سعيد غريّب
يمثّل الحوار عموماً، وفي حالات المشكلات المعقّدة، المنفذ المودي إلى الحلول العملية، إن صحّ تحديد الأهداف والبرنامج المطلوب والأشخاص المؤثرين في الحلّ والرّبط. لكنّنا، والبلاد تغرق في فقدان الانتظام المؤسسي وتزلزل الاستحقاقات الدستورية، يتحوّل مجرّد الدعوة إلى الحوار إلى مناسبة اضافية، لإشعال نار الأزمات المستعصية.
فمن التصريحات المعارضة، ينضح الطّعن بالداعين والشروط والبرنامج والخلفيات، لتبقى الأزمات معلّقة والحيطان مسدودة والآفاق معدومة. وتطرح الاسئلة تباعاً: هل المطلوب التوافق على الرئيس؟ أم على مواصفاته؟ أم المطلوب سلّة كاملة تعكس سبل تقاسم السلطة وأشكال ممارستها، في القضايا الكبرى والمسائل الصغرى؟
وفيما يفترض بالدستور أن ينظم الحياة السياسية وعمل مؤسساتها فيحسم بمواده كيفية حل الخلافات، الا أنّ المشكلة التي يتفرّع منها هذا التعقيد تنبع، في الأساس، من افتقار دستورنا المولود من اتفاق الطائف إلى آلية ديموقراطية، لحلّ هذه الخلافات التي تقطع طريق الاستحقاقات الدستورية، وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية.
واذا أردنا العودة إلى موجبات الدستور، فإنّ اليوم السابع من الحوار المقترح يجب أن يكون هو اليوم الاوّل، بحيث يصار إلى انتخاب رئيس الجمهورية، على أن يليه الجلوس إلى طاولة الحوار، لمعالجة الثغرات الدستورية التي تغرق الصلاحيات ودور المؤسسات في الابهام والغموض، ولا سيما لجهة دور رئيس الجمهورية المنتظر ولنا في هذا المجال وقفات وملاحظات.
البداية من المادة 49 من الدستور اللبناني. فماذا تقول المادة في الفصل الرابع – السلطة الاجرائية؟ تقول أولاً إن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه.
وتقول المادة 50: عندما يقبض رئيس الجمهورية على أزمة الحكم عليه أن يحلف أمام البرلمان يمين الاخلاص للأمّة والدستور. وفي المادة 53، يترأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء عندما يشاء من دون أن يشارك في التصويت. وفي المادة عينها، يسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، استناداً إلى استشارات نيابيّة ملزمة، يطلعه رسمياً على نتائجها.
إلى هنا يجب التوقف عند ملاحظات ثلاث منها أنّه يجب البدء بتصويب الخلل لانتظام الحياة الدستورية والسياسية.
تقول الأولى إنّه ما دامت السلطة الاجرائية منوطة برئيس مجلس الوزراء أي رئيس الحكومة، لماذا أدرجت السلطة الاجرائية في المادة 49 لرئيس الجمهورية وفق العنوان الآتي: الفصل الرابع السلطة الاجرائية أوّلاً رئيس الجمهورية.
في هذه الحال يكون رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة الاجرائية ليطرح السؤال الآتي: عندما يترأس رئيس الجمهورية جلسة لمجلس الوزراء عندما يشاء من يكون رئيس السلطة الاجرائية هو أم رئيس مجلس الوزراء؟ لا جواب واضحاً حتى من الأركان الذين صاغوا اتفاق الطائف. من هنا يجب تصويب هذه المادة على أهميّتها إمّا بتعديل العنوان وإما بتنفيذ ما ورد في المادة.
الملاحظة الثانية وفي المادة 53 عينها: يسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها. علام سيتشاور رئيس الجمهورية مع رئيس المجلس النيابي ما دامت الاستشارات ملزمة؟
الملاحظة الثالثة: هل الاستشارات ملزمة بإجرائها أم بنتائجها لأنّ المشترع اكتفى بـ»ملزمة». إلى ذلك هناك خلل بمسألة المهل كالمهلة المعطاة لرئيس الجمهورية، في اصدار المراسيم وعدم إعطاء مهلة لرئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة. صحيح أنّ في علم الدستور يمتاز بعض المواد بالمطاطيّة لكن درجة الغموض المعتمدة تصل إلى حد كبير. هل لأنه صعب التنفيذ أم لأسباب أخرى؟
إنّ التفسير المنطقي لتجربة الأعوام الثلاثين الماضية يقول إنّ الطائف وضع بهذا الشكل كي لا ينفّذ، ولأنّ الوصاية كانت الكفيلة بتنفيذ ما رأته مناسباً، وإنّ الآلية الديموقراطية لحل الخلافات كانت الوصاية، وهذه الأمانة سلّمتها الوصاية للوريث الحاكم بآلية وغير آلية.
إنّ حوار السياسيين في لبنان أصبح أضحوكة ويعادل اليأس، فيما المواطنون العاديون يحلمون بشخصية تحترم الدستور والقوانين- ولعل كلمة احترام هي أبلغ ما في الدستور اللبناني على صعيد الحضارة الديموقراطية ومكتسبات الانسان عبر الأجيال- لكنهم يعجزون عن ايجاد هذه الشخصية المستقلة، بفعل الواقع الاليم، أو المهاجرة بسبب قرفها، أو المتوفاة نتيجة قهرها، أو المتفرجة وفي قلبها شيء من حتى.
***
*نداء الوطن 7-9-2023