صَرْخَةُ الدِّماء! 

هَا أَنا شَدَّنِي الحَنِينُ لِحُجْرِكْ                 وتَمَزَّقتُ بَينَ كَرِّي وفَرِّكْ

وشَدا الشِّعْرُ، والقَوافِي سُكارَى،       حائِراتٌ أَمامَ شَلَّالِ سِحْرِكْ

أَنتِ يا واحَةً بِقَحْطِ حَياتِي              إِرحَمِي مُدْنَفًا(1) يَعِيشُ بِذِكرِكْ

مُذْ دَعَتْنِي الأَيَّامُ لِلمَرتَعِ الخَصْبِ،       وذُقتُ الشَّهِيَّ مِنْ طِيْبِ ثَغرِكْ

فمَلَلتُ الخُمُورَ، عَتَّقَها الدَّهرُ،             إِزاءَ الرَّوِيِّ مِنْ دَفْقِ خَمْرِكْ

مُذْ تَناسَيْتُ في لَهِيبِكِ عُمرِي،             وتَداعَيتُ خائِرًا فَوقَ جَمْرِكْ

مُذْ تَهادَيتُ كالسَّواقِي، عَجالَى،           لِلقَرارِ العَمِيقِ في قاعِ بَحرِكْ

وسَقَتنِي مَناهِلُ العِطْرِ في نَهدَيكِ     ــــــــــ     أَصبَحتُ حائِرًا في أَمرِكْ

فَشَهِيٌّ ما بانَ مِنكِ على القَدِّ،           وأَشهَى الخَبِيْءُ مِن كَنْزِ دُرِّكْ

فَارحَمِي صَرخَةَ الدِّماءِ وَفُكِّي          رِبْقَةَ الأَسْرِ عَن مَناقِيدِ صَدرِكْ

أَنا، مِنْ حَيثُ ما أَسَرتِ، شَغُوفٌ            أَنْ أَرانِي في القَيدِ ما طالَ أَسْرِكْ

فَاترُكِينِي في مَنبَعِ الشَّهْدِ أَهنا،             واحمِلِينِي قِلادَةً فَوقَ نَحْرِكْ

كُلَّما تِهْتُ في أَعالِيكِ نَشوانًا             دَعانِي الَّلظَى لِفِردَوسِ قَعْرِكْ

فَدَعِينِي عَنِ العَوالِمِ أَنأَى             قَيْسَ(2) هذا الزَّمانِ أَسرِي بِقَفرِكْ

جائِعًا لِلنَّدِيِّ مِمَّا على القَدِّ،             وعَطْشانَ أَستَقِي مِنْ دَرِّكْ(3)

ها أَرَى في بَراعِمِكِ الخُضْرِ      ــــــــــ       حَنِينًا لِفارِسٍ لَكِ مُدْرِكْ

كُلُّ نَبْضٍ في العِرْقِ مِنكِ جَمُوحٌ،         مُثقَلٌ بِاللُّهاثِ مِن لَفْحِ حَرِّكْ

شَمْخَةُ الرَّبوَتَينِ في عاطِرِ الثَّوبِ،    ــــــــــ    بِصَمْتٍ، تُفضِي إِلَيَّ بِسِرِّكْ

فَاترُكِينِي أَجلُو المُطَهَّمَ يَأتِي،             في صَلِيلِ السُّيُوفِ، يَقحَمُ خِدرِكْ

واخضَعِي، لا تُكابِرِي، فَاللَّيالِي              هازِئاتٌ بِكِ، ومِنْ وَهْمِ طُهرِكْ

فَاخلَعِي عَنكِ ذا العِذارَ(4) وهَيَّا             فَالهَوَى يَكتَوِي بِباهِتِ عُذرِكْ!

***

(1): مُدنَف: مَن أَضناهُ الحُبُّ وأَتعَبَهُ

(2): هو الشَّاعِرُ قَيسُ بنُ المُلَوَّح، مَجنُونُ لَيلَى: يَقَعُ قَيْس ولَيلَى العامِرِيَّة في الغَرامِ مُنذُ الصِّغَر وعندما كَبُرا لم  يَسمَح لَهُما والِدُ لَيلَى بِأَن يَكُونا معًا، فَباتَ قَيس مَهوُوسًا بحَبِيبَتِه. وقيل إِنَّهُ ما عادَ يَعقِلُ حَقائِقَ الأشياءِ  إِلَّا أَن تُذكَرَ لَهُ لَيلَى فَيَبكِي ويُنشِدُ الشِّعرً. وقِيلَ إِنَّهُ تاهَ في القَفْرِ مَجنُونًا.

(3): الدَّرُّ: اللَّبَنُ، أَو الكَثِيرُ مِنه / النَّفْس / العَمَل

(4): العِذار: الحَياء

اترك رد