بيروت تحتفل بأيام مولانا الرومي برعاية وزير الثقافة

 

 

أقيم في قاعة المكتبة الوطنية، ندوة فكرية مميزة حول رواية “أيام مولانا وقواعد العشق الأربعون” لمؤلفها الدكتور محمد حسين بزي، برعاية وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى وبدعوة من دار الامير.

افتتح الاحتفال بالنشيد الوطني اللبناني ثم كلمة وزير الثقافة التي ألقاها الإعلامي روني ألفا، تلتها قراءات نقدية لكل من الدكتور طراد حمادة والدكتورة دلال عبّاس والدكتورة منى رسلان، وأدار الندوة المحامي سليمان علوش وسط حشد كبير من الشعراء والأدباء والكتّاب وشخصيات سياسية واجتماعية وإعلامية وثقافية.

وفي كلمته الترحيبية بالحضور قال علوش: “أن نجتمعَ اليوم في رحاب المكتبة الوطنيَّة وبرعاية وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، فهذا يوازي فعلُ إيمانٍ بلبنان، وفعلُ صمودٍ ثقافيٍ نوعي يأبى أُفول الإرادة وسبات الإبداع، فكيف إذا كنّا في حضرة التصوف لمناقشة كتاب أو رواية من أمهات المؤلفات في التصوف تحت عنوان  “أيام مولانا وقواعد العشق الأربعون ” للدكتور محمد حسين بزي المتخصص في الفلسفة والتصوف، ونحن في حضرة العلماء والمفكرين والكتّاب، والإعلاميين والمُصنِّفين، لا يمكن إلّا أن نحتفي بحضور الفكر بيننا عاقدين العزم على أن تبقى وزارة الثقافة اللبنانية المكان الحاضن والمحتضن لكل إبداعات اللبنانيين على شتّى تصنيفاتهم لنعكس الروح اللبنانية الأصيلة“.

ثم ألقى الكاتب والإعلامي روني ألفا كلمة الوزير المرتضى، وممّا قاله: “الحبيبُ الدّكتور محمَّد جسين بزي، أنا بأمسِّ الشَّوقِ مثلُكَ لِأَحصلَ على بطاقةِ إعاشَةٍ وسطَ يباسِ الرُّبعِ الخالي من أرض البَشَر.. ينتابُني انتماءٌ لكَوكَبٍ اخترعَهُ أنطوان ده سانت إكزوبِري من غُبارِ نِعالِ الأنبياء. رفيقُ سفري الأميرُ الصغيرُ ولشدّةِ ضيقِ المساحةِ على الكوكبِ الأزرقِ قرَّرتُ منذُ سنين أن أَحجِزَ لي صخرةً قربَه على سطح القمر. ولدان نحنُ تتمرجَحُ أرجُلُهُما في الخَلاءِ الكونيِّ ويرفُسان النجومَ كُراتَ قدمٍ متلألِئةٍ بلا مَرمَى وكُوَيكِباتَ أسئلَةٍ طفوليَّةٍ تصرُخُ في السِّعَةِ الكُبرى: أهناكَ ربٌّ يسمَعُنا في هذا الفضاء؟ أهناك حبٌّ يَغمُرُنا فَوْقَ هذه السَّماء؟“.

وتابع ألفا: “كبرتُ يا محمَّداً وسمِعتُ بأمِّ الأُذُنَين الأميرَ الصغيرَ يحتجُّ على تحويلِهِ دمىً مِنَ كريستالٍ وجَفصين يُصمَدُ في صالونات القصور المنيفة. بُتِرَتْ رِجلاه النَّحيفَتانِ وأكلَتْ كلٌّ من سيري وألكسا العاملتان المنزليتان في بيتِ آل غوغِل ما تبقّى من نجومٍ في صحونِ الحضارةِ الرَّقمية. لم يبق في فضاءاتنا عزيزي الأستاذ محمَّد سوى مولانا وأربعينَ نجمةَ حُبّْ.

على سُلَّمٍ تِرمَذِيٍّ من شَجَرِ الوَحي أصعِدنا معَكَ إلى هَديلِ عَمامَة. اعتَمِر ضبابَ الصلاةِ وتكثَّفْ في غباوَةِ صَوابِنا. أعطِنا إقامةً دائمةً نخلَعُ على متنها كلَّ معارِفِنا فَنَتَمَتَّعُ بسعادةٍ أمِّيَّة.

نرتَدي روايتَكَ.. فساتينُ الروايات المفصَّلةُ بِدبابيسِ العشقِ الصَّرف تغسِلُ الخَطايا وتغازلُ الخيّاطين. سنُنافِسُ بأَكمامِها أزرارَ الورود وكُلَّما داهَمَها النَّدى متباهيًا بِرَذاذِ تثاؤباتِ الله سَنَمسَحُ دُموعَنا مخاطبينَ خُلوفَ فمِ مَولانا قائلينَ: “أتسمحُ نستنشِقُ ريحَ المسكِ الخارجِ بينَ النَّهدَةِ والنَّهدَة؟ وكلّما توغَّلنا في غابَةِ استوائِك خَجِلنا من عودَتِنا الى غابةِ التُّفَهاء. ونقول في سريرَتِنا لم لا تؤسَّسُ جمهوريةٌ للحبّ لا يكون في جعبَةِ تاريخها قتال. لا يكون فيها حرب سوى ما تشنّهُ القُبَلُ على شِفاهِ المُطلَق؟

يستأجر الله شقَّةً مفروشةً في روايتِكَ فتقدِّمُها له من دون مقابلٍ وتشيرُ اليه سبحانَه بأنْ تجوَّلْ في أي صفحةٍ تريدُ أيها المُريد. تحقنُ على مدى عشرينَ فصلاً شرايينَ القلقِ الوجوديِّ بمحلولِ الشَّوق فتخرِجُ الرّوميَّ والتَّبريزيَّ من تلافيفِ العقل الى تجاويفِ القلب. يحلُّ القرآنُ ضيفًا على القراءةِ فيؤذِّنُهُ الصّمتُ ويجوِّدُهُ التنهُّدُ ويتوضَّأ المؤمنُ بالحبِّ قبل تلاوَتِه فَيُغتالُ الوصفُ في وضحِ الكلمات.

