كلمة رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي المهندسة والشاعرة ميراي شحاده في الاحتفال الذي نظمته بلدية تنورين في 16 أيلول 2023 لمناسبة صدور كتاب الأديب سهيل مطر “نزار…أين أنت؟” الصادر عن “منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي”.
الحضور الكريم والقامات الثقافيّة والروحيّة والسياسية
أهالي بلدة تنورين الأفاضل وعائلة نزار…
دخل شرنقة الغياب ولم يخرج! وبقي هناك معلّقاً على حبال القدر، على مشارف تِهجاعٍ ويقظة توارَت خلفهما عَبراتُ أهله؛ وبومةٌ رابضةٌ في المكان ربّما تنذر بالشؤم أو بحكمةِ قدرٍ لم ولن نعِها بعد! وفي هذا الإعصار على مدارج الحبر، أتاني يوماً الصديق الأديب سهيل مطر وأعلمني بم يَغزُلُ في قُرطاسه من اختلاجات الصخر في تنّورين وفوضى ذكريات نزاريّة وصريرَ أبواب من القلق يتساقط على عتباتها دمع ابتلّ منه هذا الورق وها سيل السِحر قد جرى في كتابه ونحن نتحلّق اليوم حول مؤلّفِه ونحتفي به في 16 أيلول …
16 أيلول، هي ذكرى بندقيّة صيدٍ ألقت مرساة بارودها في أشرعة نزار. فمن عمق أعماق المنافي، حيث فتح النزار فُوّهةً في حائط المجهول فلا هي عبورٌ ولا هي سرداب…لا هي حلمٌ ولا هي يقظة..هو قد نام والجميع قد سحقهم هذا الإعصار. هو توارى في كنف طفولته يُصغي إلى صراخ أمّه يوم ولادته ويهزجُ لأغاني صباه ويرنو إلى حفافي أوجاعنا من سهول أزاهيره المكتومة الشذا.
أين أنت يا نزار؟
والضبابُ يدعوكَ إلى رحلة صيدٍ أخرى في ندى فجر تنوريّ، والسؤال يدعوك إلى حفلنا اليوم والجوابُ فوق، خبّأَتْه لنا الأقدارفي صمتها المهيب.
وأنتَ بين حدود الموت والحياة، وبين البَدءِ والختام، بين النور والديجور ومواكب الأيام، أسرجتَ شبابَك يا نزار وقَلَبتَ كلّ الموازين والمفاهيم!
وفي رحلة التضحية والقداسة ومن محراب عائلتك جئناك نصلّي بحثًا عن أريج الحياة فى ندى سكوتك ومراياه.
وإلى وسيم وإخوته أقول: يُردِّدُ على مسامعي الكثيرُ الكثيرُ من الأهل والأصدقاء، لمَ لا تتركين شغفَك لأبيك جانباً وتنفقين ما تنفقيه من وقت ومال في منتدى شاعر الكورة الخضراء على أشياء أخرى ربّما تُثمر من حولكِ أكثرَ من الحبر والورق في مجتمع جفّت فيه القلوب والجيوب معاً؟ لمَ تستثمرين في العقول الكبيرة، باسم أبيك، ومن قال لك إنّها كبيرة؟! وتنضحين من إناء عبدالله حبّاً ومعرفةً في نشر دواوينَ وحفر آبارِ من الفِكَرِ و الكتب؟
أجيب دائماً وبمحبّة: أنا أحبّ أبي إذا هو موجود، رغم الموت ورغم فناء الجسد، إذاً أنا موجودة. عذراً صديقي ديكارت: وأنت القائل أنا أفكّر إذاً أنا موجود ولكنّ وجودَنا مقرونٌ بمنسوب الحبّ لدينا!
أنا أحبّ، إذا أنا ومن أحببتهم نعيش ونتنفّس أكسجين الحب. وهذا النابض الخافق بين الرّئتين يحيا بمن نحب.
إنّه الحبّ يا أصدقاء…إنّه الوفاء، كوفاء وسيم لنزار، وفاء لعشر سنوات من طفولتي قضيتها معه، ولم أعِ مقدار حبّه لي وللكلمة، و”فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ”. ولم أعِ مقدار حبّه لي إلّا من خلال منتداه الثقافيالذي أسّسته كرمى له بعد سبع وثلاثين سنة على رحيله. وكم أنا فخورة أن هذه القصّة الإنسانيّة دوّت فصولها من رحم “منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراءعبدالله شحاده الثقافي” الذي يُعنى وبحبّ بالثقافة بالمجان.
وأنت يا وسيم وإخوته…أحببتم أخاكم نزار إذا هو موجود دائمًا وأنتم أيضا موجودون مفعمون بالحب والحياة…
أمّا أنت يا نزار، أمثالك كثيرون يعيشون غربتَهم بعيدا عن هذا العالم.
إبقَ في غربتك جميلاً، نقيّاً أبيضَ كالملاك، فثمّةَ وحشيّةٌ وسوادٌ يعتريان هذا الوجود!…
سلْني أنا، سلْني عن الخزامى خلف غياهب الأيام، وكيف أصوغُ منها رحيق الكلام! وكيف أينعت مأساتُك يا نزار في قصّة تختصر الإنسانيّة في عشق وارتقاء وهي تمسّي علينا الليلة بجلالة الحبر المسكوب من دواة سهيل مطر.
سلني عن سرّ البرقِ في الغمام ودوراتِ الفصول وما يبوح به الثرى من عطور السماء في المُدام وكيف وكيف تُجْهِمُ كلّ دوحات الحبّ في رعشة واحدة من عصف الذكريات ثمّ في الهزيع الثاني تؤوب طيورُ أيلول إليها في غرام وهيام!
أي هزالٍ مطويٌّ تحت وسادتك، وفي غفلتك عن دنيانا يا نزار وعقولُنا الصغيرة لا تعيه ولا تبصر فيه النور والشعاع! والكرة، هي هي تجترّ لعابها بين مرامي الشكّ واليقين منذ آدم وحواء! لربّما أنت في سهادك تفكّر وتتقن أبجديّة صحوةٍ ونحن همُ النيام، ومن حولِنا يتكاثر الركام والسراب والآلام!
وحدَك ترى ما لا يُرى وتُبصر ما لا نبصِر! ووحدَك الثابتُ الرابض بين الهنا و الهناك، والكلّ هنا من حولك يسيل، يتحوّل ويتبدّل ويتزلزل والزمكان هو هو يجهلُنا ونجهلُ قواعد لعبته!
من قال إنّنا هم العارفون العالمون وأنت هو التائه في دنياك!
هيّا انظر قليلاً إلى لبنانك وستعي أنّك في نعيمك تهنأ في جنّة الغياب ونحن في جحيم وعيِنا هالكون في مدارك اللظى وتائهون في هذا العباب!
شكراً لإصغائكم.