معرض لوحات في بعلبك للفنانة خولة الطفيلي

 

 

نظم “مجلس بعلبك الثقافي” بالاشتراك مع “نقابة الفنانين التشكيليين والحرفيين في البقاع”، معرضا للفنانة الدكتورة خولة الطفيلي، في قاعة الدكتور حبيب الجمال في المركز، تحت عنوان: “مربع الحياة في بعلبك”، والذي احتوى على 102 لوحة تنوعت ما بين الطلاء الزيتي البطيء التجفيف، والمعتمد على جزئيات صبغية عالقة في الزيت الذي تم اختيار نوعه بعناية فائقة، ولوحات أخرى اعتمدت فيها تقنيات تلوين “الإكريليك” ضمن أنماط مختلفة في التعامل مع دهانات قائمة على “البوليمر”، تجف بسرعة أكبر من الزيت، وقابلة للذوبان في الماء، ويمكن تطبيقها مباشرة على القماش.

خولة الطفيلي المزروعة والمتجذرة في أرض مدينة الشمس، اختارت أصعب تصاميم الرسم “المربع”، وكأني بها أرادت أن تتحدى ذاتها ومهاراتها، وتحفز قدراتها لرسم أشكال عايشتها وعاينتها على أرض الواقع ولفتت نظرها الثاقب وبصيرتها، أو لرسم مشهدية من نسج الخيال، وأسقطت الأفكار بمهارة وتقنية عالية ضمن إطار مربعات أصغرها مقياسها 1010 سنتيمترات، وأكبرها بقياس8080 سنتيمترا.

وعلى مدى سنتين كان نتاج معرضها الغني بالألوان، عرجت بنا في لوحاتها على حكايات ملاعب طفولتنا ضمن أزقة وأحياء المدينة، فطافت بنا باللون والصورة على أرصفة بعلبك وأسواقها وبيوتاتها، متنقلة بريشتها التي تنبض بالحياة، والتي تبث الروح حتى في الجماد، فكيف تكون المشهدية إذا ما علمنا بأنها الفنانة الموسومة بإنسانيتها، والمرهفة والشفافة لدرجة أنك تكاد تقرأ أفكارها وتشاهد ما يخالج قلبها ووجدانها من مشاعر وأحاسيس.

أهدت خولة لمجلس بعلبك الثقافي لوحة تصور بائع الكتب الراحل “أبو علي” ذاك الفقيه الذي افترش بكتبه رصيف رأس العين، وأظهرت لمحات حزينة على وجوه عشاق المطالعة والثقافة، في لفتة ترمز إلى هذا الزمن الرديء الذي باتت تعرض فيه الكتب على قارعة الطرقات، وتفرد للأحذية والسلع أرقى الواجهات.

ومن المشهديات قارئ الجريدة الذي يترتشف المقالات مع قهوة الصباح، وفرحة الأطفال بالألعاب، وتحلّق العائلة حول المدفأة، وبائع الورد للعاشقين، ومنجد “اللحف” و”الفرش” الصوفية، الذي يكاد ينطق بالكلمات، وإذا دنوت من اللوحة أكثر قد تسمع أزيز “المسلة” عند ملامستها القماش أو “الكشتبان”، وتكمل المسير نحو سيدات يحضرن مونة الشتاء، وتتابع حركة الباعة للبوظة، والقهوة، والفاكهة وجنى منتجات أرضنا المعطاء، والكعك، والفلافل، قبل أن ترتاح قرب لاعبي طاولة النرد والشطرنج، ثم تنصرف لتستأنس بأنغام موسيقى العازفين على الطرقات، أو لسماع هديل الحمام في برجهم أو في العرزال، قبل أن ترتاح على شرفة مطلة على الطبيعة.

ومن الأشياء التي رسمتها: البيانو، ماكينة الخياطة، السيارة، الهاتف، الساعة، الكاميرا، الكرسي، المرآة، الجمجمة، رأس الحصان، البومة، الفونوغراف، الديك، الحجل، الخنفساء، توك توك. والمساحة التي تحب وتعشق خولة هي قرب أحواض الورود وبين الأزهار وفي حقول الطبيعة فتنطلق بين الأقحوان والنرجس والياسمين، ثم تستريح في أحضان محترفها الفني.

أسدلت خولة الطفيلي الستار على معرض استمر لمدة يومين في جوار قلعة بعلبك التي لطالما أفردت لمعابدها وهياكلها وآثارها معارض عدة في بعلبك وبيروت وسواها، ولكن الشوق سيبقى لدينا لرؤية باقة جديدة من عطائها اللا متناهي.

اترك رد