” مولانا” ديانةٌ بلا جُدران مجهولةُ الإقامَةِ ومتواريةٌ عن الأنظار. أسكَنتها بِهُيامِكَ بعيدةً عن نتانةِ الجيفِ وجشعِ الكلاب. أشبعتَنا بِرِفقَتِها جوعًا الى مخالفة النَّفس. إما التُّخمَةُ والفِرقَة وإما الجوعُ والدُنُوّ فَموتوا قبل ان تموتوا ليكون نَظَرُكُم حديدًا. على الطريق لا تُنسِنا بهجةَ التحفّظِ على متعةِ النَّزَق ولذَّةِ التملُّكِ الأنيق. ومن السجن الى السراج قِفلٌ صدئٌ صبَّتْ عليه روايتُكَ زيتَ الصّبرِ ونبيذَ الهدوءِ فدخلَتِ الحريَّةُ الى أرجائه ملِكَةً كما يدخلُ الممكن في المُحال.

وأضاف:”صديقي الدكتور محمد، أيها المُحَلِّقُ بلا خوذَةٍ في فضاءٍ بلا شَهيق خُذنا الى معارفَ تتساقطُ كالدُّموع وحقائقَ تنهمرُ كالنَّدى فوق عطَشِ الحقول. رُدَّنا إلى الكَرخِيِّ يتدثَّرُ بقرآنِه ويتصدَّقُ بِمِعطَفِه فلقد شَحَّ الأساتذةُ الأولياء ونَدُرَ التلامذةُ الأوفياء فاعطِنا ربّي أساتذةً كالتِرمذيّ وتلامذة كالروميّ وهِبنا معلّمين كالمسيح واتباعًا كيوحنا الحبيب واجعلنا نردد مع محمد إقبال: صيَّرَ الرومي طيني جوهرا.. من غباري شادَ كونًا آخَرَ“.

وختم ألفا: “صديقي الدكتور محمد، شيءٌ مريبٌ يحدثُ بين ” دار الأمير” ومطبعةِ الكُتُب. مقامُ الحبِّ يقع في الصفحة ١٩٥ أي في منتصفِ الروايةِ تمامًا دونما احتسابٍ لسيرَتِكَ التي ليست فصلًا في الرواية. مقام الحب يقع تمامًا في منتصَفِ الكتاب. ما قبلَهُ بُطَينٌ أيسَر وما بعدَهُ بُطينٌ أيمَن. التهمتُهُ مع واحد وعشرين حبّةٍ من الزَّبيبِ الأحمَر وتعلَّمتُ قليلًا من خلال القراءةِ وفهمتُ كثيرًا من خلالِ الحُبّْ الذي اعتبرهُ تِيار ده شاردان طبيعةً تدخل في طبيعة كَونٍ يتمدد باستمرار يحاورُنا الله من جوفه اللامتناهي… شَتَّان..”.

وقدم الدكتور طراد حمادة قراءة نقدية في الرواية بعنوان “مقامات سمفونية الترجمان في رواية أيام مولانا، وممّا قاله:

يدخل محمد حسين بزي في روايته “أيام مولانا وقواعد العشق الأربعون في حلقة الرواية الصوفية المولوية التي نسجت من سيرة وسلوك ووجد وعشق وشعر مولانا جلال الدين الرومي طريقاً في الرواية التي تترجم في فصولها ما تركه الرومي في قلوب العاشقين وسلوك المريدين وصفير قيثارة السامعين.. وسرّ القيثارة يهدى لذويه“.

وتابع حمادة: “يطرح هذا النوع من الإنتاج الأدبي الصوفي إشكالية العلاقة بين الأدب والفلسفة عامة والتصوف خاصة. في معنى الجواب على السؤال التالي: هل يمكن الإفصاح عن نظرية فلسفية أو صوفية في نص أدبي روائي أو شعري.؟ وهل يمكن طرح نظرية فلسفية مستخلصة من عمل أدبي؟

الجواب أن ذلك ممكن لأنه موجود ومتحقق في الإنتاج الأدبي والفلسفي على السواء، ولأن الأدب والفلسفة يتفقان في أداة الإفصاح وهي اللغة وفي موضوعات عديدة مشتركة تتعلق في الوجود الإنسان في الخلق والحق والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، لكن السؤال الإشكالي الأساسي يقوم على قدرة الحفاظ على أدبية النص مع صوفيته وصوفية النص مع أدبيته. في معنى الحفاظ على الأصيل في هذه العلاقة.. أنا أذهب إلى ترجيح أن رواية “أيام مولانا” هي عمل روائي استطاع الحفاظ على أصوله الأدبية وقدم عرضاً مشوقاً لأفكار صوفية وفلسفية مكتسبة، وأن قصده لم يكن إنتاج هذه الأفكار، ولكن كتابة الرواية وعلى الآخرين أن يأخذوا منها ما هو محل تحصيلهم.”

وختم الحفل بكلمة شكر للدكتور محمد حسين بزي، ثم وقع الرواية للحضور.

اترك رد