزّعيم ونداء أهل الكهف

 

 سعيد غريّب

 

في انتظار الدفع نحو الخيار الثالث وما اعتبر تقرّباً فرنسياً من مواقف الدول الأربع الأخرى التي تشكل مجتمعة «المجموعة الخماسية»، هل يمكن الجزم بالاتجاهات التي ستقررها المجموعة، وتسييل القرارات بمعزل عن التفاهم الأميركي- الايراني الذي ترجم أول من أمس بالإفراج عن المحتجزين والأموال؟ وفي الداخل اللبناني، القيادات تنتظر ما يقرره الخارج، والناس تنتظر ما تتفاعل معه القيادات ومع الخارج. هذه طبيعة الحالة السياسية في لبنان منذ البدء، الزعيم ينتظر الخارج، والناس تنتظر الزعيم وتغفو في سبات عميق، لا يوقظه سوى نداء واحد يخدم صاحب النداء، وهو نداء الطائفية والمذهبية واسترداد الحقوق. شعبٌ بكامله ينام كما نام أهل الكهف، ولا يقوم الا لخدمة الزعيم ومن أجل تجمّع يريده الزعيم أو تحرّك في سبيل الزعيم أو حرب، ما من شأنها بدّ، اختار تنفيذها الزعيم.

لا الرئاسة توقظه، ولا تعطيل العمل الحكومي والاداري يحرّكه، ولا الشّلل النيابي يوعّي فيه الشعور بالخطر، ولا الظلمة تأخذه إلى محطة توليد الطاقة، ولا البطالة تحضّه على التظاهر، ولا قطع الشجر أو تحطيم الصخور أو ردم البحر أو السرقات الكبرى تدغدغ فيه الحسّ الوطني والشعور بالمسؤولية. «الزبالة» على علو خمس مئة متر، ما همّ! الكهرباء أصبحت من التاريخ، ما من مشكلة! الجغرافيا تغيّرت معالمها، بسيطة! حتى «النق» المشهور الشعب اللبناني بممارسته تلاشى، وأصبح الصمت والنوم العميق سيّديْ الحياة الخالية من أي روح.

الزعيم يحرك فينا كل أحاسيسنا وحده. هو من يجعلنا ننتفض ونقوم ونهرول. ولكن إلى أين؟ المهم أن يبقى الزعيم مرتاحاً راضياً سارقاً غنياً سعيداً، حتى لو حوّل الحق إلى باطل، والباطل إلى حقّ وصالح الخصم اذا تقاطعت مصالحه مع مصالحه، وهاجمه اذا تناقضت مصالحه مع مصالحه. واذا أردنا أن نقارن بين زعامة أدولف هتلر وزعامة لبنانية نقول من دون تردد إنّ الشعب الألماني كان ليساير هتلر لو قال له إنّ اثنين زائد اثنين يساويان خمسة، بينما شعبنا أو بعضه طبعاً يقتنع بأنّ المجموع هو خمسة اذا زعيمه أراد ذلك.

إنّها مأساة ملهاة، تجعلنا نترحّم على سعيد تقي الدين الذي وصف الرأي العام بأنّه «بغل»! إنّها مأساة ملهاة عندما نرى بعض «كبارنا» وبعض أحبارنا يثرثر كلّ يوم، ويحدّثك عن الشعب، وعن حرية الشعب وقرار الشعب، وخيارات الشعب، وانتخابات الشعب. إنّها مأساة ملهاة عندما تسرق أموال الناس وكأنّها عملية عاديّة، وتفجّر العاصمة وكأنّها فيلم سينما فنخرج من الصالة ورأسنا «مطربخ» لبضع دقائق.

إنّها مأساة ملهاة، عندما يتسمّر الناس أمام شاشات تخدّر أعصابهم، وتطفئ عقولهم، وتفسد نفوسهم وأخلاقهم. ويحدثونك دائماً عن الزعيم وقوّته و»هضامته»، عن «الكاريزما» النعمة التي خصّه الله بها. فليقم بناة عصر النهضة ويصرخوا بنا قائلين: «قوموا من تحت الردم، اسمعوا كلماتكم من به صمم سياسيّ وغنى فاحش. ردّدوا ما قاله المطران يوسف عقل في المأتم الشعبي لا الرسمي، الذي أراده العميد ريمون اده لوالده الرئيس اميل اده، «نعشك عرشك وعروشهم نعوشهم».

ولنعد إلى تعليم أولادنا القيم الانسانية والأدب والشعر ولنذكّرهم دائماً بأنّ القناعة كنز لا يفنى، ولنصوّب لهم البوصلة، قائلين لا تخافوا لأنّ من يخيفكم سيكون الخائف الدائم من علمكم ووعيكم وثقافتكم. وللتذكير فقط فإنّ الحروب الأهلية بين العامين 1840 و1860 والتي انتهت بنزول القوات الفرنسية في لبنان، كانت أسبابها الحقيقية صراع الأهالي ضد العائلات الاقطاعية فحوّله الاقطاعيون إلى صراع طائفي. إنّه المفترق والمصير. فلنبنِ لبنان الجديد قبل فوات الاوان. والا فلنطالب بوصيّ جديد أو انتداب جديد أو متصرفية جديدة.

***

*نداء الوطن 20-9-2023

اترك رد