سعيد غريّب
أين كان رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي يوم دخل النازحون السوريون، بعشرات الآلاف إلى لبنان، في العام 2011، ومن دون أي سقف، على عكس ما فعلته تركيا أو الأردن على سبيل المثال، ويوم حذّر العونيون، وفي مقدمهم الرئيس ميشال عون من تداعيات هذا النزوح؟ وأين كان وزراء «التيار الوطني الحر» أوّل من أمس، عندما دعا ميقاتي نفسه إلى جلسة لمجلس الوزراء مخصصة للنزوح وغابوا عنها، وحذّر فيها قائد الجيش من تهديد وجودي للبنان؟
النائب طوني فرنجية يقول إنّ النزوح السوري يشكل خطراً على الهوية اللبنانية، وعلى القوى السياسية تحمّل مسؤولياتها. من هي هذه القوى يا ترى؟ هل هي حليفة أم مناوئة أم مجرد أشباح؟ إلى ذلك، هل بات واضحاً سبب تفجير مرفأ بيروت؟ ما هذا «اللبنان» الذي تمرّ فيه أخبار مثل اشتباكات مسلحة، وإصابة مركز للأمن العام أو إصابة مركز للجيش اللبناني أو إصابة مواطنين ودخول الآلاف خفية وعلانية، وكأنّها أخبار أقلّ من عادية؟!
ما هذا الفلتان غير المسبوق وغير المألوف؟! ما هذا «اللبنان» الذي ينهض فيه المواطنون من فراشهم، وينامون على أخبار كتراجع المبادرة الفرنسية، أو تقدّم على هذا الخط أو ذاك أو تأثير المفاوضات الدولية هذه أو تلك على أوضاعهم؟! الكبار يخطّطون وينفّذون، وفلاسفة الجهل يحلّلون ويناقشون وينظّرون ويرغون على الشاشات.
إلى هذا كلّه، نحاول دائماً أن نبحث عن الايجابيات فهي كثيرة. ولكننا لن نتأمّل كثيراً، كي لا نخيب كثيراً. فالشعوب التي اعتادت أن تحركها القوى الخارجية لا تستطيع أن تقيم وطناً ولا دولة، والشعوب التي يقودها الزعماء لا تعرف شيئاً عن مفهوم الدولة، والدولة لدى السياسيين الجدد، خصوصاً، هي مجموعة شركات تعيش على «الكومبينات والكليكات والتركيبات». و»النيوسياسيون» يقودون الناس إلى مستنقع الترهات، والناس في مرحلة صعبة أخرى من مراحل المصير. يريدون مقاعد وحصصاً، ويمارسون الفجور، ويطلقون الدعوات المفتوحة إلى نزاعات مفتوحة بخطاباتهم وشعاراتهم واستخدام الشهداء عند الحاجة، وممارسة الفدرالية من جانب واحد.
وسط هذا الجو الصعب، أين يبيت الدور المسيحي الرائد الذي يفتقده لبنان اليوم؟ إنّ المسيحيين المطلوب منهم استعادة دورهم الريادي، مطلوب منهم أولاً استعادة فكر رجالاتهم الذين أرسوا فكرة لبنان أولاً، ولبنان الوطن ثانياً، ومعادلة أنّ لبنان المسيحي لا يعيش ولبنان المسلم لا لزوم له، وحقيقة أن لا مكان لهم خارج المسلمين.
مطلوب من المسيحيين الموارنة استعادة فكر ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وجواد بولس وفؤاد فرام البستاني وإدوار حنين. ومن الروم الأرثوذكس استعادة فكر شارل مالك وقسطنطين زريق وغسان تويني وكمال الصليبي. ومن الروم الكاثوليك استعادة فكر المطران غريغوار حداد ونصري المعلوف ومن الأقليات فكر ميشال شيحا، لكي تستقيم الحياة الوطنية ويستقيم مستقبل شباب لبنان.
وعلينا أن نتذكر جميعاً أنّ المستقبل أصعب بكثير من الماضي ومسؤوليات القيادات الحالية تجاه الطائفة. ومسؤوليات الطائفة تجاه لبنان أصبحت كبيرة بحجم العصر الذي نعيش فيه، حيث ترسم حدود جديدة تارة بالدم والنار وتارة أخرى بالمصالح والصفقات الكبرى.
إنّه الايمان ما ينقصنا والأمل أيضاً. وإلّا فلنفتش عنهما وعن الرئيس العتيد في الشخص المناسب. وليعذرنا المرشحون للمنصب الأول في الدولة، إن لم نجارهم في همومهم المباشرة. فنحن اللبنانيين طلاب حياة جديدة لشعبنا المنكوب في وحدته واستقراره، ولسنا طلاب مناصب. يبقى أنّ المهم الا يندم المسيحيون على الجمهورية الثانية كما ندموا على خسارة الجمهورية الأولى.
***
*نداء الوطن 13-9-2023